عبد الجبار العتابي من بغداد: اختتمت مجلة الثقافة الأجنبية عامها الثامن والعشرين بالعدد الرايع كعدد ممتاز، لأنه كان مكرسا في اغلب موضوعاته ضمن محور (ثقافة العنف)، باستثناء الدراسات الثلاث الأول التي استهل العدد بها، وهي دراسة (الترجمة والرقابة في البيئات الأوربية) بقلمانتونيا كيراتسا، ترجمة الدكتور رمضان مهلهل سدخان، ودراسة بعنوان (إعادة تعريف الفن، حفاضا على الأبداع) بقلم الان سيغوي ndash; دوكلو بترجمة كامل شياع، ودراسة بعنوان (الأدب والسياسة) بقلم وليم أوكسلي، ترجمة الدكتور علي عبد الأمير صالح.
أما المحور فقد تضمن أكثر من اثنتي عشرة دراسة مترجمة ومؤلفة استهلته دراسة عنوانها quot;بانوراما العنف في الياذة هوميروسquot; بقلم بيير باشيه، ترجمة كامل عويد العامري، وقد ركزت هذه الدراسة على الغضب الذي احتل مكانة رئيسة منذ بداية الملحمة، بدءاً بما انشده الشاعر، وهو يطلب من الهة الشعر أن تغني quot; غضب آخيل ابن بيلوس، هذا الغضب المشؤوم الذي جلب الويلات لجيش الآخيين، والقى في المثاوي نفوسا كريمة لجمع غفير من الأبطال، وأسلم أجسادهم فريسة للكلاب والعقبانquot;، وتشير هذه الدراسة الى درس مستخلص هو أن الغضب في القصيدة الملحمية، ليس هو الغضب ذاته الذي ينتاب شخصا ما وحيدا أو ينتاب ذاتا. مستشهدة بقراءة لـquot; سينيك quot; تشير الى ان كل انسان في داخله قلب ملك.
أي إن الغضب في كل انسان هو أستعداد للتصرف كملك في أصدار الأوامر، وعدم قبول الظلم والهوان، بدلا من المعاناة وتحملها، فكل امرء يمتلك شعورا أن لايكون نكرة، إنه مثل ملك، وعليه فأن آخيل في الألياذة يضع هذه المرآة أمام كل شخص. وتأتي الدراسة التالية quot;الميديا والأرهاب، بقلم بول ولكنسن، ترجمة علاء هاشم، إنطلاقا من نفي ميشيل ويفيوركا للزعم القائل بوجود علاقة تكافلية بين الأرهاب والميديا، ليخلص الى أنه من الممكن اثبات ان الأسهامات التي تقدمها الميديا للحرب ضد الأرهاب لها قيمة فيما تفرزه من خسائر ومجازفات واضرار مؤكدة تحدثها مجموعة قليلة من الأعلاميين، فالميديا هي سلاح يمكن استخدامه كأداة رئيسة في هزيمة الأرهاب، وليس حريّا بالميديا أن تصبح أداة للأرهاب. وتتابع الدراسة التي ترجمها أمير دوشي quot;التهديد الأرهابي أون لاينquot; بقلم أيفان أف كولمان، المواقع الأرهابية على شبكة الأنترنيت لأنها تقدم معلومات مهمة غير مسبوقة، وفهم لأيديولوجية الأرهاب ودوافعه الحقيقية، على الرغم ماتثيره مخاوف صناع السياسة. ويترجم احمد خالص الشعلان دراسة عنوانها quot;الأرهاب الجماليquot; بقلم آدم بارفري، الذي يصح بوصفه مصطلحا على ثقافة مستهلك يعود الى نظام لاملامح له أكثر مما يصح على الرواد. وتتحدث دراســــــة quot; الترويج لثقافة العنف quot; بترجمة عبد الله راضي حسين عن أساليب الترويج من خلال رصد اجهزة الأعلام في المملكة المتحدة، مشيرة الى الآثار الضارة الناتجة عن مشاهدة مظاهر العنف على الشاشة،مقترحة وسائل توجيهية عديدة للتخفيف من آثار صور العنف على الأطفال والمراهقين الذين يصلون بسهولة الى وسائل الأعلام هذه وهي لاتتلائم مع أعمارهم.
ويكتب الدكتور فاضل سوداني، من كوبنهاكن، دراستين في ثقافة العنف : عنوان الأولى quot; العنف وهستيريا الروح المعاصرة في النص الشكسبيري، ريتشارد الثالث... أنموذجاquot; والثانية quot;فان كوخ رحلة ضوئية باللون والجسد للتطهير من العنفquot;، في الأولى يؤكد على أن شكسبيرا دائما ما يدفع بطله الى الأيمان المطلق بخراب الوجود المحيط به لدرجة الرعب الذي يؤدي به الى رفض كل شيء من اجل ان يخلق التراجيديا الحدث الشاملة والبارادوكس في روح البطل، لذا فإن ريتشارد الثالث يصرخ: quot; وما الممالك الاّ رمادا كلها quot;. ويرى الكاتب في الدراسة الثانية التناقض بين مايعيشه الفنان من واقع يحيط به، وواقع الفنان الآخر، ومن هنا كانت الأزمة الحقيقية للفنان فان كوخ التي شكلت مواضيع لوحاته والوانه وغضبه وعنف ايقاعاته حرجاً ورفضا أجتماعيا حادا.
واستكمالا لملف ثقافة العنف نشرت المجلة مقتطفات من كتاب نعوم تشومسكي quot; قافة الأرهابquot; بترجمة فضيلة يزل. فضلا عن دراستين في السينما، الأولى بعنوان quot; الشهادة الفيلمية بوصفها عملا جنائزيا quot; بقلم سوكو فاي ـ فاكاليس، ترجمة جودت جالي، وهي بخصوص ريتي بانه الذي قدر له النجاة من الأبادة الجماعية التي ارتكبها الخمير الحمر، قيغادر بلده وهو في سن الخامسة عشرة، على أمل أن ينسى الرعب ويبدأ حياة جديدة في عالم آخر، ولكنه صار سينمائيا، ليلقي نظرة، فيما بعد، داخل آلية الجريمة من خلال فيلمه: موقع s21 .أما الثانية، فبعنوان quot;العنصرية ورهاب الأجانب في السينما الأسبانية المعاصرةquot; بقلم يولاندا مولينا غافيلان وتوماس ج. دي سالفو، ترجمة عادل العامل، وتتناول الدراسة هذه مجموعة من الأفلام الجريئة التي تنتقد الأنماط الأوروبية من رهاب الأجانب بشكل واضح كما هو الحال في فيلم quot; نظرة الرجل الأسود quot; لأيمانويل أوريبي quot; وفيلم quot; تاكسي quot; لكارلوس سور، الذي يعكس قلقا عاما من الأجندة الأرهابية والعنصرية للفاشية الجديدة بأنعطافة أسبانية.
وتترجم الدكتورة سندس فوزي فرمان حوارا عنوانه quot; غضب وعنف في زمن العولمة quot; مع الكاتب من أصول هندية : أرجون ابادوريه، نشرته مجلة اسبري الفرنسية بعددها الأول من العام 2006، وقد اجاب الكاتب على اسئلة عديدة عالجت قضايا مابعد الكولينيالية، وموضوعة الحرية، والخوف بأعتباره أداة من أدوات السلطة، والحداثة المائعة، والحرب والأحتراب والترهيب والأرهاب، والبعد الثقافي للعولمة وامكانياتها الكامنة.
كما نشرت المجلة حوارا آخر مع الدالاي لاما اجراه روبرت ثورمان وترجمته غيداء الفيصل، وهو حوار عن الصين والكراهية والمعارضة.
ومن الملفت للنظر أن المجلة استكملت المحور بمجموعة من القصائد لعدد من الشعراء الأميركان، تحت باب quot; شعراء ضد الحرب quot; ترجمة كامل شاكر حامد quot;، من بينهم ريتا دوف وهيدن كاروث وسام هاميل وبيتر كويوت وجيم هاريسون ومارلين هاكروفيليب والت وآخرين.
اما باب النصوص فتضمن ثلاثة قصص قصيرة هي : quot;شيخ يموت quot; للكاتبة الألمانية لويزه رينز، ترجمة طارق حيدر العاني، وقصة quot; يوم عطلة quot; للكاتبة كاترين مانسفيلد بترجمة ابراهيم عبد الرزاق، وقصة quot; الكرايسارات السبعة quot; للكاتب المجري جيكموند موريس، ترجمة إعتقال الطائي، وهناك قصيدة قصيرة، بعنوان quot; أنت quot; للشاعرة آنا أخماتوفا بترجمة عبد الحسين رزيج.
وتناولت المجلة الفنان فرناندو بوتيرو فنانا ومؤرخا من خلال دراسة كتبها سلفيو اكاتوس بترجمة الدكتور فائز يعقوب الحمداني، فقد وصلت تجربة الفنان الى آفاق جديدة من خلال تبني التجارب الفنية السابقة .
وكعادة المجلة هنالك كتاب العدد، الذي جاء تحت عنوان quot; الأطروحة اللاهوتية quot; وهو النص الكامل للقصيدة التي كتبها الشاعر البولوندي تشيسواف ميووش، وترجمها هاتف جنابي، وكان الشاعر قد كتب هذه القصيدة في العام 2001 وصدرت ضمن ديوانه الذي نشر في العام 2002، وقد أذن الشاعرقبل وفاته، للأديب هاتف جنابي ترجمة القصيدة ونشرها باللغة العربية.
وهذه القصيدة،كما يقول كاتبها، كتبت بحثا عن لغة تمكن الشاعر التكلم بها عن الدين طالما تشكل اللغة المقبولة، التعبدية، هاهنا، عائقا... أنها قصيدة حول بحث الشاعر عن ذاته الثقافية ومكوناتها الأساسية.
القسم الأخير من المجلة كان باب المتابعات، فقد كتب الناقد أحمد ثامر جهاد موضوعا عن quot; حداثة الرواية السينمائية quot; وكتب الأديب باقر صاحب قراءة حول مانشرته المجلة في عددها السابق من قصائد مختارة، للشاعر المكسيكي خايمي سابينس.
والجدير بالذكر ان مجلة الثقافة الأجنبية التي يرأس تحريرها الأديب والمترجم كامل عويد العامري تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد.
لمراسلة المجلة:
[email protected]
التعليقات