فوجئت كما فوجئ الكثيرون بالداعية التليفزيوني الشهير عمرو خالد يدعو للصيام الجماعي تضامنا مع الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة! وهي دعوة سبق أن طرحها الرجل أثناء القصف الأمريكي للعراق الذي انتهى باحتلاله دون أن تؤدي إلى شيء محدد!


ومع تقديرنا لعبادة الصوم لكنها بكل تأكيد لا علاقة لها بدعم الفلسطينيين أو العراقيين أو أي شعب آخر تحت الاحتلال وفي تصوري أنها آخر ما يحتاجه مليون ونصف مليون فلسطيني محاصرون في غزة!


أنا أفهم أن يدعو عمرو خالد للوقوف إلى جانب الفلسطينيين المحاصرين بجمع المعونات الإنسانية والطبية وإرسالها لهم بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة! أو يطالب الحكومات العربية والإسلامية وشعوب العالم الحر بالتحرك لوقف الكارثة الإنسانية في ألأراضي المحتلة! أو يصدر فتوى تؤكد أن عدم التضامن مع الفلسطينيين المحاصرين جريمة تتعارض مع الشرائع السماوية والأرضية!


أما أن يطالبنا عمرو خالد بالصيام ndash;فقط مجرد الصيام - تضامنا مع الفلسطينيين المحاصرين فهذه والله نكتة الموسم! ماذا سيستفيد الفلسطينيون المحاصرون من صيامنا أو حتى دعاءنا لهم حتى مطلع الفجر؟ هل سيوقف هذا إسرائيل عن حصار وتجويع وقتل الفلسطينيين وهي سياسة ثابتة لم تتغير منذ قيام الدولة العبرية؟


لقد جرب العرب طوال خمسين عاما هتافات وشعارات quot;القومجيةquot; عبر محطات الراديو والتليفزيون دون أن يتحرر شبر واحد من الأراضي المحتلة؟ كما جربوا سياسة الانبطاح منذ معاهدة إسطبل ديفيد وحتى وادي عربة مرورا باتفاقية أوسلو ولم يصلوا إلى شيء! وهاهو داعية محسوب على التيار الإسلامي يرى أن الصيام هو السلاح السري في الصراع العربي الإسرائيلي!


كنت أعمل منذ سنوات في عاصمة عربية وتلقيت على جوالي رسالة تدعو للمشاركة فيما يسمى quot;قيام بارتيquot; أي قيام الليل والدعاء تضامنا مع الشعب العراقي..وبالطبع شارك الكثيرون ndash;كل في منزله- في صلاة القيام والدعاء للعراقيين حتى مطلع الفجر..ومع ذلك لم يتحرر العراق ولا أعتقد أنه سيتحرر بهذه الطريقة من الاحتلال الأمريكي!


هذا يذكرنا بما حدث منذ قرون حين اجتمع مشايخنا في ساحة الجامع الأزهر لقراءة صحيح البخاري حتى ينتصر المماليك على الفرنسيس لكن المدفع انتصر بكل أسف على السيف واحتل الفرنسيون القاهرة!


صدقوني لن نحقق شيئا حربا أو سلما ما لم نبدأ في التفكير بنفس الطريقة التي يفكر بها الآخرون! وحتى يتحقق هذا يجب أن نبدأ في استخدام عقولنا حتى نتجاوز الهوة السحيقة بيننا وبين العالم المتقدم!


من حق الأستاذ عمرو خالد أن يدعو للتضامن مع الفلسطينيين صياما وقياما ودعاء باعتبار أن هذا أضعف الإيمان! وسواء كان الرجل حسن النية أو غير مدرك لحقيقة ما يحدث في الأراضي المحتلة فمن المؤكد أن دعوته لن توقف المجازر الإسرائيلية سواء وقعت في غزة أو الضفة الغربية!
نحن مع الصوم والصلاة وكافة أشكال العبادات التي تمنحنا قوة الإرادة لكن في ميادين الصراع لا بد من توافر القوة المادية وأسباب الردع! في عالم اليوم كما في عالم الأمس لا مكان إلا للأقوياء..أما الدعاء على الأعداء والصوم تضامنا مع الأشقاء فلن يحقق لنا سوى راحة البال فقط لا غير!
ونصيحتي للأستاذ عمرو خالد ألا يشارك في تغييب عقول الناس خاصة وأن دعوته للصوم تضامنا مع الذين يتعرضون للقصف الجوي والحصار كانت بالفعل نكتة الموسم!

عبد العزيز محمود

* كاتب وصحفي من مصر
[email protected]