يقول "هوبس": إن الخوف هو هواي الوحيد في الحياة. يا لها من إثارة تندفع باندهاش صوب عدمية الشيء لتحويله إلى مادة حيّة حيث الخوف كعنصر تجريدي إذا إفترضنا ذلك إذ إنهُ سوف يعمل على رجرجة الصمت الأكثر انطباقا على حركة الحياة ومعنى ذلك إن الفنان بمخيلته الأكثر ارتفاعا من البرد سوف ينشأ تقاطعات مناخية مرسومة على الاحداثيات التي تمضي بتجرد لتعمل على بث الدفء في قلب الصقيع وربما بث الحرارة الطيبة بروح الزمهرير، سوف ينشأ ذلك الفنان معنى جدلياً في البُعد العدمي الذي نحن بصدد الحديث عنه وفق تجريد الفنان كرؤية فنية ثاقبة إذ ان البعد الكلي سوف يسقط جمعياً على مسار التفرد التجريدي لدى الفنان الذي قرر ان يلعب لعبة العبث في التجريد نفسه، إذاً الخوف عنصر تجريدي مغاير في محاولة جذب العدمية إلى المادة الحيّة تحويلاً والخوف عنصر سيّال في مجرى جاف يعمل على ترطيب الجفاف وقت ما اقتضت الضرورة الفنية، إذاً الخوف هو العنصر الفعّال الذي يجذب الفنان ليدور في مدارات خلقه الفني حيث يصهر البُعد اللوني في بوتقة العبث التجريدي ويبدو أن الفنان جعفر طاعون الذي يشتغل في مثل هكذا منطقة صعبة ومركبة من الناحية التجريدية المتحولة أخذ على عاتقه ضرورة العمل الفني والنحتي في أبعاد غريبة مبعثها التجريد الغر ائبي حيث الفنان جعفر طاعون وبعيد وصوله إلى منفاه في السويد تعهد على نفسه فنياً أن يخلق وعاءً ذي طبقات نشطة إذ كل طبقة لها عالمها ولونها في الوقت التي ترمي مخيلة طاعون في أن تشرئب بعنقها النحيل نحو كل طبقة حيث عالمها ولونها لكي يؤسس الفراغ الذي ينمو عند عدمية الأشياء حدسياً ليكمل معنى المنفى الذي وصل إليه من الجانب الفني ووفق ظني فان جعفر طاعون كان يفر من معنى المنفى إلى التجريد بدافع تجريد المنفى من معناه ومحتواه وربما أراد جعفر طاعون أن يرسم المنفى تجريدياً حتى يُمسك بجلباب الوطن الذي تحول في أخيلته حلماً هارباً وحسب،إنه الفرار اللذيذ الذي كان الفنان طاعون يسدل عليه نهاية لونية إذا جاز الوصف واقصد تحديدا الخميرة اللونية التي تعمدت لوناً واحداً في رؤية الفنان التجريدية حيث يضربُ الفنان لوناً من ألوان، خميرة من خمائر، في لوحة من لوحات أو فضاء من فضاءات، وبذلك يكون الفنان قد وصل إلى عمق من أعماقه التي لم يصل إليه احد من قبل ولا حتى هو وعليه وفي ظني إن طاعون استطاع أن يسبر أغواره المجهولة عبر ضرب من ضروب التجريد لكن بعبث سريع جدا وكأنه ينسج وشعاً من ألوان ناثراً إياها فوق متن الرمز. هنا يكون العبث هو في اللون، هنا يكون الفنان عبثياً بشكل يثير الريبة في اللون نفسه، هنا يكون الفنان المندلق من عبث الألوان أصلا مكمن الطريق الذي يؤدي إلى العبث كدفعة من دفعات الولوج الفني، هنا بالضبط يجد الفنان جعفر طاعون نفسه عبثية إلى الحد الذي يمسك بألوانه العدمية لينشرها بشكل عيني فويق فضاء لم يكن في حسبان طبقة من طبقات التكوين اللوني التي كنت قد أشرت إليها سالفا ومع ذلك نجد الفنان جعفر طاعون يمضي في بعد من أبعاد التمرد والعبث في التجريد الذي أراد له أن يكون منتميا إليه وكانت في اللاواقع بمثابة مغامرة فنية في غاية الجمال والخوف ولان الخوف عنصر من عناصر الإثارة والجمال العنصر الموصول ولان القوة اللونية المنثورة أكثر ارتفاعا من الفضاءات الأخرى ولان طاعون هو البُعد المرئي في المسار التجريدي فناً ومثولاً كان من الضروري أن يأخذ مركباً ملوناً إلى الحد أن يغري لوحة ما بالإغراق والاستغراق بعيدا في عوالم أكثر إثارة وأكثر خوفا من كل ما يدور في مكمن التطلع الخاص الذي يكون الانتماء والتمرد حيث كان طاعون قادرا على إن لا يقوى أمام نفسه في الوطن المنفي وقادراً على أن يقوى أمام نفسه في المنفى ووفق هذه الرؤية نجد الفنان يبحث عن تجريدية نفسه في المنفى المنهار إذ انه مضى من غير عنصر إلا الخوف ليجسد بواطنه تجريداً كما اخبرني بينما كلانا في الطريق إلى النرويج بعد رحلة ميلادية طالت شموع أيام، اذاً الخوف كان العنصر الصادم الذي جعل الفنان جعفر طاعون أن يجرد نفسه وباطنه تمرداً على الوطن القادم وسخريةً لاذعة بوجه المنفى الذي أطلق الرصاص على رأسه بعيد سقوط نظام العداء للألوان في بغداد. الفنان طاعون استطاع أن يؤسس بعداً في اللون بل استطاع أن يتحول إلى عبث في التجريد نفسه، انه مضى ليصور قلبه وبطنه ومعدته وجهازه الهضمي وجهازه العصبي ورئتيه وبلعومه وكل عناصر التكوين الداخلي لجسده تصويراً تجريديا بدافع التخلي عن وجوده الواقعي حتى تحويله إلى وجود تجريدي بل وعبثي في حالة من حالات التكوين المرير. السؤال : ماذا يريد جعفر طاعون من عبث التجريد بموازاة خوفه الذي يريد آن ينهي مداره عبثياً، ماذا يريد طاعون من المنفى التجريدي عند عبثية الرحيل إلى رسم العدم رأساً من غير جسد بينما جسد الفنان هو السبيل الوحيد لاستكمال الصورة القلقة التي لا تعرف إلى أين التجسيم، ماذا يريد جعفر طاعون من جثة المنفى بل ماذا يريد من معادلة الخوف التي رسمت نفسها على خارطة التجريد، هل كان عبثاً ذاك الذي يريد منه طاعون أن يتحول إلى بعد عدمي تارة ووجوديا تارة اخرى، أسئلة متداخلة في السلسلة العدمية والوجودية في عبث التجريد أو تجريد العبث داخل لوحة جعفر طاعون الحديثة التي انبجست في المنفى وموته، لقد جاءت من خضم اللامألوف في معادلة اللون المنوع او فلنقل انها جاءت عبر تكوين العناصر التي عجلت في دفع المنفى لان يسقط ترتيله في لغة اللون نفسه، يالها من مغايرة او هسهسة النص التصويري الأكثر غرابة من اندفاع موج في برية ما، يالها من قوة لان تعمل على حبس صورة لها الرغبة العارمة في ان تنفلت بشبق تجاه مناخ اللون ومساحة الجمال الذي هو اصلا في ذهن الفنان. أسئلة كثيرة تداخلت في منحى الفنان جعفر طاعون، المنحى الفني الأكثر تجريدية من المنفى الذي مضى إلى غير رجعة، ماذا يمكن للفنان أن يرتجل في معرضه المرتقب الذي لم يحن وقته بعد للافتتاح لكن وربما في بلاده التي تجردت عنه في يوم ما وألان عادت اليه وربما بتجرد فني، انه المعرض الفني الذي سوف يتوج فيه الفنان تلك الشجرة الهرمة ملكة على الوجود النصي لكن أي نص ؟ ماذا يمكن للفنان طاعون أن يرتجز في تراكم اللون الذي سوف يتحول سريعاً في ذاكرة الفنان المتأرجحة بين ضدين أو ظلين أو قلبين غريبين، يتحول سريعاً على هيئة هيكل لذة غريبة يكون معملها منتجاً للون ناطق أو رجز صامت. إن الصراع الدائر بين اللون المنثور والمساحة الضيقة في لوحة جعفرطاعون هو بمثابة دعوة تجريدية لتعرية المساحات الضيقة المنثورة في خضم الفكر القلق لدى الفنان نفسه وهو القوة التفكيكية للون الذي سوف يفضي لتفتيت المساحات المختنقة هناك بل إنها دعوة لتشظي الفكر الذي يطوق مساحات منفتحة الخلق أساساً تلك التي ما فتأت أن تتحول إلى منزلق في نظر تأمل الفنان الذي عاش في واقع مرير ملؤه البغض والكره والإكراه والإقصاء ورمي الأخر في قاع التردد بل هو المعنى المشوه الذي ما فتا الفنان أن يتأمله هو الآخر لكي يعطيه بُعداً تجريدياً لإحالته إلى المعنى الجمالي بعد إن رميه لونا وشكلا في لوحة العبث التجريدي التي كنا قد اشرنا إليها في باكورة عرضنا لهذه الحركة التاملية لطاعون وكما هو دائر من صراع في التقاطعات التي استقطبها الفنان طاعون في مركز تأمله منذ البدء على أن المعنى الاسقاطي لحركة الجزء في الاحداثي اللوني يبني في حدسه وتلونه وتجريده وتشكيله العبثي حركة كلية، حركة فنية مبعثها العلاقة المتقافزة بين فكر الفنان وحركة لوحته التجريدية التي أسسَ لها حلمهُ الأول الذي أسسَ المنفى مكاناً وزمناً وألغاه فيما بعد فكراً وتأريخاً ونظاماً مكمنه كما قلت عناصر الرمي بين متضادات لونية ومكانية فيما هو يضرب في خياله الخصب ضرباً لونياً،تجريدياً، عبثياً، في حركة لوحته التي تكون فيما بعد تجريداً كلياً مخصباً من الناحية النظائرية. إن الصراع المنفي أولاً في تشكيل طاعون التجريدي والصراع المكاني ثانياً في عبث طاعون الزماني والصراع فيما بينه أيضاً أدى في واقع الأمر إلى تجريد عناصر اللوحة التجريدية من تقاطعات كانت مرسومة في أخيلة الفنان التجريدية لكن ما العمل حيث أحيانا نبني هياكلَ بقايا حطام ففي ذاكرة طاعون مازال هناك مساحة تحن إلى الخراب ومازال هناك مساحة تجتذب الجمال حيث الصراع يعيد نفسه في مجال التجريد نفسه ولذلك كان لابد من خوض الصراع اللوني في لوحة طاعون على أساس القوة الاجتراحية التي هو افترضها تشكيلاً عبثياً.

الوصول إلى طباق اللون
ثمة عناصر مرتبطة بكتلة الخوف المتدحرجة في فضاء الفنان جعفر طاعون كعبث تجريدي كما قلت وبعض هذه العناصر تسبح في مناخ طاعون العبثي كمركب جمالي مبعثه التعادل اللوني والانسجام الشكلي لتردد تلك العناصر على مساحات الخوف نفسه ويمكنني أنا شخصياً أن احدد ماهية تلك العلاقة مابين خوف الفنان وعناصره المجسدة فنياً في أعماله التشكيلية التجريد إذا جازت العبارة من الناحية الفنية حيث يمكن أن أدرج تلك العناصر كما هو آت :
1.التصحر يعني اللون الأصفر 2. الجفاف يعني اللون الملحي الأبيض 3. اليباس يعني اللون البني الأبله 4. الاختناق يعني اللون الأحمر المشوه 5. الاحتباس يعني اللون ألكحلي وصورة الغياب ويعني اللون الأزرق ملبدٌ باللون البنفسجي المجرد، هذه العناصر التي ارتبطت قدرياً بخوف الفنان وفضاءه في مجمل عمله التجريدي الذي قفز عبثياً فيما بعد فوق تقلبات المعنى التجريدي كان في حس الفنان نفسه بمثابة انقلاب لوني جس وجسد وجسم الفعل التكويني المنسجم مع خصوصية اللون في كل بعد تشكيلي أراد منه الفنان جعفر طاعون أن يخلخله أو يخضخضه داخل أو خارج اللوحة التي بدت تشكل في رؤية الفنان طاعون عالماً متحركاً بين المنفى ونقيضه، بين المعنى ونقيضه، بين الخوف ونقيضه، بين عناصر العمق وعناصر السطح، هذه العناصر الخفية في رؤية اللون نفسه بدت تنسجم بحرقة فيما هو معمد على مستوى بعد اللون داخا وخارج العلاقة بين الخوف وعناصره. إن لون طاعون يبدأ بالعمل على مفصلين أولهما هو التناغم مع الفضاء الذي ينطلق به ليحقق مشهداً من مشاهد الانسجام مع رؤية اللوحة التجريدية التي هي مكونة اصلاً في ذاكرة الفنان طاعون، ثانيهما هو التطابق مع المسار التجريدي والفكري في مكنون اللوحة وصيرورتها بمعنى من المعاني ان جعفر طاعون كان ينتقل بلونه من بعد إلى بعد، من مكان إلى مكان، من منطقة معقدة إلى منطقة سهلة، من عبث إلى عبث ومن تجريد إلى تجريد ومن تعرية إلى تعرية، إن لون طاعون هو وصول اللون إلى نفسه ليتطابق وليطبق على تنافر وتجاذب المساحات التي يتحرك بها وذلك لملأ هياكلَ كانت بحاجة إلى توازن لأن تتمدد مع امتداد اللون وعبثه وتجريده، مع امتداد يد الفنان وهي تعبث بكل الإحتملات التي تعطيها لوحة الفنان طاعون معنىً تراجيدياً أو كوميدياً تجريديا يسيرُ فوق وتحت مسار العبث. يقول الشاعر شاكر لعيبي :( دماءٌ فوق القفل، دماءٌ تحت القفل، ترى من أين تسرب هذا الدم ؟ ). انه بالمعنى الشكلي فان لون الدم هنا احمر حيث فوق وتحت القفل الذي يمثل الصمت اللون الاحمر، إنه الدم الاحمر، إنه اللون الذي يمضي حيثما يريد ويقف حيثما يريد لكن كيف تسرب هذا الدم الذي اوحى لنا الشاعر من لون لم يكن ذات اللون مادام انه تسرب بصعوبة من بين دمين من بين الفوق وتحت القفل، هنا ماذا يريد الشاعر وماذا يريد الفنان في نفس المنطقة المشتعلة بالاسئلة، ماذا يريد طباق اللون هنا وتشكيله الذي ازاح الشاعر والفنان في الصور المبعثرة هنا وهناك، ماذا ؟ لقد زيحهما في المنثور الصوري بل ولكلكهما في عبث التجريد الصوري، لقد اراد الفنان الشاعر ان يخلص الى القول التجريدي من ان اللون وطباقه ربما يكون او يكوّن مفهوماً عبثياً في منطقة الخلاص او ربما اراد الفنان ان يخلص الى التمثيل الحي في انه قادر على بلوغ التعرية في اللون وازاحته من اشكاله وتقاطعاته ولو كان شعراً حسياً وحسب وبذلك يصل الفنان في لوحته الى طباق اللون بعد ان يصبَ جحيمه فوق فوران جنته فيشكل الهيكل والفضاء. لقد مر ت الصورة الشعرية في لوحة الفنان فنطق اللون.