محمد موسى من هولندا:وافقت السلطات البريطانية الاسبوع الماضي، على عرض فيلم quot;ضاعت الطفلة ضاعت quot; للمخرج النجم الاميركي quot;بن افليكquot;، بعد حوالى الشهرين من بدء عروضه العالمية، الفيلم الذي قيل ان مخرجه ومنتجه أخر عرضه في بريطانيا ، بعد نصائح من الرقابة البريطانية، لتشابه ملامح طفلة الفيلم، مع طفلة بريطانية يثير اختفاؤها منذ اشهر الكثير من الاهتمام والقلق في بريطانيا.
من الصعب التصديق، ان فيلم quot;ضاعت الطفلة ضاعت quot;، هو من اخراج نجم شعبي هوليوودي في تجربته الاولى خلف الكاميرا، ثيمة الهوس الجنسي بالاطفال في الفيلم، والتي لا تقترب منها السينما الشعبية بسهولة، هي بالحقيقة اقل سوداوية بكثير، من ذلك الاقتراب المخيف للفيلم ، من بعض الشخصيات فيه، والمسارات التي كان على تلك الشخصيات اختيارها او التسليم بها.

النجم بن افليك مع الممثل الكبير مورغان فريمان

في مقدمة الفيلم، تقدم طبقة اجتماعية، نادرة الظهور في هوليوود. الطبقة البيضاء العاملة،بتشكيلاتها الاقتصادية والطبقية،وعلاقتها الداخلية، تغيب عن افلام الاستديوهات الكبيرة في اميركا، ولا تحضر الا في بعض نتاجات السينما المستقلة.
احياء الطبقة البيضاء العاملة في ضواحي مدينة quot;بوستنquot; الاميركية، والتي يقدمها فيلمquot;ضاعت الطفلة ضاعت quot;، هي نفسها التي ظهرت في فيلم quot;مستيك ريفيرquot; للمخرج الكبير quot;كلينت ايستوودquot; قبل خمس سنوات، قصتا الفيلمين مأخوذتان من اعمال الروائي الاميركي quot;
dennis Lehanequot; (دينس ليهان) والذي ولد ويعيش في المدينة نفسها.

quot;ليهانquot; يبدو مفتونا،بالمجتمعات الصغيرة التي تكونها هذه الطبقة، حياتها، العنف الكامن فيها، وعدم وضوحها الاخلاقي الكامل.في قصص quot;ليهانquot; تهز حوادث شديدة القسوة، النسيج الاجتماعي لهذه الطبقة البيضاء، وتدفعها الى مواجهات اخلاقية مؤجلة، والعودة الى ماض عنيف، لم ينس تماما، ويتهيأ للعودة في اي لحظة. في فيلم quot;مستيك ريفيرquot;، quot;يلهمquot; القتل الوحشي لاحدى فتيات الحي، رغبات العنف بين الناس هناك. هو ايضا يدفعهم الى البحث عن تكوينة المجتمع والامان الذي تمنحه.
يقدم بطل فيلم quot;ضاعت الطفلة ضاعتquot;، الحي الذي يسكنه، تقديما يقترب من الشاعرية. لكنها تبقى شاعرية خاصة لا يمكن فهمها بالكامل، من خارج الحدود الجغرافية والتاريخية للحي. الحياة التي تقترب من الفوضى، العنف،قرب الناس الى بعضهم، البقاء على قيد الحياة هي اسباب يبدو انها كانت كافية لتجعل الحياة في هذا الحي خاصة، وملهمة لتقديم شاعري.
الحي quot;الخاصquot;، ينكشف لعشرات الصحافيين وكاميرات التلفزيون. فطفلة لا يتجاوز عمرها الخمس سنوات اختفت، ويبدو ان بوليس المدينة كله يبحث عنها.

الممثل الصاعدكيسي افليك من الفيلم

يقدم النصف الاول القوي من الفيلم، شخصياته العديدة، التي تتشابه كثيرا في افتقادها quot;اليقينquot; الخلاقي الصارم. لكن بدت مدججة بحضور درامي سريع ومؤثر.عندما يطول اختفاء الطفلة لايام تقرر احدى القريبات الاستعانة بمحقق خاص من ابناء الحي للمساعدة في البحث عن الطفلة.

تتجه شكوك البوليس قليلا الى الام المطلقة، والمدمنة على المخدرات،هناك مخاوف كبيرة ايضا، ان تكون الطفلة وقعت ضحية لعملية استغلال جنسي، و التي تنتهي غالبا بمقتل الأطفال المختطفين. في واحد من المشاهد القوية الاولى في الفيلم، يوصف احد ضابط الشرطة (يقوم بالدور مورغان فريمان) عمليات اختطاف الاطفال، بأن اليوم الاول شديد الاهمية، لعمليات البحث عن الطفل المختفي، فاذا لم يتم ايجاد الطفل والقبض على خاطفيه في هذا اليوم الحاسم،يتم قتل الطفل بالعادة، والتخلص من جثته في اليوم الثاني والثالث!
بعد ايام من البحث، يصل المحقق الخاص مع صديقته الى نتائج غير متوقعة صادمة. التصاعد الدرامي المثير في النصف الاول في الفيلم، تراجع في معالجات مستنزفة في النصف الثاني. صحيح ان الفيلم ماخوذ عن رواية ادبية، لكن كان بالامكان تقديم بعض المشاهد الضعيفة في النصف الثاني منه، تقديما مختلفا، يقترب الى الجهد الذي بذل في بداية الفيلم، من تقديم شخصيات، جريئة الى حد كبير، صادقة ولا تتزلف لكاميرات السينما الشعبية.

البحث عن quot;من الجانيquot; في النصف الثاني من الفيلم، اثر على quot;البوتريتquot; القاسي لمجتمع الفيلم وشخصياته والتي قدمت في النصف الاول، عن مجتمع يتأرجح بين العنف والطيبة والمشاكل العميقة. حتى موضوع الهوس الجنسي بالاطفال، والذي أوحى الجزء الاول من الفيلم، بانه سوف يقدم باسلوبية مختلفة وواقعية، غاب، ليعود في النهاية،بصورة مجردة من واقعه و تقترب الى النمطية.
quot;بين افيلكquot; في فيلمه الاول، بدا كمن يضع رجلا في السينما الفنية واخرى في هوليوود، من السهل الاشارة الى تاثيرات هوليودية في فيلمه الاول. هناك مشاهد بالكامل، بدت وكأنها قادمة من مسلسلات التحري الاميركية وافلام اميركية عادية.
مثلا، تتردد صديقة البطل وشريكته في العمل، في المساعدة في البحث عن الطفلة المختفية، الشابة الحسناء جدا، تعود لتوافق بعد ذلك في معالجة شديدة التكرار، فالجميع يعرف انها سوف توافق على المهمة، فلماذا تضيع الوقت هذا!!.
الروائي (دينس ليهان)، يميل الى دفع ابطاله الى مواجهات اخلاقية عديدة، بعضها مبكر، ولا ينتظر وصول الاحداث الى الذروة التقليدية. هناك quot;ذرواتquot; عديدة في فيلم quot;مستيك رفيرquot;، قدمها الممثل الكبير quot;شون بينquot; بتمكن رائع استحق عليه جائزة اوسكار افضل ممثل عام 2004، المواجهات الاخلاقية في فيلم quot;ضاعت الطفلة ضاعت quot;، كثيرة ايضا، لكنها بدت كانها ، تريد اشراك الجمهور في تعقيداتها وأوزارها. وهذا ما غاب في فيلم quot;مستيك رفيرquot;. الذي بدا العنف فيه شأن اصحابه وحياتهم وخياراتهم.
الممثل الشاب quot;كيسي الفيك quot;، قدم دور المحقق الشاب، ابن الحي، الذي يحمل سيرة سابقة لا تخلو من العنف. اداء الممثل الشاب الموهوب بدا قريبا جدا لروح الحكاية وابطالها في قصة (دينس ليهان)، نبرة الصوت الخافته، علاقته بالحي وساكنيه، بدت قابلة للتصديق كثيرا، ولم تتاثر بحضور الممثل الهوليوودي ونجوميته الصاعدة.

[email protected]