تعود الشكوك على الأرجح في أهمية هذه الجوائز الدولية ومراميها إلى أنها أعطيت سابقاً لعدد من الشخصيات من دون استحقاق وأهلية، كما إلى مجموعة من المواقف والتطورات في الملف الإسرائيلي ndash; الفلسطيني الذي أولاه أوباما في بداية عهده أولوية قصوى وعين له مبعوثا شخصياً إلى المنطقة هو جورج ميتشل ، بنيت على مهمته آمال كبيرة ولم يفلح حتى اليوم ، وخلفه الإدارة الأميركية، في زحزحة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو عن مواقفها المتصلبة ، لا سيما في مطلب وقف تطبيق سياسة الإستيطان وإن موقتاً، الأمر الذي عزز موقف المتشائمين أصلاً من احتمالات حصول تغيير في السياسة الأميركية يحمله معه حقاً إلى البيت الأبيض الرئيس الشاب الأسمر المثقل بالوعود الزهرية لسكان الشرق الأوسط خصوصا.

لم يرَ 67.31 في المئة من المشتركين في استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي ( 1194 من أصل 1774) رابطاً بين منح الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام وتسريع عملية السلام بين إسرائيل والعرب أو عرقلتها ، في حين رأى 21.42 في المئة ( 380 مشاركاً) أنه يسرّع عملية السلام ، أما النسبة الأقل 11.27 في المئة ( 200 مشارك) فرأت أن هذا التطور يعوق معاودة التفاوض مع إسرائيل .

ولم يتوصل أوباما رغم خطابه السلمي ودعواته الحوارية إلى إطفاء أي من النقاط الملتهبة في الشرق الأوسط والأبعد، من أفغانستان الملتهبة باستمرار حيث أخفقت كل محاولات إنهاء بن لادن وحركته وحركة quot;طالبانquot;، إلى باكستان التي انتقلت إليها معاناة المواجهات المسلحة والتفجيرات، إلى العراق الذي لا يزال غارقاً في الدماء على أمل السلام وخروج كل القوات المحتلة منه ، إلى الحرب الأهلية التي تهدد اليمن بالتمزق مجددا، فالمآسي الإنسانية المستمرة في السودان الخاضع لابتزازات متعددة من كل حدب وصوب، بالتزامن مع تأزم كبير في العلاقات مع إيران مجدداً، بعدما كانت بدت ملامح إحتمالات تفاهم تجنب المنطقة انفجارات لا يمكن التكهن بمداها إذا أخفقت محاولات التفاهم على الملف النووي الإيراني.

إلا أن أوباما المقيّد بالمحافظة على مصالح الولايات المتحدة المرسومة منذ عقود في المنطقة لا ينفك يحض شعبه والقيادات والمواقع المؤثرة فيه على إجراء إعادة نظر ويبذل جهدا كبيراً في هذا السياق إنسجاماً في شكل خاص مع خطابه التاريخي الذي لا يُنسى في جامعة القاهرة حيث بادر إلى مد اليد إلى العالمين العربي والإسلامي للتفاهم والتحاور والتعاون، في دعوة إلى تخل متواز عما يسمى بصراع الحضارات، داعياً إلى سلام ستظل تعترضه عقبات ما دامت ثمة عقول وقلوب مقفلة ، لا سيما في إسرائيل، التي أثبتت مرة تلو أخرى أنها أقوى حتى من إدارة أوباما في دوائر القرار في واشنطن من خلال نشاط اللوبي الصهيوني، وإنها قادرة على وقف أي اندفاعة رئاسية أميركية سلمية لا ترضي مطامح قادة وتطلعاتهم اللاسلمية، أو القائمة على سلام الغالب والمغلوب وحرمان الشعب الفلسطيني حقوقه في دولته الحرة المستقلة حقاً إلى الأبد. وهذا ما يمكن استخلاصه من توصية الكونغرس، على سبيل المثال، إلى الإدارة بعدم التوجه علانية إلى حكومة إسرائيل في المطالبة بوقف الإستيطان.

والأرجح أن من لا يتوقعون تأثيرا للجائزة الدولية في مسار المنطقة هم على حق، فهذه الجائزة معنوية ، ولن يتحول العالم، ولا سيما الشرق الأوسط بين ليلة وضحاها أرض سلام، بسبب من خطابات مسالمات تصدر عن رجل فرد أيا يكن شأنه وموقعه . فالولايات المتحدة والعالم تحكمهما المصالح التي لا يمكنه تجاهله والتمرد عليها،لكن ذلك لا ينفي أن الرجل نجح إلى حد كبير في تحريك بعض الإيجابيات في صدور الناس، وقد يكون الأفضل ما دام لا بدائل أخرى ممكنة الإقبال على مفاوضته بلا خلفيات وعقد ، وفي الوقت نفسه بدون آمال كبيرة في أن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل، ولعلّ جائزة نوبل للسلام تحفزه على السعي أكثر والنضال من أجل سلام حقيقي عادل لملايين المظلومين في عالمنا .