حوار مع د. محمود أبو دومة مؤسس ومدير الملتقى الإبداعى الدولى للفرق المسرحية المستقلة
محمد الحمامصي: درس د. محمود أبو دومة المسرح تنظيرا وتطبيقا في مصر وألمانيا وبريطانيا وأمريكا ونشر في عام 1981 ثلاثة نصوص هي: جاؤوا الينا غرقي ـ والبئر ـ و رقصة العقارب، وأخرج من يخاف فرجينيا وولف؟ لإدوار آلبي في عام 1990، بعدها قدم (مارا ـ صاد) لبيتر فايس عام 1993 ثم رقصة الموت عن نص (فلنمثل سترندبرغ) لفريدريش دورنيمات في 1994 وسواها، وله عدد من المؤلفات النقدية منها (علي خشبة المسرح) و(تحولات المشهد المسرحي)، ومن إبداعاته (نوستالجيا) ومجموعة مسرحيات (البير، وجاءوا إلينا غرقي، ورقصة العقارب)، عمل مدرسا للإخراج والتمثيل بقسم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ويعد واحد من أبرز المسرحيين النشطين في مصر، فهو لا يكتفي بالتدريس بالجامعة ولكن يكتب ويخرج ويمثل، والآن يعمل مستشارا لمركز الفنون بمكتبة الإسكندرية، ويترأس الملتقي الإبداعي السنوي لفرق المسرح المستقل أوروبا والبحر المتوسط، الذي قام بتأسيسه منذ أربع سنوات وتقام دورته الخامسة خلال الفترة من 1- 10فبراير 2008، ويشارك فيها أكثر من 24 دولة أوروبية ومتوسطية من بينها مصر والأردن، وإيطاليا، وسلوفينيا، وفنلندا، وليتوانيا، وفرنسا، وكرواتيا، والجزائر، وإسبانيا، وهولندا، وبولندا، وألمانيا.
** أولا نود التعرف علي برنامج المتلقي في دورته الخامسة التي تقام أوائل الشهر القادم؟
** يتضمن الملتقى هذا العام 16 عرضا مسرحيا, بالإضافة إلى 14 ورشة تدريبية في مجالات التعبير الإيمائي, وتحريك العرائس, والارتجال, وبناء الشخصية المسرحية, وخيال الظل, والأقنعة والصوت, وحرفية الممثل.كما يتضمن البرنامج التدريبي مشروع quot;الفصل الدراسي الدولي لطلاب المسرحquot; والذى يضم 18 طالبا من شمال وجنوب المتوسط, وذلك من خلال برنامج تدريب يومى يستمر لمدة 9 أيام, بالإضافة إلى برنامج خاص بالحوار بين الطلاب تحت مسمى quot;ضرورة التنوع الثقافىquot;، وبرنامج تدريبى خاص بموجهى المسرح المدرسى من الشباب, يهدف إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الدراما كوسيط للتعلم, وكيفية بناء قاعدة مشاهدة جماهيرية والتكوين المعرفى بالمسرح.
هذا فضلا عن برنامج الحوار، والذي يعقد تحت اسم quot;أربع محاورات في حرية التعبير في المسرحquot;. كما ينشر الملتقى هذا العام 6 نصوص مسرحية من خلال برنامج النشر quot;أول مرةquot; الذي يتضمن نصوص مترجمة من وإلى اللغة العربية من هولندا، سلوفينيا، سكوتلاندا، النمسا، وبولندا، تونس.
** وهل تعتقد أن الملتقي الذي تترأسه خلال دوراته الأربعة الماضية لعب دورا في تنشيط حركة المسرح المصري؟
** لا أستطيع ادعاء ذلك، لكن الملتقي بعد هذه الدورة الأخيرة أستطيع القول أن له وجودا وكيانا، وأنه أقنع الكثير من الشباب بأهمية التدريب والتعليم، والمشكلة الأساسية في مصر أنه ليس هناك متعلما أو متدربا حقيقيا، من أول النجار والسباك حتى.... !!، يعني تأتي بضابط وتجعله رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية والحكاية تمشي مفيش مشكلة، لكن لا نملك الإيمان الحقيقي بأهمية التدريب والتعليم، لقد ظلت مصر غنية بالكوادر عندما كان هناك تعليم، إنما حاليا مصر أين التعليم؟، لا يوجد، تحصل علي شهادة الطب وتذهب إلي السعودية فيعاودون اختبارك (شوفت الخيبة السوداء التي وصلنا لها)، صحيح المسرح لن يقتل مريضا أو يضر أحدا لكن في الخارج يعتبرونه علما وينظر للفنان المسرحي أو السينمائي بكثير من التقدير لأنه من الناس السوبر الذين اختصهم الله بهذه الموهبة، إنما الأمر في مصر لا يوجد علي هذا النحو، الدور الأساسي الذي تلعبه مكتبة الإسكندرية هو استضافة التجارب المسرحية ومن ضمنها الملتقي الإبداعي، وفي إطار هذا الملتقي نقدم العديد من البرامج منها برنامج تعليمي اسم الفصل الدراسي الدولي لطلاب المسرح، جمعنا في الدورة الأخيرة عشرين طالبا من جميع دول أوروبا والبحر المتوسط، تعايشوا مع بعضهم البعض علي مدار عشرة أيام بمعدل ثماني ساعات يوميا، كل يوم يدرسون شأنا من شئون المسرح، وفائدة هذا البرنامج ليس مجرد التعليم وتبادل الخبرات ولكن الحوار بين مبدعي ضفتي المتوسط، وفي اليوم الأخيرة كانت هناك مائدة مستديرة حول الآخر وصورة الذات، أقسم لك أن ما قاله هؤلاء الطلاب الذين في بداية العشرين لو أن هناك أي مفاوضات سلام تحدث في العالم لابد أن تبدأ من هنا، لأنهم يتكلمون دون أقنعة أو زيف أو مؤامرات أو مصالح، يتحدثون عن حق كل إنسان في الحياة علي هذا الكوكب في سلام ومحبة وضرورة الاختلاف والتنوع الثقافي، ما الذي دفع ألمانيا إلي قيادة حرب عالمية هي هذه الشوفنية الشديدة لهتلر وعدم الاعتراف بالآخر والوصول إلي نفيه، كما تفعل الجماعات الإسلامية حاليا، ليس هناك أخر بالنسبة لهم، منذ بدء الثمانينات بدأت الحديث عن إسلام آخر، بل ذهبت إلي رب آخر، (طب الناس اللي قبل كده، أهالينا دول كانوا كفرة ولا ايه).
** في ضوء هذه الرؤية ورؤيتك الثقافية عامة ما هو تقييمك للعلاقة مع الآخر في ظل اتهامات متبادلة بين كلا الطرفين؟
** أنا أرى أنه من حق كل الناس التعبير عن ذواتهم، والعيش في سلام وضرورة الاعتراف بالآخر والدفاع عنه، أنا لست ضد الجماعات الإسلامية ولا الأخوان المسلمين، بالعكس، أنا أحترم رأيهم و أحترم مساحتهم في التعبير، ولكن أطلب منهم احترام رأيي ومساحتى في التعبير، لا يأتي أحدهم ليقول لي إن معه نظرية تقول أنه مفوض من الله لاحلال السلام في أرضه، الله لم يتكلم مع أحد ولم يعط تفويضا لأحد، والكتب السماوية لم تعط تفويضا لأحد، فبأي حق تنتزع ذلك وتتحكم في مسار حياتي، أنا مع المحجبة وغير المحجبة ومع المسلم الذي يعتقد في إيمانه والمسيحي الذي يعتقد في إيمانه.
يجب أن ينظر في مصر بعين الاعتبار إلي الآخر، لأننا أصبحنا متطرفين، لا تستطيع القول أن هناك حوارا حقيقيا في مصر بين مختلف الفئات والشرائح. فأخلاقيات الغفران والتسامح وقبول الآخر قبولا حقيقيا وليس علي الورق والاعتراف بحقه في التعبير لم تعد موجودة في مصر.
** كنت أقصد بسؤالي الآخر الأوروبي في ظل اتهامات متبادلة بين كلا الطرفين؟
** ليست اتهامات وإنما توجس، من المسئول عن أجواء فقدان الثقة، هو ما حدث في 11 سبتمبر، سواء كان من خطط له الغرب أو الجماعات الإسلامية، الله أعلم، حقيقة لا أحد يعرفها، وستظل غائبة، لكن كل المفاهيم التي تبنيناها كانت تبعد بيننا، وأنا أحتاج له وهو يحتاج لي، حاليا في أوروبا كلمة مسلم تساوي كلمة إرهابي، من المسئول عن ذلك، نحن لسنا كذلك نحن لا نعرف الإرهاب، بل العكس ثقافتهم هم إرهابية، ثقافتهم فيها انفصال شديد ـ كما سبق وذكرت ـ بين القول والفعل، يعني عندهم ثقافة مسيحية تنادي بالسلام لكنها تشعل الحروب، ثقافة تنادي بالحرية لكنها استرقت أكثر عشرين مليون أسود أفريقي، ثقافتنا لم تقم بحروب عالمية مات فيها خمسين مليون إنسان، ولا اضطهدنا اليهود ولا عندنا عصور عبودية كما يوجد عندهم، ولا تكلمنا باسم الله كما فعلوا، ولا احتللنا شعوبا واستولينا علي مقدراتها، حضارتنا حضارة نقية لكن للأسف لا نعرف كيف ندافع عنها، وما فعله الآخرون في 11 سبتمبر سنظل مدة طويلة للخروج منه.
** هل تعتقد في استمرار التواصل بين المسرح المصري والمسرح الأوروبي وإذا كان انقطع فلماذا؟
** دورنا هنا في المكتبة أن هذا التواصل لم ينقطع لكنه ضعف ونحن ننميه، لماذا؟ لأنه لا يستطيع أي شاب من الشباب الصغار أن يبدع في ظل هذا الاجترار المعرفي، ويذهب ليقطف نفس الوردة كل مرة، لكن عندما يشاهد الآخر ويري مسيرته سواء اختلف أو اتفق معه يستطيع رؤية صورة للذات، أين يقف؟ كيفية استخدام التقنيات الجديدة، العالم قفز بوسائط التعبير ووسائله، كل ذلك يغذي لدى هؤلاء الشباب نوعا كبيرا من المعرفة.
التذكرة لمشاهدة العرض المسرحي في المكتبة بجنيهين وأنا أقف علي مدخل المكتبة ومعي دعوات للناس الذين أعلم أنهم لا يملكون الجنيهين، بل أقوم بعمل حاجة مهمة وأعملها دائما، أدعو فصل أولاد وبنات من إحدى مدارس المناطق الفقيرة والمهمشة لعرض في المكتبة، مثلا عرضي الأخير دعوت فصلا من مدرسة كرموز الإعدادية لأول مرة في حياتهم يدخلون مسرحا، ولا يعرفون عن المسرح سوى محمد هنيدي و.. و..، وقد استمتعوا بالعرض جدا.
** يعني هناك تواصل المسرح المصري والأوروبي والعالمي قائم علي الأقل من خلال المؤسسات الكبري وليس مسارح تجارية كمسرح محمد صبحي أو مسرح هنيدي وغيرهما؟
** ابحث دائما عن الهدف، محمد صبحي يبغي الثقافة أم الربح؟ محمد هنيدي يبغي الثقافة أم الربح؟ جلال الشرقاوي وهو أستاذ عظيم وكان في مسرحه يسمح للعرب أن يأكلوا سندوتشات ويشربوا البيرة أثناء العرض يبغي الثقافة أم الربح؟ المسرح التجاري يبغي الربح وهذا ليس عيبا، إنما العيب الأساسي أن يطغى هذا الشكل ويصبح هو الشكل الوحيد.
المؤسسات الكبري مثل مكتبة الإسكندرية لا يوجد مؤسسة تستطيع أن تصرف اثنين أو ثلاثة مليون لتستقدم 15 أو 20 فرقة مسرحية لمدة عشرة أيام وتتحمل أجورهم وإقامتهم من أجل أن تأتي وتشاهد هذا وتحصل علي مفاتيح التغيير، ونحن لا ندعي أننا نغير أحدا.
** وماذا عن مهرجان المسرح التجريبي الذي تجاوز عمره العشر سنوات ماذا قدم وماذا أفاد؟
** هو فيه مهرجان للمسرح التجريبي، أنا بعد الدورة العاشرة قاطعته لأنه استنفذ أغراضه وأصبح تكرارا لما سبق وحدث، لأنه ليس وراءه إدارة تستطيع أن تغير فيه وتضع ملامح التغيير، إنما يصرفون 15 أو 16 مليون حيث يقيم الضيوف في فنادق فخيمة جدا وتذاكر طيران، و(نور النور وأطفئ النور والموضوع ينتهي)، هذا مهرجان أعتقد أن غرضه إرضاء السياسيين، ولا أعتقد بوجوده حاليا، إنما جائز يكون هناك احتفال أو مولد أو شيء من هذا القبيل.
** تحدثت عن مشكلة الجمهور والرقابة والمجتمع مع المسرح، فماذا عنه كفن سواء مسرح الدولة أو التجاري؟
** حسنه حسن وسيئه سيئ، أنا لا أميل لتصنيف المسرح، إنما أنا ضد هيمنة نموذج علي الساحة المسرحية، لا يصلح أن يكون المسرح الموجود في الساحة هو مسرح الدولة فقط، ولا المسرح التجاري فقط، ولا المسرح الأكاديمي فقط، ولا مسرح الفرق المستقلة فقط، لابد أن تكون كل هذه المسارح موجودة، المسرح التجاري اختفي حاليا، لماذا؟ لأنه كان يستثمر مثلا مليون جنيه في مسرحية (بيلعب بها قمار يا جابت الفلوس يا مجبتهاش، يفرقعت معه يا نزلت بيه لسابع أرض)، الآن هناك استثمار أرخص هو السينما، لمّ سبعة أو ثمانية عيال وكل واحد يعمل (الشويه بتوعه) أمام كاميرا ديجتيال تؤجر في اليوم بألفين جنيه وتعمل فيلم، وهناك قاعات عرض من أول خمسين كرسي لغاية ألف كرسي، سينما مترو في القاهرة والإسكندرية لماذا تم تقطيعها وأصبحت سبع سينمات، وكذا سينما أمير، كل هذا جعل منتجي المسرح إما يموتون أو يتوجهون للسينما لأنها أكثر ربحا، تستطيع وضع وسط الفيلم إعلانات، موضوع سهل، طب ليه أعمل مسرح !!.
** وماذا عن مسرح الدولة؟
** لا أشاهده منذ فترة طويلة، وأخر ما شاهدته الملك لير ليحيي الفخراني، وأعتقد أن الفنان أشرف زكي لديه نوايا طيبة في أن يخلق نهضة في مسرح الدولة، لكن تواجهه الإشكالية نفسها عدم وجود جمهور، فما بلك التذكرة بـ 5 جنية و10 جنية و20 جنيه ولا يقبل أحد، كانت فاضية، الملك لير يحيي الفخراني وإنتاج المسرح القومي وفاضية، وأهلا يا باكوات لعزت العلايلي وحسين فهمي (فيه نجوم أكبر من كده) فاضية.
المشكلة هي اعتراف المجتمع بذلك وخروجه له، المجتمع مشغول بأشياء أخرى.
التعليقات