من لوس انجليس: نزولا عند رغبة الممثل الأمريكي الراحل مارلون براندو، تم أمس، نثر فوق وادي الموت في كاليفورنيا وفوق جزيرة تيتياروا الواقعة على بعد 42 كيلومترا شمال تاهيتي (المحيط الهادئ) حيث كان الممثل يملك جزيرة مرجانية. واوضح ديفيد سيلي محامي براندو لوكالة فرانس ان مراسم سابقة جرت في نهاية تموز (يوليو) في منزل احد اصدقاء الممثل الاميركي شارك فيها نحو مئة شخص بينهم مايكل جاكسون وجاك نيكلسون وورن بيتي وشون بين. وتوفي براندو في الاول من تموز (يوليو) عن ثمانين عاما.
ومارلون براندو يعتبر واحدا من اعظم ممثلي السينما الأميركية، التزم موقفا اخلاقيا طوال حياته ضد العنصرية التي كانت متفشية في امريكا خمسينات القربن الماضي ضد السود. انه الممثل الذي وظف اموال هوليود التي كان يربحها في خدمة الهنود الحمر، وقضايا حركات السود في امريكا. لقد تخرج من معهد "ستوديو الممثل" وصار رمز هذه المدرسة التي كانت تنتهج أسلوبا جديدا ونفسيا سميت: الطريقة، في تاريخ التمثيل المسرحي والسينمائي. بل غير العلاقة الكلاسيكية بين الممثل ودوره، الى علاقة توتريةـ تغوص في اعمق اعماق الشخصية المطلوب تأديتها... بحركات أصابعه على وجهه مع نظرات بعيدة وطريقة تلعثمه في الكلام، خلق اسطورة البطل العصري الذي سيتجسد في اعمال شعراء "الببت جينيراشن". والممثل الشاب ماثيو بروديك أصاب الحقيقة عندما قال "في تاريخ السينما هناك مرحلة ما قبل براندو وما بعده". مثلما في الشعر الحديث هناك ما قبل بودلبر وما بعده.
لعب في عدة افلام منها "عربة اسمها الرغبة"، "يحيا زاباتا"، "عصيان في سفينة البونتي"، "الأشبال"، "يوليوس قيصر"، "هبوط أورفيوس"، "الأميركي البشع" و"في الميناء" الذي فاز على دوره تيري مالون جائزة الأوسكار. لقد وجد المسرحي الأميركي المشهور تنيسي وليمز في براندو "النموذج الأسمى ليجسد شخصياته القلقة".
وهل يمكن نسيان دوره المذهل في "آخر تانغو في باريس"، لولا حضوره الإشكالي، لكنا نسينا هذا الفيلم كمجرد فيلم بورنو عادي. ورغم كل هذه الأدوار، كان مارلون براندو يصرح دائما بأنه لم يمثل في فيلم يعبر فعلا عن طموحاته وأفكاره. إذ كان هناك دوما تغيير ما في السيناريو حتى لايصطدم بالموقف الأخلاقي للمجتمع الأمريكي، فمثلا في فيلم "الهائج" المأخوذ من واقعة حقيقية عن مجموعة من ركاب الدراجات التارية تعبث على نحو طائش وفجوري في احدى المدن الامريكية الصغيرة. كان براندو يريد ان يؤكد ان هذه الحادثة ستقع مرة اخرى بل مرات مادام الوضع الاجتماعي الحالي لم يتغير جذريا. وهذا ما لم توافق عليه الرقابة السينمائية ولا الشركة؟ وهذا ما يتوضح منذ اللقطات الأولى حيث نرى براندو يتكلم وهو فوق دراجة نارية قائلا: "لست انا الذي يتكلم"!
لم يتوان عن فضح تاريخ امريكا في اي لقاء يُجرى معه، بل ذات مرة قبل ان يعطي حوارا لمجلة "بلاي بوي" اشترط على رئيس التحرير ان يكون الحوار كله حول الهنود الحمر وحقوقهم وحقيقة تاريهخم الذي لعب الاعلام دورا كبيرا في التعتيم عليه.. وهكذا عندما فاز بجائزة الأوسكار الثانية على دوره في فيلم "العرّاب" ارسل هندية حمراء لتعلم الهيئة المشرفة على جائزة الأوسكار أمام كل الحاضرين بان براندو يرفض هذه الجائزة قارئة رسالته /الادانة ضد هوليود التي ساهمت في تشويه تاريخ الهنود الحمر.
نعم مات براندو، لكن هل تموت فعلا البراءة التي كان يجسدها، الذكورية المشحونة بالأنثوية... حضوره القوي والطاغي حتى لو كان دوره مجرد بضعة دقائق كما في فيلم "القيامة الآن"؟ كلا... كان بطلا مأساويا على الطريقة الاغريقية... عاش المأساة داخل عائلته... وها هو يودع العالم خالي الوفاض، وحيدا في بيته مهددا بالديون! كان بامكانه أن يصح أثرى انسان على الأرض... لكن كبرياؤه كان جد كبير... وهذا هو مصير كل الآلهة.
الممثل البريطاني تيرنس ستامب على حق عندما قال اثر سماعه النبأ: "كان براندو ماسة نادرة... لقد توفر له كل شيء، ومع ذلك لم يكن يأخذ نفسه كثيرا على محمل الجد، ولم يكن يتعامل مع الحياة بكثير من الجدية... لقد كان من امتع الاشخاص الذين عرفتهم، وكنت تشعر بالسعادة عندما تكون معه".
نقلت صحيفة "لوس انجليس تايمز" عن ميكو نجل براندو قوله ان العائلة تفكر بتنفيذ مشروع للممثل ببناء فندق فخم على جزيرة تيتياروا التي كان يملكها، في الوقت الذي تسعى فيه عائلة براندو والمشرفون على تنفيذ وصيته الى تسجيل اسمه وصورته لحمايتهما من اي استغلال مفرط.
انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص
ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف
التعليقات