حوار مع القاص السوري ابراهيم العلوش
حاوره حيان نيوف: تعرف حركة القصة القصيرة في سورية هذه الأيام نشاطا لا مثيل له، ولم نعد نرى في الصحف سوا أسماء كتاب القصة السوريين، وكل كاتب منهم له تجربته وتأثيره وأهدافه. القاص السوري، ابراهيم العلوش، واحد من أبرز كتاب القصة المنحدرين من المنطقة الشرقية في سورية، وتحديدا الرقة، وهي منطقة أدب الروائي عبد السلام العجيلي. ولد ابراهيم العلوش في الرقة عام 1962 ودرس الهندسة المدنية، ومن أبرز أعماله الأدبية : رواية (وجه الصباح) وزارة الثقافة -دمشق 2001، مجموعة قصصية (الطائر والدرب ) السويد 1997، مجموعة قصصية (هذا عذب فرات) دمشق 1994.
التقت " إيلاف " القاص والكاتب السوري ابراهيم العلوش وأجرت معه حوارا ساخنا وشيقا حول قصصه،و كتاب القصة القصيرة في سورية وأحلامهم وظروفهم وأساليبهم والدور الذي يلعبه اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة.
* في هذه الأيام التي تلد بالجملة كتاب قصة وشعراء.. كيف ترى قصتك وسط الجيل الإبداعي المعاصر في سورية؟
- فعلا إن أعدادا كبيرة من الشعراء والقاصين تكتب كل يوم وقد قلت يوما لمجموعة من الأصدقاء في الساحل إننا –جيل التسعينات – أصدرنا أكثر من500 مجموعة قصصية خلال عقد التسعينات وهذا فخر لجيلنا، رد أحد الأصدقاء الكتاب :إن هذه الظاهرة مرضيّة وليست صحية.استنكرت ذلك وعزوت الأمر إلى الشراب و لكنه سرعان ما قال :لو أن الأمور مثل لبنان أو غيره من الدول التي تتمتع بحرية التعبير والصحافة الحرة لما وجدت ربع هذا العدد ممن يكتبون القصة، إن الإنسان في بلادنا مأزوم وليس مسموحا له التعبير عن ذاته إلا بالطرق الفنية غير المباشرة مثل القصة والشعر.
وفوق ما قاله الصديق الكاتب فإنك لا تنشر قصة أو قصيدة إلا بعبور سرايا من الرقباء ومفتشي النوايا وحراس الاستقرار الأبدي!!
في سوريا جيل جديد من الكتاب يحيا خارج المقولات الجاهزة ومن الممكن أن يقدم شيئا في المستقبل وما العدد الكبير من الكتاب السوريين الذي يملأ الصحف العربية والإنترنت إلا بداية ظهور تأثير حقيقي للكاتب السوري الجدي وغير المزاود من أجل مبلغ سنوي تافه أو من أجل أخذ حقه الطبيعي مقابل ما يكتب، الذي لا يضطر لتغيير قناعاته من أجل النشر وربما إضافة الكثير من الماء على أفكاره من أجل تبريدها من ناحية ولزيادة حجمها من ناحية أخرى ليتمكن من أخذ مكافأة أو صدقة أو نيل ابتسامة استحسان.
لم يتمكن جيلنا من معرفة ذاته ولم أتمكن من معرفة موقع قصتي في المشهد الأدبي لأن المجلات الأدبية محجوزة إلى الأبد لتنشر لنفس الأسماء والتي تمتدح نفس الأسماء وتشتم نفس الظواهر والقضايا التي تختلقها.
* لقد درست الهندسة المدنية، فهل ثمة رابط ما تجده بين الهندسة المدنية والسرد القصصي؟
- ليس ثمة رابط بين السرد القصصي والهندسة المدنية فنحن ندخل الجامعة بناءا على العلامات التي نجمعها في الثانوية العامة وليس بناءا على رغباتنا، هذا إذا كانت لنا رغبات في طفولتنا وصبانا المحدود المعارف والآفاق، فكل ما نعرفه في دراستنا هو القصائد الثورية والأدب الجاهلي شبه المقدس، وعندما بدأت القراءة من خارج المناهج المتحجرة فوجئت بهذا الزخم الإنساني الواسع الذي يحمله الأدب، وكل ما كنت أتصوره عن الأدب هو أن يعد الشعراء البارعين بالمديح والنفاق حيث درسنا أن غرض المديح هو أهم غرض في الشعر ولا يستطيع الشاعر أن يعيش معززا ومكرما مالم يتقن المديح الذي ينال منه الذهب والإبل ومجالسة الملوك والأمراء وكان معنا الكثير من الزملاء الذين تفتحت لديهم موهبة المديح مبكرا بالتحريض التربوي الذي ما يزال قائما واستلموا الإذاعات المدرسية وملأوا المناسبات بأشعارهم المخجلة.
ثمة أمر ايجابي أثر في أدبي من ممارسة الهندسة هو تحويل الرمل والبحص والإسمنت من ركام إلى منشأة أو منزل يصلح للحب وللحياة،كذلك الكتابة تصنع من الحبر والورق صورا وأفكارا تتحول إلى حقائق جميلة.
* منذ متى بدأت تكتب القصة القصيرة؟
- بدأت في بداية الثمانينات في منتدى جامعة حلب الذي كان يشرف عليه الكاتب وليد إخلاصي بدأب وحب لا يمكن نسيانهما أبدا ومن الأسماء التي ظهرت بفضل هذا المنتدى نجم الدين سمان وفيصل خرتش وأحمد عمر ومحمد فؤاد وآزاد علي وبسام حسين وحسين بن حمزة وعبد اللطيف خطاب وغيرهم من الأصدقاء والكتاب.
* هل ترى أنك متجه نحو " أدب السياسة " وخلق سرد قصصي سياسي.. كما فعلت في قصة " البحث " حيث تفننت في السرد والتشويق حتى أوصلت القارئ إلى فكرة سياسية وهي البحث عن الشخص الذي يقول " لا"؟ كذلك قصة " الجيل الثالث " طرحت قصتين وأفكارا عديدة وشوقت القارئ حتى أوصلته إلى فكرة تعلق الأب بالمديح دون أن يعرف الناس السبب وتبين في النهاية لأنه يريد معرفة مصير وكان حبس ابنه مقابل ذلك.. إذن أنت اخترت أن تكتب القصة السياسية بامتياز - أليس كذلك؟
- خلال الأربعين عاما الماضية لم يظهر كاتب سوري واحد خارج السياسة زكريا تامر سعيد حورانية هاني الراهب حيدر حيدر.... قل لي اسم كاتب واحد لم تكن الفكرة السياسية هي الأهم في أدبه من زكريا تامر حتى إبراهيم صموئيل وغيره، إن حرمان الناس من حرية التعبير جعلهم سجناء حاجتهم للتعبير عن ذاتهم ولم تكن قصة الحب هي الحاجة للجمهور أو للكتاب بل إن الشرطي هو المهيمن حتى على أحاديث الناس البسيطة يأتي بعده المنافق وبعده الانتهازي وفي الدرجة العاشرة ربما تجد العاشق وهذه مأساة ثقافية وحضارية أضاعت نصف قرن علينا ككتاب وكبشر فالاحتقان هو سيد القصة السورية وكذلك القصيدة ناهيك عن النقاش السياسي أو الفكري!!
لاشك بأنني معجب بجورج أورويل وكذلك بزكريا تامر كما أن دخول بلادنا في حقبة جديدة هي حقبة الانفتاح النسبي أتاح لي كتابة قصة مثل البحث أو الجيل الثالث وإنني أنوي إصدار مجموعة قصصية على هذا المنوال، منطقتنا العربية كلها محتقنة وأي تجاهل من الكتاب للشأن العام هو مضيعة للوقت فمصيرنا ومصير الأجيال القادمة يتم تحديده الآن بين المستعمر والمتطرف والمنافق.
* نشرت مجموعة قصصية ( الطائر والدرب ) في السويد 1997.. هل سافرت إلى السويد.. وعن أي دار صدرت وما هي أبرز قصصها والأفكار التي تحملها؟
- بكل أسف لم أزر السويد، كل مافي الأمر أنني نشرتها لدى دار أفانطا التي تحمل ترخيصا من السويد من أبرز قصصها قصة عبداللة الفاضل التي تتحدث عن أمير بدوي يعاني من الهجران والفقد واعتداء المجتمع عليه حيث تم قذفه للموت بحجة مرض أصابه لكنه يأبى أن يموت. ويوجد عدد من القصص التي تصف حالة الضيق والتوتر من فقدان القدرة على الحياة والحرية حيث يمشي أحد الأبطال على الأرض ويعتقد أن كل ما يراه هو ركام أجساد بشرية ناتج عن سجن صحراوي.
* نشرت رواية (وجه الصباح) وزارة الثقافة -دمشق 2001، مجموعة قصصية (هذا عذب فرات) دمشق 1994.. عن أي دار صدرت وهل هذه أول مجموعة تنشرها؟
- أول مجموعة أصدرتها هي /هذا عذب فرات/ 1994على نفقتي الخاصة وهي تستلهم أجواء الفرات، أما رواية /وجه الصباح /2001 فهي آخر عمل منشور لي صدر عن وزارة الثقافة السورية وكانت خطوة جريئة بالنسبة لي أن تصدرها الوزارة وأزال الفكرة النمطية عن مؤسساتنا الثقافية، فوزارة الثقافة التي من المفترض أن تكون مجرد مؤسسة بيروقراطية كانت فوق ذلك وإصداراتها أغنت الحياة الثقافية السورية ونأمل أن تستفيد الوزارة من أجواء الانفتاح النسبي وتحيي الحياة الثقافية السورية، سواء في إصدار المجلات و الكتب الثقافية أو نشر الثقافة السورية على الإنترنت التي يغيب اسم سورية عنها بكل أسف. وزارة الثقافة مسؤولة الآن عن إحياء الحياة العامة الثقافية بعد أن اغتالت وزارة الإعلام وبمكر دور اتحاد الكتاب الذي استساغ دوره كشرطي وجلاد للكلمة بكل أسف، ورغم إن الدولة تنفتح الآن وبشكل محدود إلا أن اتحاد الكتاب غائب عن الوجود والتجدد وكل همه ترديد الأراجيز القومية والوطنية دون أن يقوم بواجبه الأساسي وهو حماية حرية الكلمة والرأي الآخر، حتى السياسيين بدأوا يتقبلون الرأي الآخر. أما المؤسسات الثقافية ما تزال عند نفس المقولات القديمة التي تم ابتداعها في الستينات دون تبديل ودون أي إحساس بالمسؤولية الفكرية والثقافية والتحدي المتجدد لبلداننا على يد المستعمر و المتعصب الديني والمنافق الذي لا يهمه إلا مصلحته الانتهازية.
* بالنسبة لرواية " وجه الصباح " تعتبر تجربة روائية لك ومع ذلك اخترت طريق كتابة القصة – لماذا؟
- وجه الصباح هي روايتي الأولى وآمل أن أكتب غيرها لأن الرواية أوسع صدرا من القصة التي قضيت معها زمنا طويلا وسأستمر في كتابتها, المجموعات القصصية أصدرتها قبل الرواية وبالرغم من أنني أعد مجموعة قصصية جديدة لكنني حتما سأكتب رواية جديدة بعدها.
* باعتبارك من مواليد " الرقة " فهل يمكن القول ان الروائي السوري عبد السلام العجيلي ترك أثرا ما على كتاباتك –ما هي أهم أعماله التي أثرت على قصصك؟
- نعم لقد أثر الكاتب عبد السلام العجيلي في كتاباتي ولكن ليس بشكل مباشر،أثر بي من خلال تجليه الحياتي الذي عبر عن أن الكاتب شخصية اعتبارية محترمة ذات رأي مستقل وليس مجرد جزء من المداحين والهجائين الذين يملأون حياتنا الثقافية، مجمل أعمال كاتبنا الكبير ذات قيمة مهمة بالنسبة لمنطقة الفرات وتبين أهمية الكاتب الذي ينطلق من أبجدياته الحياتية وليس من أبجديات الآخرين.
* ماذا تقول لنا عن الكتاب والأدباء في الرقة من حيث إنتاجهم الأدبي وطبيعة أعمالهم؟
- مجمل أعمال الأدباء في الرقة تتأسس على كتابة القصة والرواية بسبب تأثير أدب العجيلي وشخصيته الجذابة،وتوجد أعمال قصصية مهمة لإبراهيم الخليل وخليل الجاسم وخليل الرز ومحمد جاسم الحميدي ومحمد الحاج صالح وماجد العويد ومحمد غانم وغيرهم من الكتاب مثل يوسف دعيس وعمر الحمود. لكن الحياة الثقافية والصحافة الثقافية لا تتناول أبناء الأقاليم النائية هذا إذا تناولت الشأن الثقافي بجدية وبمسؤولية وواجب،فبلادنا تفتقد الاهتمام بالفكر والإبداع رغم أنهم يطنطنون في التلفزيون بأننا في عصر اقتصاد المعرفة والمعلومة وما إلى ذلك من الأكاذيب الإنشائية التي لا تلقى أي اهتمام واقعي وإنما مجرد برستيج إعلامي وحضاري.
* هل ترى أن الفرات بشكل خاص والمكان بشكل عام في الرقة لهما التأثير على كتّابها؟
- في مجموعتي الأولى هذا عذب فرات وفي روايتي الأخيرة كان الفرات حاضرا ليس كعنوان جغرافي وإنما كمعطى حيوي ووجودي يلجأ الإنسان إلى دفقه الأبدي ليستمد العزيمة ويعيد تكوين نفسه. المكان مؤذ لنا ككتاب بسبب وجوده النائي عن العاصمة وعن الاهتمام ولولا الإنترنت للقيت صعوبات كثيرة للتواصل معك ومع الوسائل الإعلامية الأخرى.
* لقد صدرت لك أعمال عن دور النشر السورية فهل واجهتك مشاكل أثناء نشرها؟
- النشر أمر متعب في سورية ومعظم دور النشر لا تتبنى العمل الأدبي وإنما تعمل كسمسارة تنهب من الكاتب الذي يجمع قروشه من أجل أن يصدر كتابا ولا يجد من يشتريه بسبب أن الدار تربح سلفا ولا تقوم بواجبها الترويجي والدعائي وأحيانا لا نجد حتى من يشتمنا ويقول لنا لقد أخطأتم بكذا وكذا فالحوار غائب عن حياتنا غيبته المجاملات والنفاق والمشاحنات المتشنجة. وعندما تضع كتابا في وزارة الإعلام تنتظر الكثير من الزمن، حتى أن البعض أضاع مخطوطاته بين الوزارة وإتحاد الكتاب الذي وظف نفسه كجلاد وشرطي ضد الكلمة ومقابل أجور بخسة إذ كثيرا ما يشكوا لك بعض الكتاب المأجورين ظروفه ولكنه والحمد لله ولولا رقابته على الكتب بوساطة فلان وعلان لكان قد مات من الجوع، ومن المؤسف ألا يأخذ الموت أمثال هؤلاء المرتزقة.
* هل تعتقد أن ثمة اهتمام إعلامي بالأدباء الكبار وتجاهل دائم للجيل الشاب من الأدباء.. ولماذا برأيك؟
- كثيرا ما يهتم الإعلام بالكتاب والأدباء الكبار بحجة أن مدح هؤلاء الدائم يؤدي إلى تحسين صورة بلادنا أمام العرب والأجانب بالإضافة إلى أنه يجعلهم أكثر تعاميا عن الأخطاء وانتقادها.الأديب الشاب لا ينال غير التجاهل في الإعلام المحلي، ومن المعيب مثلاً أن تستمر ظاهرة أدبية شابة أكثر من خمس سنوات تقيم ندواتها في المركز الثقافي الروسي رغم أنها جمعت عشرات الأدباء الجدد وبتجاهل مطبق من قبل المراكز الثقافية التي يملؤها الغبار والخدر العقلي،هذه الظاهرة وبغض النظر عن تأييدك لها أو عدمه ظاهرة مهمة هي ظاهرة القصة القصيرة جدا التي صار لها منظروها وكتابها المحليون والعرب..
الإعلام الآن ينطلق نحو التخصيص ولم يرخص لأي شيء ثقافي خاص وإنما فقط للإعلانات والإذاعات التجارية التي ستقدم أغاني "الهشك بشك ورقصني يا ولد" في بلد نسبة الأمية فيه 28%و تزداد بدلا من أن تنقص وتسرب الطلاب بلغ حسب الإحصاءات الرسمية أرقاما مذهلة، هؤلاء الناس سوف نقدم لهم إذاعات تجارية يتسابق المستمعون لها على معرفة لون اللباس الداخلي المعلق الآن على واجهة المحل الفلاني.
انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص
ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف
التعليقات