تثار ضجة كبرى هذه الايام في وسائل الاعلام ودوائر السياسة العربية وبعض العالمية حول قرار مجلس الشيوخ الغير ملزم للرئيس الامريكي بتقسيم العراق على أساس طائفي وعرقي. هنا نقطتين يجب التركيز عليهما، الاولى ان مسالة ملزم وغير ملزم للرئيس الامريكي يجب ان لايتم التعويل عليها كثيرا. لانها اشارة حقيقية وجدية رميت وسط الملعب الملتهب كخطوة اولى لامتصاص رد الفعل الاول. وثانيآ وهذا الاهم ان قرار التقسيم على الارض وفي واقع الامر ليس بيد الادارة او الكونغرس الامريكي اطلاقآ ولاحتى بيد مجلس الامن والامم المتحدة. والوجه الاخر للعملة ان بقاء العراق موحدآ ايضا ليس بيد الجامعة العربية ولا بيد بعض الدول العربية التي سارعت بادانة القرار. بل ان قرار تقسيم او بقاء العراق بيد العراقيين أنفسهم.

فالمسالة عراقية بحتة في جوهرها وفي شكلها. رغم حجم التاثيرات الاقليمية والدولية في الواقع العراقي الحالي. أن بقاء وحدة العراق لاتتم من خلال الشعارات والمظاهرات وقصائد الشعر والتصريحات المنمقة. كل هذه الامور هي عبارة عن كذبة كبرى لايريد البعض الاعتراف بها، لذلك دماء العراقيين وحرماتهم مازالت مستباحة حتى يومنا هذا. فالعراق وقبل سقوط الصنم بسنين طويلة فقد وحدته النفسية كشعب موحد، وهذه الحالة quot; الصدمة quot; لم تاتي من فراغ بل هي امتداد استمر من الاحتلال العثماني وبدرجات نسبية من التصاعد والنزول والبروز والاختفاء وكانت الذروة خلال العقود الثلاثة الاخيرة. ومن يرى غير ذلك فانه اما يتصرف بحسن نية لايحسد عليها، او انه لم يقرأ التاريخ الاجتماعي والسياسي العراقي من خلال الواقع على الارض، وليس من خلال صفحات الكتب والمجلات وخطوط اللافتات ونعيق الشعارات الفارغة. او ان يكون من فئة ثالثة وهي الاخطر على الاطلاق وهي التي تتحمل كل الكوارث التي مرت على البلد كما تتحمل ظلال كارثة التقسيم التي بدات تلوح بالافق العلني هذه الايام. هذه الفئة هي فئة quot; المغتصبين للحكم quot;. وهولاء هم أقلية سكانية استولت دون وجه حق قانوني او انساني على دوائر الحكم والقرار وقيادة الجيش والامن والمراكز الحساسة من الدبلوماسية الخارجية وحتى تجارة الملح والشاي والطحين. والنتيجة النهائية كانت لاتشرف اي عراقي على الاطلاق حيث تم تسليم البلد الى القوات الاجنبية، وهو عبارة عن خربة مهترئة اسمها العراق. وهنا لابد من تذكير بعض الذين سوف تهتز من تحتهم مقاعدهم. ان هذا ليس موقف بل واقع حال انقله ولايحتاج الى صحائح ولا الى قال الراوي فنحن جميعا ضحايا هذه المرحلة العراقية العصيبة والخطيرة. وبالتالي ناقل هذا الكفر ليس بكافر. والوطني والعراقي والانسان الحقيقي هو من يعرض الحقائق ويبحث عن حلول لها. وليس من يصل الى اعلى درجات المرض العضال عندما يتعود الكذب على نفسه قبل ان يكذب على الاخرين.

ان المحرومين والمذبوحين والذين تم اقصائهم ونفيهم وتسفيرهم من وطنهم العراق، والذين تم تشيد اكثر من 420 مقبرة جماعية في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد مكتشفة لحد الان من اجساد احبتهم واهلهم وتدمير حتى الاهوار. والذين تم رش جبالهم وقراهم في كردستان العراق بالكمياوي وبتهديم مئات القرى على رؤوسهم. مثل هولاء الضحايا جميعا ليس احب الى قلبهم اكثر من العملية الديمقراطية والدستورية وصناديق الاقتراع التي تضمن لكل عراقي حقه الدستوري والانساني دون مزايدات وطنية وقومية فارغة. اما غير ذلك فلن يكون سواء السير الى الطريق الذي لم يعد مجهول بعد اليوم. لانه لايمكن التعايش على الاطلاق مع تصريحات وتصرفات رئيس قائمة تمثل طائفة عراقية معينة مثل عدنان الدليمي وهو يقول بصوت عالي في مؤتمر اسطنبول الطائفي quot; سجلوا اني طائفي. فالشيعة كلهم صفويون وهم القرامطة والزنج الذين يريدون حكم العراق!!quot; لااعرف ماذا يتوقع الدليمي من ردود الافعال النفسية والواقعية على مثل هكذا تصريحات علنية.!! كما لااعرف ماذا يتوقع من احتضن الارهابيين الذين فجروا مرقد ومأذن الامامين العسكري والهادي quot;عquot;. ولحد هذه اللحظة لم يبادر احد لبناء ولو حجر واحد كرسالة محبة وحسن نية للطرف الاخر!! وكما لااعرف كيف يفكر من احتضن المقبور الزرقاوي الاردني ويحتضن خلفيته الان الارهابي المصري وحتى يحتضن quot; ولي عهده quot; الجاهز التونسي والذي تم القاء القبض عليه قبل يومين في اللطيفية.!! وكذلك من يدعم دولة ابو عمر البغدادي الارهابية عليه مراجعة نفسه جيدآ. وحتى طارق الهاشمي ومبادرته الاخيرة التي سميت quot; مبادرة العقد الوطني quot; وهي في حقيقة الامر مبادرة quot; للترقيص quot; اكثر منها عقد وطني!! لانها عبارة عن كلمات متقاطعة ومجموعة حزورات وحزمة التفافات وشعارات مرحلية تثبت ان الهاشمي مازال يعيش على اطلال الماضي.


كل هذه الامور وغيرها الكثير والطويل وخاصة بعد تفجير مرقد الامامين في سامراء ولدت ردود افعال على الارض كبيرة. وحفرت في النفوس هواجس من البعض الذي لايريد ان يستوعب المرحلة الفاصلة والتاريخية التي يمر بها العراق. وما زال يتصور حد الغرق بالوهم ان عقارب الساعة ممكن ان تعود الى الوراء. وهذا البعض بتصوره الواهم وتصرفه الواقعي والدموي على الارض يدفع الاخرين من حيث يدري او لايدري الى القبول بكل شيء وباسوء الحلول واكثرها مرارة على النفس. وحتى وان بدأ ان اكثر العراقيين يرفضون في الوقت الحالي وبشدة قرار التقسيم الطائفي والعرقي. فان ذلك وحده ليس ضمان على استمرار العراق البلد الموحد. لان الغريق في لحظات معينة يجرب كل الحلول المنطقية والغير منطقية حتى لو كانت من خلال التمسك بقشة للنجاة. والعراقيين في واقع الامر يغرقون كل يوم بدماء ابنائهم واحبتهم واهلهم، ومثل هذه الاوجاع المؤلمة تبحث عن حلول بشكل دائم وملح ودون انقطاع. ولن يكون القبول بالتقسيم اخرها في يوم ما، اذا استمر هذا الحال الظلامي.


وبوضوح اكبر ان اشخاص مثل العليان والمطلك والدليمي والضاري والجنابي والعاني والهاشمي، كل واحد فيهم حافز كبير يدفع الاخرين نحو التفكير بالحلول الصعبة. والتي لايتمناه اي عراقي مخلص وشريف. خاصة وان الاخير يريد ان يطبق على المجرم علي كمياوي قاعدة quot; عفا الله عما سلف quot;، فاي عقد وطني يتكلم عنه ويروج له!! ثم ماحاجة هولاء quot; بالصفويون والروافض quot; معهم في بلد واحد خاصة وان الصفويون يمثلون حوالي 70 % من الشعب العراقي و 83% من الشعب العربي في العراق الموحد.!! وهنا بالضبط تكمن الكارثة الحقيقية التي يروج لها بعض المجرمين الطائفيين ويستبحون دماء الاخرين.

لذلك نحن العراقيين ليس بحاجة الى تصريحات لم يعد يهتم بها احد. بل بحاجة الى عقد اجتماعي وانساني وعراقي واقعي وفعلي على الارض. يوقف اولا وقبل كل شيء نزيف دمائنا. ثم يعترف بنتائج صندوق الانتخابات ويدعم العملية السياسية وينبذ الارهاب، ويترك الاستقواء او الاعتماد على ماوراء الحدود الاقليمي والعربي على حد سواء. وقبل كل هذا وذاك بحاجة الى اشخاص من السنة العرب على جه الخصوص. ينزعون من عقولهم وهم العودة الى حكم العراق دون وجه حق دستوري وقانوني وواقعي. فعراق اليوم غير عراق الامس من اصغر التفاصيل الى اكبرها. كما على بعض الدول العربية بالذات ان تستوعب جيدا هذه الحقيقة الكبرى. وعلى ايران وتركيا تفهم ان الشعب العراقي صعب المراس وشعب حي لايمكن ان يكون تابع. وان شرارة نار العراق سوف تصيب جميع المحيط العربي والاقليمي ولو بعد حين. اما غير ذلك فسيكون مصير العراق يقرره فعلا ال quot; 76 quot; صوت في مجلس الشيوخ الامريكي الذين صوتوا لصالح قانون التقسيم العرقي. لاسامح الله. فلا تدفعوا الناس نحو اصعب الحلول واكثرها ايلامآ.

محمد الوادي
[email protected]