-1-
في هذا الصيف، وفي خطبته الأخيرة قبل أيام، بمناسبة صفقة الأسرى اللبنانيين مع إسرائيل، لاحظنا كيف ألغى حسن نصر الله دور الدولة اللبنانية كليةً، وظهر بمظهر رئيس الدولة اللبنانية، وأن quot;حزب اللهquot;، هو الدولة، والدولة هو.
فحسن نصر الله، يعلن الحرب، ويقبل السلام بقرار شخصي منه، وبعيداً عن قرار الدولة اللبنانية، التي هدمها هو وحلفاؤه، منذ عامين. فهو في مثل هذا الشهر من 2006، أعلن قراراً سيادياً، وهو خوض الحرب ضد إسرائيل، من أجل أسر جنديين، وقتلهما، والاحتفاظ بجثتيهما، لكي يبادلهما بالسجين اللبناني سمير قنطار وآخرين. وقلنا يومها، وكتبنا، بأن سمير قنطار، أصبح أغلى سجين في العالم، كلّف لبنان حرباً شرسة لمدة شهر، ومئات القتلى، وآلاف الجرحى. وكبّد الخزينة اللبنانية خسائر تقدر بـ 15 مليار دولار.
-2-
وحسن نصر الله، يتفاوض مع إسرائيل (باعتباره المرشد الأعلى لدولته اللبنانية) عن طريق وسيط ألماني، دون استشارة، أو علم، وخبر الدولة اللبنانية، مما يثبت لنا بالدليل القاطع أنه الدولة، والدولة هو. ويعقد الصفقات مع إسرائيل بخصوص الأسرى، دون علم، وخبر الدولة اللبنانية.
فهو الدولة، والدولة هو.

-3-
وعندما وقف بالأمس يخطب في هذا الموضوع، وظهر ليس كأمين عام لحزب لبناني، ولكن كرئيس دولة ومرشد أعلى، ويتحدث عن تفاصيل اتفاق تبادل الأسرى مع إسرائيل، راودنا إحساس عميق، بأن الرجل قد استولى على الدولة اللبنانية نهائياً. وما الرئيس في قصر بعبدا غير منصب رمزي بروتوكولي، يستقبل الرؤساء والوزراء والسفراء والخبراء فقط كحال ملكة بريطانيا ورئيس الدولة الإسرائيلية. ولا يملك من أمره شيئاً.
ومثال ذلك، أن حسن نصر الله رئيس الدولة المتوّج من خارج لبنان (وهذا هو المهم، حيث تتوجه إيران أكبر دولة وأقوى دولة إقليمية، بعد أن أعلن صراحةً، أنه مع دولة ولاية الفقيه)، والمتوّج من داخل لبنان، وخاصة في الجنوب اللبناني كله، وربما في جزء من بيروت والجبل، هو الذي يصنع رؤساء الجمهوريات اللبنانية البرتوكوليين بعد اتفاق الطائف وإلى الآن. وهو الذي أصبح يأتي بالحكومات اللبنانية، ويصرفها، أو يشلَّّها. متى شاء. وهو الذي يقفل مجلس النواب ويفتحه متى شاء. فهو الذي شلَّ حكومة السنيوره السابقة. وهو إلى الآن، وبعد مرور أكثر من شهر غير راض عن رئيس الحكومة اللبنانية المُكلَّف، لذا، فلا حكومة. والعماد عون هو رأس حربته في ذلك، ودميته المطيعة، والصليب الذي صَلَبَ عليه الدولة اللبنانية وقضى عليها، وأعلن بدلاً منها دولة quot;ولاية الفقيهquot;؛ أي دولته هو، وهو فقيهها، ومرشدها الأعلى.
-4-
ولِمَ لا يكون quot;حزب اللهquot; هو البديل للدولة اللبنانية المنهارة، ونصر الله هو الرئيس، والمرشد الأعلى الفعلي؟
فهو يسيطر بجيشه على أكبر مساحة في لبنان.
وهو يحكم (مع حلفائه) أكبر عدد من اللبنانيين.
وهو يُطبِّق في الجنوب اللبناني وفي الضاحية في بيروت حرفياً، الأنظمة الإيرانية بالنسبة للباس المرأة، ولحية الرجل، وقميص المسئول، ونوعية الطعام والشراب.
وهو الذي يرفع في دولته صور زعماء إيران، ولا صورة واحدة لزعماء لبنانيين من الغائبين والحاضرين.
وهو يملك أكبر جيش وأقوى جيش في لبنان، بحيث يستطيع من خلاله الاستيلاء على كل لبنان، خلال 24 ساعة. وقد أراد أن يثبت ذلك عملياً، لمن يشكُّ في ذلك، فقام باجتياح بيروت والجبل بغمضة عين، قبل اتفاق الدوحة.
وهو (الدولة الأصل) أغنى من الدولة اللبنانية (الصورة) المفلسة، والمدينة بأكثر من 40 مليار دولار.
وهو يملك شبكة اتصالات خاصة به، وأجهزة إعلام خاص، وحدود هو يسيطر عليها، ويستورد منها ما يشاء من السلاح والعتاد.
وهو يسيطر سيطرة تامة على مطار بيروت الوحيد، وعندما أراد quot;فئرانquot; لبنان اللعب بالمدرج 17، اجتاح نصر الله بيروت كلها، وليس المطار وحده، وأظهر (العين الحمراء والراية الصفراء) لكل من لا يعرف مُلكيته وسيطرته التامة على المطار. ومن هنا، تمَّ اغتيال جبران التويني بالذات، بعد وصوله بساعات.
وهو لا يرفع علم الدولة (الصورة)، وإنما يرفع علم الدولة الأصفر (الأصل).
فماذا ينقصه لكي لا يكون هو الدولة، والدولة هو؟
وبعد، ماذا بقي للدولة اللبنانية (الصورة) بعد أن سحب منها نصر الله كل مقومات وعناصر الدولة (الأصل)، وأصبح هو الدولة الأصل، والدولة الأصل هو؟
أيها اللبنانيون:
هذا هو واقعكم، وهذا هو حاضركم، وهذا هو مصيركم، وانتم لاهون، تأكلون الكُبَّة والتبّولة، وتشربون العرق الزحلاوي، وتسكرون، وتغنّون الميجانا والعتابا، فنمتم طويلاً.
ولو كان أبو الطيب المتنبي حاضراً هذه الجنازة الحزينة، لأنشد لكم:
نامت نواطيرُ أرزٍ عن ثعالبها
فقد شبعن ولم تصحو الصناديدُ
السلام عليكم.