أثناء قراءتي للصحافة الأميركية لاحظت اهتماما بكتاب جديد للباحث الأكاديمي في جامعة كولومبيا رشيد خالدي، وخاصة في صحيفة " ذي نيويورك تايمز " . العنوان الأصلي للكتاب هو " Resurrecting Empire" أو " نهوض الإمبراطورية ". صدر الكتاب في أيار ( مايو ) الماضي عن دار Beacon Press.

يرى الدكتور خالدي ان الولايات المتحدة ، ومن خلال تجاهل الآراء الخبيرة بتاريخ الشرق الأوسط ،أوصلت الأمور إلى وضع كارثي. إنها منطقة شهيرة بمقاومة القوى الخارجية التي تحاول السيطرة عليها أو التأثير على هويتها. وبرأي الدكتور خالدي لا أحد من الذين اتخذوا قرار الذهاب إلى الحرب كان على علم ودراية بهذا التاريخ لمنطقة الشرق الأوسط. يشدد مؤلف الكتاب على الأجيال الشرق أوسطية التي قاومت التدخل في المنطقة ( البريطاني والفرنسي ) وحتى الأجيال الشابة الآن لا تزال واعية وعلى دراية بالخسائر التي تكبدتها المنطقة بسبب التدخل الخارجي.

لذا فإن سكان المنطقة نظروا إلى التدخل الأميركي بأعين المفهوم الموجود لديهم عن الاحتلال والتدخل في منطقتهم خلال العقود الماضية. ويوجد سؤال هام – برأي المؤلف – وهو : ما إذا كانت الولايات المتحدة ،من خلال التدخل والاحتلال وفرض نظام جديد في العراق ، تخطو عن قصد أو غير قصد ، نحو القوى الكولونيالية الغربية القديمة، وحتى أسوأ من ذلك ، لأنها ربما تفعل ذلك في منطقة ذاكرتها حية بنضال طويل لطرد الاحتلال الكولونيالي البغيض ".

يمكن إجراء مقارنة بسيطة بين تصريح نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني حول الجنود الاميركيين " كمحررين" ، وتصريح جنرال بريطاني في بغداد عام 1917 حينما قال " نحن لم نأت إلى مدنكم وأرضكم كغزاة أو أعداء وإنما كمحررين ". برأي المؤلف من يدرك هذا التاريخ كان باستطاعته أن يخدم حكومة بوش كثيرا.

واتفق صحافيون وباحثون مثل إيفو دالدر ( من معهد بروكينز Brookings Institution ) مع رشيد خالدي حول غياب مصداقية تصريحات الرئيس بوش عن الديمقراطية لأن الذي دلل الديكتاتوريات في المنطقة ومنها صدام حسين من الصعب أن يلقى من يصدقه في المنطقة أو يصدق خطب بوش الفصيحة عن الديمقراطية.

وتظهر موضوعية الباحث رشيد خالدي من خلال طرحه لعوامل محلية indigenous causes أيضا خلقت المشاكل في المنطقة - وليس مجرد التدخل الأجنبي ، حيث لا يمكن تحميل كل ما يحدث للقوى الخارجية . حتى التجارب الديمقراطية في المنطقة أصيب بخلل ما حيث نجد النخب تستولي على السلطة في سبيل مصالحها.

يقول الدكتور خالدي في كتابه : " لقد ابتلي العالم العربي كلية بمجموعة من الأنظمة المتشابهة تتقاسم نفس الخصائص : إنها أنظمة سياسة راكدة ، كلية الوجود، كفاية وحشية من أساليب القمع التي تحفظ أوليغاركيّتهم oligarchies ( حكم القلّة) آمنة في السلطة تمتص وتنتفع من فوائض مجتمعاتها ".لذا سوف يجد مؤلف الكتاب صعوبة التغيير من الداخل ورغم ذلك على الذين يتطلعون إلى التغيير في مجتمعات أخرى أن يدرسوا جيدا تاريخها قبل الإقدام على هكذا خطوة.

بالتأكيد خرجت انتقادات من قبل بعض الباحثين لهذا الكتاب ، ومنها أن المؤلف لم يتحدث عن عراق ما بعد خروج القوى الأجنبية مثل احتمال وقوع حرب أهلية أو عودة البعث أو حتى الثيوقراطية الدينية . كما رأت انتقادات أخرى أن المؤلف لم يقدم حلولا واقعية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذ اكتفى بدعوته إلى مفاوضات حقيقية. وبعض النقاد اعتبر ان مؤلف الكتاب برز كسياسي مناصر لقضية ما وأراد انتقاد حكومة الولايات المتحدة أكثر مما برز كعالم سياسي أو مؤرخ . أحدهم انتقد ما جاء في الصفحة 172 : " العراقيون والآخرون في الشرق الأوسط لديهم إحساس قوي بالتاريخ " – يتساءل المنتقد ألا يوجد هذا الإحساس عند الآخرين فهل هو فقط عند أهل هذه المنطقة ؟!

يذكر أنه من المؤلفات الأخرى للدكتور رشيد خالدي : Origins of Arab Nationalism ، Under Siege. وقد سبق للدكتور خالدي أن حصل على جوائز ومنح أكاديمية عديدة.