المعارض منصف المرزوقي لـ quot;إيلافquot;:
أرفض الإنخراط في لعبة الإنتخابات التونسية المغشوشة


* الشعوب لا تزول وإنما الأنظمة الاستبدادية هي التي ستزول.
* ازدياد القمع بحجة الحفاظ على الأمن هو ما يولّد الإرهاب وquot;القاعداتquot;
* لست عميلاً للخارج ولا أتلقى دروسًا في هذا الميدان

المنصف المرزوقي
إسماعيل دبارة من تونس: قال الدكتور المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التونسي المعارض (ليبرالي غير قانوني) والرئيس السابق للجنة العربية لحقوق الإنسان في حوار خصّ به quot;إيلافquot;، إن الإنتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجرى في تونس سنة 2009 ستزوّر. وقال المرزوقي الذي يعتبر من أشد معارضي حكم الرئيس التونسي بن علي أن اتهامه بالعمالة للخارج لا يستحق إلا التجاهل وأنه لا يتلقى دروسًا من أحد في هذا المجال. كما إعتبر زعيم حزب المؤتمر الذي يعيش في منفاه الإختياري بفرنسا أن إزدياد القمع بحجّة حفظ الأمن يشكل سببًا منطقيًا لتفشي الإرهاب وquot;القاعداتquot; على حد تعبيره. وفي ما يلي نص الحوار:

تشهد الساحة السياسية والديمقراطية هذه الأيام حراكًا مهمًا خصوصًا بعد صدور ما يسمى quot;النداء الوطني لمساندة ترشح أحمد نجيب الشابي من أجل بديل ديمقراطي للانتخابات الرئاسية 2009quot; أين الدكتور المرزوقي وحزبه من هذه التطورات التي تهم بلاده؟
مصلحة البلاد كانت ولا تزال تتطلب قيام جبهة سياسية من الأحزاب الوطنية والشخصيات المستقلة للدفاع عن حق الشعب التونسي في السيادة الفعلية ونهاية الفساد والظلم الذي تجسده الدكتاتورية وتقود معركة الاستقلال الثاني إلى استتباب الديمقراطية على أنقاض ديكتاتورية أثبت الحاضر والماضي أنها تواصل طريقها إلى النهاية . بدل هذا نرى حزبًا واحدًا، وشخصًا واحدًا ينقلبان حتى على الإجماع الهش الذي حصل في مجموعة 18 أكتوبر للمشاركة في مهرجان انتخابات تنظمها الدكتاتورية يعرف الكل نتيجتها مسبقًا، والهدف الوحيد من السعي للمشاركة فيها تحقيق سبق حزبي وشخصي، خاصة من الناحية الإعلامية وتبوّؤ منصب زعامة وهمية ، كل هذا على حساب وحدة المعارضة ومصلحة الشعب. بئس هذا التصرف.

تزعمون انتماءكم إلى معارضة مستقلة وقوية لها برامج وأهداف واضحة تسعى لبلوغها، وفي الوقت نفسه تصرون على البقاء على الربوة وانتهاج سياسة المقاطعة في استحقاقات مهمة كالانتخابات الرئاسية والتشريعية. فما هذا التناقض؟
ربع قرن من التضحيات كافية للإشهاد على سخافة اتهامي بالجلوس على الربوة. أذكرك أيضًا أنه بعد إطلاق ندائي للمقاومة في أكتوبر 2006 من الجزيرة عدت مباشرة للوطن، على الرغم من توصل أخي باستدعائي يوم وصولي لحاكم التحقيق. وكنت أعتقد أنني سأقاد مباشرة من المطار للسجن. لكن الجماعة فضلوا أن يطلقوا على الرعاع والسوقة في الشوارع بحيث استحال علي العيش في تونس. وقد فضلت ألا استنزف في معارك هامشية وأن أحافظ على قدرة التحرك ومخاطبة الناس من الخارج بدل أن أقبع في بيتي محاصرًا بأربع سيارات شرطة. أما عن المقاطعة . تصف الاستحقاقات بالمهمة ووصفها الحقيقي هو الاستحقاقات المزيفة .

من يقبل بلعب مباراة النتيجة معروفة لمجرد أن يتحدث عنه الناس فله ذلك، لكن عليه أيضًا أن يتحمل مواصلة التزييف الذي يدعي محاربته. فالمنطق يقضي عندما تريد وضع حد للعبة مغشوشة أن ترفض المشاركة فيها، لا أن تسعى بكل الوسائل للمشاركة فيها مدعيًا أنك ضدها. قلتم في السابق أن المعارضة التونسية quot;تحرث في البحرquot; كما أنكم من أبرز المنتقدين والمهاجمين لما يعرف بهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات - التكتل المعارض الذي يضم ليبراليين وإسلاميين ويساريين-في تونس.

ألستم مع تكتيك الجبهة المشتركة وإرجاء الخلافات إلى ما بعد تحقيق الأهداف ؟
هذا ما طالبت به دومًا، وما أطالب به الجيل الثاني من رجال ونساء السياسة الوطنيين. نعم يجب تكوين جبهة سياسية حقيقية لا يقصى منها أحد وتتقدم للبلاد كبديل للنظام لا من داخل مؤسساته وبقواعد اللعبة التي يفرضها ولكن من خارجها. هكذا تحررت كل الشعوب من الدكتاتورية وتونس لن تكون حالة خاصة. مآخذي على 18 أكتوبر أنها تشكلت كجبهة حقوقية للمطالبة بالحريات من الدكتاتورية التي يجب أن يكون الهدف نهايتها لا إصلاحها بما أنها كما رددت ألف مرة وكما أثبتت ذلك الأيام غير قابلة للإصلاح. للأسف حتى هذه الجبهة تفتت الآن بعد أن رفضت دعم ترشيح quot;الشابي quot;ولم يبقَ منها إلا نادٍ ثقافي للمحاضرات .


بعد أكثر 50 سنة من الاستقلال والنظام الجمهوري. ألم يثبت فشل تعاطيكم الراديكالي مع النظام ورفضكم للحوار معه، إضافة إلى انتهاجكم لأساليب التشهير وإثارة الحملات الإعلامية ضده عبر قناة الجزيرة وغيرها؟

نعم كانت مواقفي راديكالية بخصوص التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى على رأس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات، نعم مواقفي راديكالية على رأس المؤتمر من أجل الجمهورية بخصوص حق الشعب التونسي في السيادة الفعلية، وأن له حقوق غير قابلة للتصرف. نعم مواقفي راديكالية في الدعوة للتخلص من هذه الدكتاتورية بكل وسائل المقاومة السلمية، لأنها تقود البلاد إلى الهلاك. نعم مواقفي راديكالية بخصوص رفض الانخراط في لعبة الانتخابات المغشوشة أو محاولة استعمال أي من أجهزة دولة بوليسية بالغة الخبث. لكن أتساءل ما الذي دفعني لمثل هذه الراديكالية . أليست راديكالية بن علي في انتهاج التعذيب والفساد والتزوير والظلم بالقانون ومشيه في هذا الطريق بكل عناد وإصرار على مدى عشرين سنة هي السبب والخيار أمام هذه السياسة المجرمة الانبطاح أو المقاومة. تتحدث عن الحوار، ومتى حاورنا بن علي إلا بالبوليس وحكام التحقيق والقضاة الفاسدين والآن بالرعاع والصعاليك الذي أطلقهم علي في شوارع سوسة والقنطاوي والكاف وحتى في جنازة حمادي فرحات في هرقلة .

هل تتصورون أن الشعب التونسي الذي يعترف بإنجازات النظام الحالي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يمكن أن يشاطركم الرأي في ضرورة اللجوء إلى عصيان مدني لتنتقلوا بالبلاد quot;من الديكتاتورية إلى جمهوريتكم الفاضلةquot;؟
بخصوص اعتراف هذا الشعب بالمنجزات الرائعة للنظام فهذا كلام على مسؤوليتك من يدري في ماذا يفكر الشعب التونسي الممنوع من الكلام، من التظاهر، من الانتخاب الحر... هذا الشعب الذي يعيّشه النظام في جو خانق من الخوف والذل. ما أعلمه بالتأكيد لأنني كرجل علم أتابع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية بمنتهى العناية، أننا أمام شعب مريض بهذه الدكتاتورية الحقيرة التي سلبته كرامته وحقوقه ومستقبله. مؤشرات تعاطي المخدرات، الطلاق، الإجرام الفظيع، الانتحار، الهروب للخارج ، البطالة، المديونية... مخيفة ومرعبة ومؤلمة. وعلى كل حال لو كان الشعب هو الذي يصف وليس الذي أصف فلماذا لا تقبل السلطة بانتخابات حقيقية يشارك فيها من يشاء ولا أستثنى حتى أنا منها ؟

مهووس بكرسيّ الرئاسة، مثير للنعرات والفتن، مريض عقلي يتمنون لك الشفاء، ومتمسح بأعتاب السفارات الأجنبية وصاحب العلاقات المتنفّذة في الدوائر الأوروبية. تلك هي التهم الموجهة إلى شخصك من قبل الإعلام الرسمي في تونس. كيف تردّون؟
بالتجاهل

بالنسبة إلى تهمة quot;العلاقة بالخارج والاستقواء بالأجنبيquot;. ألا ترون أنها وظّفت من قبل النظام بطريقة جدّ ذكية جعلت المعارضة المستقلة في موقف لا تحسد عليه أمام شعبها من جهة وأمام أعداء الامبريالية الأميركية - وما أكثرهم في تونس - من جهة أخرى ؟
الدكتور المرزوقي: في نوفمبر الماضي دعيت مع بعض مناضلي الحريات في تونس من قبل منظمات حقوقية أميركية ليوم دراسي عن تونس ونظم لنا المشرفون لقاءات في الدوائر المسؤولة. رفضت دعوة إلى لقاء مسؤول حقوق الإنسان في البيت الأبيض والذهاب إلى وزارة الخارجية، ولم أرضَ إلا بزيارة مكتب بعض ممثلي الشعب الأميركي في الكونغرس. لا أتلقى دروسًا في هذا الميدان من أحد وخاصة من نظام عميل كالنظام التونسي الذي يكتسب جزءًا كبيرًا من قوته من دعم المخابرات الغربية وهو واحد من أنشط وكلائها في المنطقة.

لا يختلف اثنان في توصيف المعارضة في الوطن العربي اليوم بالضعيفة والمشتّتة . فحتى الوعود الغربّية ndash; التي عوّلت عليها هذه المعارضة- بالإصلاح ونشر الديمقراطية تلاشت وسط دوي الحرب على الإرهاب. بل بعضهم يرى أن الدعم الغربي للأنظمة العربية الحالية ازداد بما مكّنها من امتصاص ضغوطات الإصلاح الداخلية والخارجية، فلا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب .فمن يسندكم في مطالبكم ؟
تدخل أميركا في العراق ونشأة جوانتانامو شكلتا ضربة قاسية لفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان وهما للأسف مرتبطتان في الفكر العربي بالغرب . لكن الحركة الديمقراطية العربية انطلقت من السبعينات بصفة مستقلة عن أنظمة غربية مكيافيلية ساندت ولا تزال الأنظمة الاستبدادية ، وعليها بعد هذه النكسة النهوض مجددا لتواصل طريقها كحركة عربية متجذّرة في هويتها وتعمل لصالح أمتها وليست مخلب قط لأحد . كمية العسف والفساد والعمالة الموجودة في الأنظمة العربية اليوم ، والتونسي مجرد عينة، تجعلها في قطيعة تامة مع شعوبها . الصراع لن ينتهي إلا بزوال أحد طرفي المعادلة. ولأن الشعوب لا تزول وإنما الأنظمة فإن الأنظمة الاستبدادية هي التي ستزول.

كيف ؟
بتصاعد الأزمات الداخلية التي ستتفاقم يومًا بعد يوم في ظل أنظمة مرعوبة ترفض كل إصلاح لعلمها بأن المسلسل إذا بدأ حقًا فإنه لن ينتهي إلا بتصفيتها... بخروج الشارع من صمته وهو الآن فقط في مرحلة التخزين... أيضًا بخروج بدائل من صلب هذه المعارضات الهزيلة التي ستصفى لصالح معارضات متزايدة الصلابة والخبرة. أنواع من التغيير ستأتي على الطريقة الموريتانية . أشكال الحل ستختلف من بلد إلى آخر لكن النتيجة واحدة: بروز نظام سياسي عربي جديد أتمنى وأسعى إلى أن يكون مبنيًا على هوية عربية إسلامية متفتحة وآليات الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان ...وإلا عدنا إلى المربع الأول.

ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي quot; مصرّ على استهداف الدول المغاربية. هل لديكم خطط وبرامج واضحة لمحاربة هذه الآفات. أم أنكم تنتقدون المعالجة الأمنية للسلطة دون تقديم البدائل؟
ما يهدد المنطقة هو دوام الاستبداد ومن ثم تواصل التعفن والتحلل والتفكك الذي نعاني منه مجتمعاتنا ومن جهة أخرى تصاعد نفاذ صبر شعوب وصلت إلى الحد الأقصى من المعاناة فيتم اللجوء للعنف وهو ما تأمله أنظمة مرعوبة ومرعبة. آنذاك يزداد القمع بحجة الحفاظ على الأمن ومعه تفاقم موبقات الدكتاتورية... الشيء الذي يولد بدوره مزيدًا من quot; القاعداتquot;. هكذا قد ندخل في دوامة مفرغة تأتي على الأخضر واليابس . إنها مسؤولية الشعوب ورجال الدولة داخل الأنظمة نفسها، وكذلك الدول المجاورة الخائفة من عدوى الإرهاب منع هذا المسلسل الرهيب . المخرج الوحيد هو رحيل كمشة (مجموعة) من الأشخاص في كل بلد ، عادة الدكتاتور وعائلاته، واستبدالهم على الطريقة الموريتانية برجال جدد يستطيعون فتح الحوار مع المجتمع المدني والدخول في الإصلاحات الكفيلة وحدها بإطفاء الفتيل. ما عدا هذا محرقة آتية لا ريب فيها.


بعد المحامي quot;محمد عبوquot; جاء دور الصحافي quot;سليم بو خذيرquot; ليقبع في السجن .أليست لديكم خطط لحماية مناضلي حزبكم من السجون والاعتقالات، خصوصًا وأن بعض الأطراف تتهمكم بالتقصير في الدفاع عن quot;سليم بوخذيرquot; وتعتبر أن سجنه quot;مرّ مرور الكرامquot;؟
quot; المؤتمرquot; مستهدف في كل فرد منه وكلنا نعلم ذلك، لكننا لا نعيش نضالنا بعقلية الضحايا. نحن مناضلون في حرب شرسة ضد دكتاتور شرس ونتحمل كل الأذى الذي يصيبنا. بالطبع نحن لا نتخلى عمن سقط منا في قبضة الدكتاتور، كل الجهد الإعلامي قمنا به وأنا على اتصال دائم بزوجة سليم . لكن هناك اتفاقًا داخلنا أنه لا يجب أن تصبح قضية الأشخاص هي القضية المحورية فهمنا ليس تحرير هذا المناضل أو ذاك، وإنما تحرير العشرة ملايين سجين سياسي. سليم بوخذير -الذي مشى معي كيلومترات تحت المطر في طرق جبلية ، لما حاولت الشرطة منعنا من زيارة عبو في سجن الكاف وصادرت أوراق السيارة التي تحملنا وقررنا قطع خمسين كيلومترًا على القدمين - يعلم ذلك . هو سجين حرب يحمل عاليًا شرف quot; المؤتمرquot; وشرف المعارضة التي لا تهان وشرف مهنة الصحافة . تحية إليه وإلى كل أبطال الحرية.