ميلانو- حاولت المرشدة السياحية التي رافقت السائحين إلى غرفة الطعام السابقة للرهبان التي تضم تحفة ليوناردو دافينشي الشهيرة "العشاء الاخير" "The Last Supper" دون جدوى اثارة اهتمام جمهورها بتاريخ اللوحة أو جمالياتها. كانت تعلم أن الاسئلة المتعلقة بوجود الكأس المقدسة أو غيابها في العمل الفني أو ما اذا كان الحواري الجالس إلى يمين المسيح ذكرا أم أنثى سترد لا محالة الواحد تلو الآخر.
قال المترجم الدنمركي المولد هان مونك للمرشدة عقب انتهاء شرحها للوحة التي يبلغ طولها تسعة أمتار والتي اشتهرت بالاثر الواقعي الذي تحدثه في النفس والاستخدام المبتكر للمنظور "بالطبع.. تعلمين الان أن هناك شفرة دافيشني." وهزت المرشدة ليديا سانفيتو رأسها بتوجس. لم تسمع المرشدة التي تبلغ من العمر 34 عاما حديثا إلا عن رواية (شفرة دافنشي) "The Da Vinci Code" بعد أن نشرها المؤلف الامريكي دان براون في مارس آذار 2003. وكان الاهتمام أولا من قارئين أمريكيين ثم من ايطاليين وجنسيات أخرى ابتداء من أواخر العام الماضي بعد نشر ترجمات بلغات أخرى في جميع أنحاء العالم. قالت سانفيتو عن الزائرين الفضوليين "إنهم يعذبونني... لم أفاجأ من الامريكيين.. ولكن الذي أذهلني بالفعل أن الايطاليين يطرحون أيضا مثل هذه الاسئلة بالرغم من تقاليدهم الكاثوليكية الراسخة."
قلة ممن يشاهدون اللوحة التي تعود إلى 500 عام مضت هم الذين لم يسمعوا عن هذا الكتاب. ويقر كثير من الزائرين حاليا بأن ما جاء في الرواية من حكايات مثيرة عن قساوسة يحيكون المؤامرات وجمعيات سرية ورموز وثنية هو السبب الرئيسي لزيارتهم كنيسة سانتا ماريا ديل جراتسي الواقعة في أحد شوارع ميلانو العاصمة التجارية الايطالية وهو شارع كان سيسوده الهدوء لولا زيارات السائحين.
ظلت دائما لوحة "العشاء الاخير" نقطة جذب رئيسية في مدينة ميلانو التي تنزوي ثروتها الفنية بجانب ثروات مدن مثل روما والبندقية وفلورنسا. وحتى في أغسطس آب عندما يغادر السائحون الذين يقضون العطلات ميلانو لتصبح شبه مهجورة يظل هذا الميدان الصغير أمام الكنيسة يعج بالحركة. وضعت لافتة "التذاكر نفدت" على باب مكتب التذاكر بالرغم من أن السماح بالدخول لمشاهدة اللوحة لا يتم إلا بالحجز فقط منذ فترة طويلة.
ولا يسمح إلا بدخول 25 شخصا في المرة الواحدة لمشاهدة العمل الفني الذي كانت ألوانه زاهية والذي استغرق ليوناردو في رسمه أربع سنوات. وبدأت ألوان اللوحة تبهت بعد 20 عاما فتلت ذلك سلسلة طويلة من المحاولات لاصلاحها وترميمها. وتحملت اللوحة أشكالا عديدة من المعاملة المهينة ابتداء من توسيع الباب في الجدار الذي رسمت عليه مما أدى الى محو قدم المسيح الى قصف في عام 1943 تسبب في هدم أحد جدران غرفة الطعام ولكن نجت منه تحفة دافنشي بأعجوبة.
قال جوسيبي نابوليون المدير المسؤول عن اللوحة الذي عينته الدولة "شهد المتحف اهتماما متجددا من الناس الذين جاءوا لرؤية هذه التحفة الفنية بعد أن حقق الكتاب شهرة واسعة." وأضاف "للعمل عند (لوحة) العشاء الاخير وشرحها للزائرين أصبحت قراءة الكتاب مطلوبة من جانب كل العاملين تقريبا... أصبحوا أكثر من أي وقت مضى يسألون أي الشخصيات تمثل يوحنا ويسألون عن شكل الحرف (في) الذي تشكل بين جسمه وجسم المسيح." ويزعم الكتاب أن الحواري ذا الشكل الانثوي المجاور للمسيح ليس يوحنا بل مريم المجدلية التي يقول إنها كانت زوجة المسيح سرا وأم ابنه وان شكل حرف (في) V هو رمز للكأس المقدسة.. أو الانثى المقدسة.
ويعتبر كتاب (شفرة دافينشي) بحثا حديثا في الكأس المقدسة التي يقال إن المسيح وحوارييه شربوا منها في العشاء الاخير. ويقول الكتاب إن الكأس ومريم المجدلية شيء واحد. ويصور براون (العشاء الاخير) وكذلك صورة (الموناليزا) Mona Lisa وغيرها من أعمال ليوناردو دافينشي الشهيرة على أنها حافلة بالرموز التي يستخدمها أبطاله في الكشف عن حقيقة الكأس المقدسة. واللوحة الموجودة في ميلانو واحدة من عدد من المواقع السياحية على مستوى العالم استفادت من الرواية منها متحف اللوفر في باريس حيث تطرح الاسئلة باستمرار أيضا عن الرواية. ونظمت شركات جولات سياحية خاصة للمعجبين بليوناردو دافينشي. تقول سانفيتو أمام مجموعة من طلبة من جنوب افريقيا "إن يوحنا يشبه النساء نوعا ما" مشيرة إلى وجود كثير من الشبان ذوي الملامح الانثوية في الاعمال الفنية التي تعود إلى عصر النهضة. وأضافت "كان شابا". ولكن هذا لا يثبط المعجبين بالكتاب الذي باع أكثر من عشرة ملايين نسخة في كل أنحاء العالم. قالت فيكتوريا سينتون (15 عاما) من جوهانسبرج "أعتقد أن الكتاب يمكن تصديقه بصورة كبيرة... حاولنا أن نسأل (المرشدة) عن الكأس المقدسة ولكنها لم تفهم شيئا مما قلناه."
ويشكك آخرون فيما يقوله الكتاب ولكنهم لم يفقدوا فضولهم. قال جون (30 عاما) وهو أمريكي يعمل في المبيعات ولم يقرأ الرواية فحسب بل أيضا بحثا في تحليلها يحمل أسم فك الشفرة "أتطلع للوحة وأرى يوحنا... أنا لا أصدق ما قيل... الخيال يمنح أي مؤلف قدرا كبيرا من الحرية لاعادة كتابة التاريخ."
التعليقات