-1-
بعد الاستقلال، في أواخر النصف الأول من القرن العشرين وبداية النصف الثاني من القرن العشرين، تمَّ الاستقلال العربي السياسي، بمعنى أنه بدل الحكّام الأجانب الذين كانوا يحكمون مستعمراتهم، تولّى حكم العرب من أبناء القبائل المشهورة والمسيطرة على مناطق معينة من العالم العربي، كما تولّى الحكم في مناطق أخرى من العالم العربي أبناء عائلات سياسية، في حين تولّى ضباط من العسكر حكم الأجزاء المتبقية في العالم العربي بواسطة انقلابات عسكرية. وهكذا نرى أن العالم العربي قد انقسم إلى ثلاثة أقسام بعد الاستقلال، قسم يحكمه أبناء أقوى القبائل، وقسم تحكمه أشهر العائلات السياسية، والقسم الثالث يحكمه ضباط استطاعوا في ليلة غير مقمرة السطو على السلطة والاستيلاء عليها بقوة السلاح. وقد ظهرت الآثار السيئة لهذه الأنواع من الحكم بعد الربع الثالث من القرن العشرين أي بعد 1975، حين أفاق العرب من نشوة الاستقلال وسكرة التخلّص من الحكم الأجنبي، وحين راجع المراجعون والمدققون الحسابات، وجدوا أن الشراكة بين الشعوب المحكومة والحكام الجدد، قد باءت بخسارة كبيرة. ولكن المسامير الغليظة كانت قد دُقت، والدعامات قد ثُبّتت، والقواعد قد رُسيّت. وأصبح التغيير صعباً.
بعد الاستقلال، في أواخر النصف الأول من القرن العشرين وبداية النصف الثاني من القرن العشرين، تمَّ الاستقلال العربي السياسي، بمعنى أنه بدل الحكّام الأجانب الذين كانوا يحكمون مستعمراتهم، تولّى حكم العرب من أبناء القبائل المشهورة والمسيطرة على مناطق معينة من العالم العربي، كما تولّى الحكم في مناطق أخرى من العالم العربي أبناء عائلات سياسية، في حين تولّى ضباط من العسكر حكم الأجزاء المتبقية في العالم العربي بواسطة انقلابات عسكرية. وهكذا نرى أن العالم العربي قد انقسم إلى ثلاثة أقسام بعد الاستقلال، قسم يحكمه أبناء أقوى القبائل، وقسم تحكمه أشهر العائلات السياسية، والقسم الثالث يحكمه ضباط استطاعوا في ليلة غير مقمرة السطو على السلطة والاستيلاء عليها بقوة السلاح. وقد ظهرت الآثار السيئة لهذه الأنواع من الحكم بعد الربع الثالث من القرن العشرين أي بعد 1975، حين أفاق العرب من نشوة الاستقلال وسكرة التخلّص من الحكم الأجنبي، وحين راجع المراجعون والمدققون الحسابات، وجدوا أن الشراكة بين الشعوب المحكومة والحكام الجدد، قد باءت بخسارة كبيرة. ولكن المسامير الغليظة كانت قد دُقت، والدعامات قد ثُبّتت، والقواعد قد رُسيّت. وأصبح التغيير صعباً.
-2-
لقد فرح العرب فرحاً غامراً بالاستقلال من الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي. وكانت فرحتهم أكبر هذه المرة من فرحتهم بالاستقلال من السلطة العثمانية عام 1918، التي جثمت على رقابهم طيلة أربعة قرون (1517-1918)، عزلتهم عزلاً تاماً عن العالم، بفضل quot;الستار الحديدي العثمانيquot;، الذي كان على مثال quot;الستار الحديدي السوفيتيquot;. لم يشعر المواطنون العرب خلال أربعة قرون، بثقل البسطار العثماني على رقابهم، كما شعروا بثقل البسطار الانجليزي والفرنسي والايطالي، والسبب في ذلك أن الشارع العربي وفئة كبيرة من رجال الدين ومثقفي اليمين والسلطان، لم تكن تعتبر الحكم العثماني للعالم العربي استعماراً، من حيث أنه حكم إسلامي لبلاد إسلامية (ومن هنا بكى معظم العرب على سقوط الخلافة العثمانية 1924). وكان كل من يكتب عن الاستعمار العثماني أو يتلفظ به، يُعدُّ من الخوارج. وقد اندرج هذا على تركيا فيما بعد، وعلى إيران أيضاً. فلم يجرؤ كثير من الكتّاب العرب على نعت تركيا بالاستعمار، عندما استولت على لواء الإسكندرون عام 1939. كما لم يجرؤ أحد على نعت استيلاء إيران عام 1925 على الأحواز العراقية (تنتج 95% من النفط الإيراني، وفيها مخزون يقدر بـ 133 بليون برميل) واستيلائها على الجزر الأماراتية الثلاث عام 1971 استعماراً. علماً بأن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا كانوا استعماراً شريفاً خفيفاً، كاللص الشريف، سرقوا، ولكنهم أفادوا العرب بأن أنشأوا لهم الجامعة العربية 1945، ودعموا مشاريع الدساتير العربية (وإن كان ذلك مجرد حبر على ورق) كما دعموا إنشاء مجالس نواب (وإن كانت مجالس بصم، أكثر منها مجالس حسم) وشجعوا انتشار الصحافة، وفتحوا المدارس والمعاهد والجامعات والطرق، ونشروا لغاتهم.. الخ. ثم رحلوا بعد أن سرقوا المحاصيل، وحصلوا على الامتيازات المختلفة. بارك الله فيمن أفاد واستفاد، فهكذا ختم آباؤنا سيرة الاستعمار الغربي.
-3-
في عهد الاستعمار الغربي، كان هناك هامش لحرية ولو بقيد شعرة. وكان السياسيون ينتقدون الاستعمار ويسجنون ويعدمون. في عهد الديكتاتوريات العربية المختلفة الأشكال والأنواع، أصبح الحكم بالسجن أو بالإعدام على السياسيين العرب، يتم حسب النية، وليس حسب المنطوق؛ أي أن يُحكم عليك بالنوايا، وليس بالأفعال. فأصبح عدد السجناء السياسيين في عهد الديكتاتوريات العربية أكثر بكثير من عددهم أيام الاستعمار الغربي. ولو أخذنا سوريا الحاضرة - مثالاً لا حصراً - لوجدنا أن عدد السجناء السياسيين أضعاف ما كان عليه في عهد الاستعمار الفرنسي (1920-1946) الذي دام 26 سنة فقط، بينما سيستمر حكم عائلة الأسد الحالي إلى أكثر من 38 عاماً منذ 1970، وقس على ذلك باقي مُدد حكم العائلات الأخرى في العالم العربي.
-4-
ورغم رحيل الاستعمار الغربي والعثماني من قبله، إلا أن العالم العربي - بفضل الديكتاتوريات السياسية بأنواعها الثلاثة (القبلية والعسكرية والحزبية) - ازداد فقراً على فقر. فرغم غنى جزء منه من البترول الآن، إلا أنه لا زال فقيراً، لأن الغنى الحقيقي، غنى النتاج والإبداع الإنساني (وهو الباقي)، وليس غنى الصُدف الجيولوجية. فشعوب الدول النفطية الغنية، لا تعرف حتى الآن كيف تصنع الإبرة، ولا كيف تنسج المنديل. وبعد رحيل الاستعمار الغربي ازداد الجهل جهلاً في العالم العربي. كُثر القارئون وقلَّ العارفون. فظهرت الفاشية الدينية بعد عام 1975 في أبرز صورها، بعد أن تربت على أفكار ومباديء القطبيين (سيد ومحمد قطب) التي أعادت إلى الأذهان عهد محاكم التفتيش، ومنحت الإرهاب صكوك الغفران والجهاد، ووعدتهم بالجنة والحور العين. وأصبحت الفاشية الدينية صاحبة الكلمة العليا، وتتحدى رؤوس الحكام الكبار في العالم العربي، وتصدر لهم البيانات، تدلهم فيها على طريق الجنة وتجنبهم نار جهنم، بزعم أن الفاشية الدينية هي التي تملك مفاتيح هذه وتلك.
السلام عليكم.
التعليقات