دعاني تلفزيون NEW T.V إلى المشاركة في برنامج مخصص لعرفات يوم 17/11/2004 . بالرغم من أن وضعي الصحي لا يسمح لي بالمقابلات التليفزيونية، إلا إنني قبلت الدعوة وذهبت في الوقت المحدد إلى استديو تلفزيون الجزيرة في باريس في شبه سيارة إسعاف مع مرافق كان يقوم بدور الممرض ... لكن فوجئت بأن البرنامج قد ألغي. لذلك قررت أن أملي هذه السطور – لأني فقدت منذ عام القدرة على الكتابة – لأقول لقرائي ما كنت سأقوله لمشاهدي.

تعرفت على أبو جهاد (خليل الوزير) في الجزائر سنة 1963.والذي قدمه إلى خصم تونسي قديم، هو محمد البدوي رئيس جمعية صوت الطالب الزيتوني. كنت يومئذ نصيراً للكفاح المسلح كسبيل وحيد لإسترداد الحقوق الفلسطينية. رغم أفكار أبو جهاد القريبة من الإخوان المسلمين فقد ربطتنا من أول لقاء صداقة قوية بسبب عفويته وصدقه. وهكذا غدوت (متفرغاً) متطوعاً في مكتب فتح، التي قال لي أبو جهاد أن اسمها الأصلي "حتف" فقلبنا الحروف لتصبح فتح. في الفترة نفسها زار أبو عمار، الذي كان مجهولاً، عاصمة الجزائر حيث إلتقينا لقاءاً خاطفاً، لم أحتفظ منه بأي انطباع، بعد الإنقلاب العسكري على الرئيس أحمد بن بله في 19/6/1965، قررت الفرار من الجزائر إلى برلين، اتفقت مع أبو جهاد على أن أرسل له كل ما تكتبه الصحافة الفرنسية عن فتح خاصة وفلسطين عامة.

بعد معركة الكرامة ( 1968 ) عاودني الحنين إلى الكفاح المسلح فقررت الإلتحاق بالمقاومة الفلسطينية. أرسل لي أبو جهاد بطاقة سفر إلى بيروت حيث استقبلني ناجي علوش وسافر معي إلى دمشق حيث إلتقيت أبو جهاد. ومن الغد انتقلت الى عمان برفقة ناجي علوش وأبو اللطف (فاروق القدومي) الذي كان يقود بنا سيارته. على الطريق كانت هناك لوحة مرور مكتوب عليها :"الإنحراف إلى اليسار خطر" فردد أبو اللطف مراراً : "الانحراف إلى اليسار خطر". ظننت أنه يقصدني فرددت بدوري و"الانحراف إلى اليمين أخطر". لكن ناجي علوشي قال لي في عمان إنه هو الذي كان مقصوداً. في عمان نزلت في دوار مكسيم حيث كانت توجد الشقة التي تقيم فيها قيادة فتح . كان أبو عمار في لبنان، لم يعد إلا بعد ثلاثة أيام. عدت متأخراً من المطعم حيث تناولت العشاء مع ناجي علوشي وأبو جهاد. كنت أقيم وناجي علوشي في غرفة واحدة. في ساعة متأخرة من الليل ذهبت الحمام لتفريغ مثانتي فلمحت شخصاً يرتدي بيجامة قد سبقني إليه، ظللت انتظر خروجه على أحر من الجمر. ما إن خرجت من الحمام حتى وجدتني وجهاً لوجه مع ذلك الشخص الذي قال لي "أنا أبو عمار يا زلمي كنت سأقتلك لأنهم لم يخبروني بوجودك معنا لولا أبو اللطف ... « الذي كان ينام وإياه في غرفة واحدة. في الصباح الباكر توجهنا ناجي علوشي وأنا إلى غرفة أبو عمار فوجدته مستلقياً بلباسه العسكري على سريره البائس رغم أني رأيته ليلاً مرتدياً بيجامه. كان يئن. سألته ما بك؟ قال"إنني مريض يا عزيزى" قلت له"اذهب إلى الطبيب فوراً" فقال لي"الثورة لم تترك لي وقتاً للذهاب إلى الطبيب". كان أبو اللطف يبتسم . سألته:"ما هي استراتيجيا الثورة الفلسطينية؟" قال حرفياً:"لو كان معنا سلاح في الكرامة لحررنا أريحا ..." صدمني قوله فقلت له متعجباً:لا أعتقد أنكم قادرون على ذلك. رد مؤكداً، وقد فارق أنينه:"بلى نحن قادرون الآن، لو توفر لنا السلاح، على تحرير فلسطين مدينة مدينة". عند ذلك وضعت حداً للحديث. تناولنا إفطار الصباح وخرجت مع ناجي علوشي بنية العودة من حيث أتيت : إلى أوربا. أثار اشمئزازي أبو عمار بتغييره بيجامته لزية العسكري وعقاله الشهيرين وكان جوابه عن سؤالي الضربة القاضية للآمال التي كنت أعلقها عليه. قبل سفري قررت لقاء قادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حيث وجدت مناخاً جديداً وقدرة على التحليل السياسي نادرة بين قادة فتح. وهكذا قررت البقاء في الأردن وقررت أن لا أري بعد ذلك أبو عمار قط.

أبو عمار هو الآن ملك للتاريخ.يحسب له أنه انتشل القضية الفلسطينية من أيدي الحكام العرب الذين كانوا يستخدمونها كقميص عثمان القومية العربية لحكم شعوبهم بالحديد والنار رافضين كل إصلاح حقيقي. ويحسب له أنه أوصل القضية الفلسطينية إلى الرأي العام العالمي الذي كان حتى ذلك التاريخ مقتنعاً بأكذوبة حكام ‘سرائيل:"لا وجود لشعب فلسطيني" ويحسب له أخيراً أنه كسر محرماً فلسطينياً وعربياً هائلاً هو الإعتراف بأن فلسطين وطن لشعبين: الشعب الإسرائيلي اليهودي والشعب العربي الفلسطيني وبذلك انتزع خلال اتفاقية أوسلو الاعتراف المتبادل بين فلسطين و إسرائيل.اعترفت هده الأخيرة بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في وطن ودولة. لا أعتقد حتى الآن أن أحداً غير عرفات كان قادراً على تحقيق هذه الثورة الثقافية السياسية التي مازال الوعي القومي العربي والإسلامي التقليدي لم يهضمها بعد. وفي المقابل يحسب على أبو عمار أنه لم يستطع بعد أوسلو أن ينتقل سياسياً ونفسياً من قائد حرب عصابات إلى قائد سياسي، أي إلى قابلة للدولة الفلسطينية الذي مات وهي أبعد ما تكون عن التحقيق. وهكذا فوت فرصتين تاريخيتين لميلاد هذه الدولة. الأولي عندما رفض، رغم معارضة رفيقة خالد الحسن البعيد النظر، الانضمام لمفاوضات كامب ديفيد في (1978) جنباً لجنب مع السادات وبيجين. والثانية عندما رفض سنة 2000 مقترحات كلينتون الحبلى بدولة فلسطينية على 97% من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب 1967 . ثم عاد وقبلها ب 22 شهراً، أي بعد "خراب البصرة".
في الواقع القيادات الفلسطينية منذ الثلاثينات لم تفوت فرصة لتفويت فرصة:فقد رفضت قيادة الحاج أمين الحسيني سنة 1939 مقترحات لجنة بيل PEEL التي أعطت 80% من فلسطين للفلسطينيين و20 % لليهود، القيادة ذاتها رفضت سنة 1947 قرار التقسيم الذي أعطاهم 45% من فلسطين وفي سنة 1964 رفضت قيادة الشقيري مع القيادات العربية مشروع بورقيبة في خطاب أريحا الذي طالب الفلسطينيين والعرب بقبول قرار الأمم المتحدة سنة 1947 ورموه بالطماطم والخيانة، لم ترد له قيادة منظمة التحرير الاعتبار إلا سنة 1983 على لسان أبو إياد!

لا يتمني أحد من أصدقاء الشعب الفلسطيني أن تكرر قيادة ما بعد عرفات أخطاء قيادة الحاج أمين الحسيني. .. وياسر عرفات اللتين لم تستطيعا أن تكون على موعد مع التاريخ. اختفاء عرفات أعاد حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وربما، بجرعة كبيرة من التفاؤل ، النزاع الإسرائيلي العربي إلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي. إذ يبدو أن عواصم القرار الدولي بدأت تعي، خلافاً للمحافظين الجدد، أن حل هذا النزاع لا غني عنه للتقدم في الحرب الشاملة على الإرهاب، أي حرب إدخال الإصلاحات الضرورية لتحديث العالم العربي والحرب العسكرية عند الضرورة عليه. وهذه قناعة الاتحاد الأوربي العميقة الذي لا يبدو أن النخب الفلسطينية والعربية تقيم له كبير وزن.

كيف تستطيع قيادة ما بعد عرفات أن تكون بمستوى هذه الفرصة التاريخية السانحة؟


1 - أن تكون موثوقة وقرارها قابلاً للتوقع FIABLE ET PREVISIBLE عكساً لقيادة عرفات الذي كان مصاباً بالكذاب (بضم الكاف) MYTHOMANIE وهو عرض من أعراض الهستريا يجعل المصاب به يكذب قهرياً كما يتنفس. وكذلك كان عرفات . والكذاب ناقض من نواقض القيادة السياسية. ما معني أن تكون القيادة الفلسطينية الجديدة موثوقة وقابلة للتوقع؟ موثوقة:يعادل وعدها في الكواليس عقد شرف لا رجوع عنه. قابلة للتوقع: أن لا يكون قرارها مفاجئاً لصناع القرار الإقليمي والدولي.


2 – لن يكون قرارها قابلاً للتوقع إلا إذا كان واقعياً وعقلانياً. ولن يكون كذلك إلا إذا شاركت في صنعه المؤسسات والمستشارون، شرط أن يكونوا من أهل الخبرة لا من أهل الثقة. قرار عرفات كان يصنعه المزاج. فهو قلما استمع لمستشاريه. لقد كان في الواقع مستشار نفسه كما كان صدام ... لذلك كانت قراراته في كثير من الحالات كارثية على الشعب الفلسطيني . فقد كان السبب في هزيمتة، وفي حرب إعادة الاحتلال الشارونية سنة 2001 :يعترف مستشاره، بسام أبو شريف، بأن عرفات كان متحمساً لإسقاط باراك وانتخاب شارون، اقتناعاً منه بأن هذا الأخير سيعيد احتلال الأراضي الفلسطينية المحررة وذلك سيدفع مجلس الأمن إلى التدخل بإرسال قوات دولية لإجلاء جيش الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية من دون مفاوضات مع إسرائيل ... ونعرف بقية هده السياسة الانتحارية: سياسة الأسوأ LA POLIT IQE DU PIRE التي لا يصنعها إلا من لا يعرفون كيف يصنعون قرارهم. في الواقع، الأزمة السياسية الفلسطينية، بل والعربية، تكمن في سؤ صناعة القرار ورديفة: غياب الشجاعة السياسية. القرار تصنعه في الدول الحديثة المؤسسات : المؤسسة الدبلوماسية والأمنية ولجنة العلاقات الخارجية في السلطة التشريعية والمعاهد العلمية المتخصصة فضلاً عن مؤسسة المستشارين الذين يستقون من تقارير هذه المعاهد معلوماتهم وتوقعاتهم . أما في السلطة الفلسطينية وجل السلطات العربية فالقرار يصنعه الرئيس "العبقري" انطلاقاً من رغباته أو من مخاوفه اللاعقلانية أو من تخييلاته الهاذية أو أحلامه كما كان يفعل صدام والخميني:"التقي صدام حسين يوم 10/8/1990بأخيه غير الشقيق سبعاوي إبراهيم الذي كان مديراً للمخابرات مع عدد من كبار ضباط هذا الجهاز ومديريه وحدثهم مطولاً عن دوافع دخوله الكويت:" هل تعتقدون أن قرار استعادة الكويت كان قراري الشخصي؟ لا، على الإطلاق لا، إنها رؤيا في المنام وجدت نفسي ملزماً بالإستجابة لها، إنها إرادة الله ودورنا هو أن ننفذها فحسب وعليكم أن تعرفوا منذ الآن أن الكويت هي البداية ..." (المصدر: سعد البزاز، الجنرالات آخر من يعلم، صـ 101 الدار الأهلية للنشر). وسعد البزاز هو مدير التلفزيون العراقي في عهد صدام حسين برتبة وزير ... بالمثل، أحمد مدني، قائد أركان جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حاول عبثاً سنة 1982 إقناع الإمام الخميني بأن إستراتيجيا الجيش الإيراني منذ 40 عاماً تقول بأنه لا سبيل لإسقاط النظام العراقي إلا باحتلال بغداد. لكن الإمام أمره ، بصفته قائدأ أعلى للجيش، بمواصلة الحرب من داخل حدود إيران في انتظار ثورة إسلامية في العراق تسقط النظام قائلاً لقائد أركانه:"هذا ما قاله لي الإمام الغائب في المنام"! المغزى: على قيادة ما بعد عرفات أن تتعلم صنع قرارها بالطريقة التي تصنعه بها القيادة الإسرائيلية. قطعاً لا تستطيع سلطة فلسطينية تحت الاحتلال لدولة لم تولد بعد أن توفر نفس المؤسسات التي وفرتها دولة إسرائيل القائمة منذ أكثر من نصف قرن. لكن بإمكان القيادة الفلسطينية تلافي هذا النقص بالتنسيق مع القيادات العربية في المشرق والمغرب وخاصة المصرية والأردنية والتونسية والمغربية ... وأيضاً مع القيادات الأوربية وخاصة الفرنسية التي باتت تدافع عن القضية الفلسطينية أفضل من الفلسطينيين أنفسهم. وزير خارجية فرنسا، ميشيل بارنييه،حدد خطة متكاملة لقيام دولة فلسطين سنة 2005 بدلاً من 2009 كما اقترح بوش. دولة ستكون ضمانة أساسية لعدم انزلاق الشرق الأوسط كله في الإرهاب والفوضى قائلاً:" نريد أن نتصرف كأوربيين. الـ25 بلداً في الاتحاد الأوربي مجمعون على تحليل هذه الأزمة وطريق الخروج منها:تطبيق خارطة الطريق، وإنشاء دولة فلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل، مع خطة مرافقة للإنسحاب من غزة بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية وبطبيعة الحال نهاية العنف"(لوفيغارو 17/11/2004).


3 – رديف القرار السياسي السديد هو الشجاعة السياسية التي تعني إقدام القيادة في اللحظات التاريخية الحاسمة على اتخاذ قرار غير شعبي . ولكنه الوحيد الممكن والذي بدونه تفوت فرصة تاريخية قلما تعود، وهذا ما فعلته ولا تزال القيادات السياسية الجديرة بهذا الاسم . أما جل النخب السياسية العربية، على غرار النخب الفكرية, فلم تتحلي إلا بالجبن لأنها مسكونة بالرغبة العصابية في أن تقول لجمهورها ما يود أن يسمعه منها. وهي تعي أن ما تقوله له أضغاث أحلام. وهذا ما فعلته القيادات الفلسطينية قبل عرفات ومع عرفات.مثلاً ظلت ،في مسألة اللاجئين، متمسكة في تصريحاتها بحق العودة لحوالي 4 ملايين فلسطيني إلى إسرائيل. وهي تعلم أن ذلك ضرب من المحال، لأن عودتهم مرادفة لنهاية الدولة اليهودية. فهل تتحلي قيادة ما بعد عرفات بالشجاعة السياسية لتخاطب اللاجئين بلغة الحقيقة: حق العودة هو حصراً إلى الدولة الفلسطينية ... بهذا الصدد لا يبشر تصريح أبو مازن منذ أيام بقطيعة مع أسلافه. لا شك أنه أراد من وراء هذا التصريح "العرفاتي"أن يقول للفلسطينيين ما يريدون سماعه، فالجمهور يطيب له سماع الأكاذيب اللذيذة. الخشية هي أن يصدق أبو مازن – الرئيس أكاذيب أبو مازن – المرشح. عندئذ سيقود الشعب الفلسطيني إلى حيث قاده عرفات: إلى الهزائم.


4 – الخطر الداهم الذي تواجهه قيادة ما بعد عرفات هو تفكك السلطة الفلسطينية في الفوضي والدم، تلعب هذه السلطة في نظر صناع القرار الإقليمي والدولي دور المختبر LA B ORATOIRE للدولة الفلسطينية الموعودة. إذا لم تستطع السلطة أن تضع حدا للفوضى التي أطلت برأسها فقد يفكر أصحاب القرار الإقليمي والدولي في بدائل أخرى تغني عن الدولة. من هنا من حق السلطة الفلسطينية أن تفرض على جميع الميليشيات والتنظيمات الاعتراف بها كسلطة وحيدة تحتكر القرار السياسي والعسكري: قرار سياسي واحد وبندقية فلسطينية واحدة. هذه مسألة مركزية لا تحتمل أنصاف الحلول. لم ينتصر التونسيون والمغاربة والجزائريون والفيتناميون على مستعمريهم إلا لأنهم كانوا قراراً سياسياً واحداً وبندقية مقاومة واحدة. هذا هو الدرس الذي لم تتعلمه القيادات الفلسطينية. لقد عبر أبو مازن عن شجاعة سياسية تليق برجل دولة عندما طالب حماس والجهاد الإسلامي بالتخلي عن حمل السلاح كشرط للإنضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يشكل قطيعة مع سياسة عرفات الفصامية: كان يرفع بيد غصن الزيتون وبالأخرى المسدس. لكي يتحول هذا الموقف إلى سياسة متكاملة وناجعة وربما حاسمة لتفادي الحرب الأهلية لابد لها من تكملة: تجفيف ينابيع سياسة حماس الانتحارية.

(أ) تحصين الشباب الفلسطيني ضد تضليل حماس الديني لهم عبربث التلفزيون الفلسطيني على مدار الساعة لفتاوى شيخ الأزهر ومفتي السعودية وغيرهما من الفقهاء المسالمين ضد العمليات الانتحارية لنقض فتاوى فقهاء الإرهاب التي يقدمون بها للشباب الفلسطيني المكتئب والمحروم اجتماعياً وخاصة جنسياً شيك بدون رصيد لينكح ما طاب له من حوريات الجنة ... حتى أن الانتحاريين يضعون على جهازهم التناسلي واقياً فولازياً على أمل أن يتمنوا في يوم نحرهم وانتحارهم من مضاجعة الحوريات الموعودات !.

(ب) تحويل المدرسة الفلسطينية من مدرسة استشادية و جهادية إلى مدرسة للسلام واللاعنف والأمل وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق العقل الذي يتطلب التفكير لا فتاوى التكفير التي تطلق خزان العنف الكامن في لا شعور الإنسان وجيناته وهرموناته، كما تقول البيولوجيا. إذاً إعادة هيكلة التعليم الديني الفلسطيني, على غرار التعليم الديني التونسي, مهمة راهنة وملحة.

(ج) نزول المثقفين الفلسطينيين الواعين بخطر الفوضى على مصير شعبهم إلى الساحة الإعلامية خاصة السمعية البصرية ليشرحوا للشارع الفلسطيني أخطار مواصلة انتفاضة العمليات الانتحارية.

(د) حماس لم تكسب قطاعاً عريضاً من الشارع الفلسطيني بمخاطبة دماغه الغريزي ودماغة الانفعالي لتأجيج غريزة الثأر والنحر والانتحار لديه بل خاطبت أيضاً بطنة بتقديم مساعدات إجتماعية وغذائية بفضل تدفق البترودولارات عليها. وهكذا فعلى السلطة الفلسطينية أن تعمل كل ما تستطيع لتقوم هي بهذا الدور وعلى المنظمات الإنسانية في العالم والمحسنين في العالم العربي أن يساعدوها على ذلك. سيف الإسلام القذافي مثلاً قادر، بمؤسسته الخيرية الغنية، أن يقدم وحده لفقراء فلسطين عشرة أضعاف ما تقدمه لهم حماس كهدية مسمومة. لقد رأيناه كريماً في تقديم الملايين للإرهاب الإسلامي في الجزائر والفلبين لإنقاذ الرهائن الألمان والأمريكيين من مخالبه، فمتي نراه يقدم ملايين الدولارات أيضاً لإنقاذ الشعب الفلسطيني الذي هو اليوم رهينة حماس الحاملة الأولي لسيناريو الفوضى الفلسطينية التي ستكون قبر الدولة الفلسطينية خاصة وقد بدأت الفوضى منذ ثلاثة عقود تجتاح العالم جاعلة له أكثر فأكثر غير قابل للحكم INGOVERNABLE .تفكك الصومال، ليبريا، سيراليون، غينيا –بيساو، جمهورية الفرنفو الديمقراطية، ساحل العاج، وربما العراق، الذي يبدو أنه انخرط بدوره في مسار طويل من اهتزاز اللاستقرار، تعبر جميعاً عن أعراض مسار التفكك الذي بدأ يسري في مفاصل دول العالم. فلسطين مرشحة هي الأخرى للتفكك حتى قبل أن تتشكل في دولة بسبب الفوضى التي أطلت برأسها فيها الى درجة أن أجهزة الأمن الفلسطينية بدأت في حياة عرفات تقتتل فيما بينها ، وكتائب الأقصى أغلقت مقر المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية، وحراس عرفات حاولوا اغتيال أبو مازن،المرشح لخلافته. وهذا غيض من فيض.

(هـ) تتضافر المؤشرات على أن السلطة الفلسطينية تقف أمام مهام تتجاوز وسائلها. فما العمل؟ حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع التنظيمات والميليشيات تبدو احتمالاً بعيداً بسبب رفض حماس والجهاد المشاركة فيها. فلم يبق إلا حكومة وحدة فتح ومنظمة التحرير، أي بمشاركة اليسار الفلسطيني الذي عبر عن نضجه السياسي بقرار المشاركة في الانتخابات التي قاطعها الإسلاميون. فهل تستطيع قيادة ما بعد عرفات، خلال فترة إختبارها في الثلاثة أشهر القادمة ، أن تنجح في بداية تحقيق تداول الأجيال على السلطة في السلطة الفلسطينية،جيل عرفات، جيل الأيديولوجيا ،جيل الحنين إلى الشعارات السهلة وأحلام اليقظة التي لم تعد من عالم القرن الحادي والعشرين: عالم مبدأ الواقع المحبط والمرير، عالم الواقعية السياسية التي لا تقرأ حساباً إلا للنجاعة والنجاح المتعارضين مع الثوابت الأيديولوجية والفقهية لجيل عرفات. هل تستطيع قيادة فتح أن تدشن هذا التداول الضروري للأجيال على الحكم بدمج جيل محمد دحلان ومروان البرغوثي في هرمها القيادي ؟ البرغوثي بإمكانه أن يشكل رمزاً قيادياً رادعاً لحماس إذا راودتها شياطين الحرب الأهلية وبإمكان دحلان أن يشكل رادعاً عسكرياً لها.

الخيار المثالي – وهو أيضاً واقعي جداً إذا توفرت الإرادة الحسنة والشجاعة السياسية – هو قيادة انتقالية تضم جيل عرفات وجيل ما بعد عرفات: أبو مازن، أبو العلاء، أبو اللطف وهاني الحسن ...مروان البرغوثي ومحمد دحلان ... وممثلين عن اليسار الفلسطيني الذي اقتنع أخيراً بلا جدوى انتفاضة العمليات الانتحارية ... وياسر عبد ربه وسري نسيبه، اللذين يمثلان وجهين مؤثرين في الرأي العام الإسرائيلي لأنهما قبلا علناً –بموافقة عرفات ظاهرياً على الأقل – بالتخلي عن أسطورة حق العودة إلى إسرائيل.

سلاح السلطة الفلسطينية، إذا كان هدفها النهائي ليس النضال للنضال بل النضال من أجل دولة فلسطينية قابلة للحياة، هو كسب الرأي العام الإسرائيلي، وتالياً العالمي، اللذين لا سبيل لكسبهما باستراتيجيا حماس البائسة:انتفاضة العمليات الانتحارية البشعة أخلاقياً والكارثية سياسياً. على العالم العربي، إذا وعي أن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وتالياً الإسرائيلي السوري أحد أهم مفاتيح تفرغه لحل أزمته الطاحنة، أن يساعد القيادة الفلسطينية الجديدة سياسياً واقتصادياً وعند الاقتضاء عسكرياً. وعلى العالم، الذي يعي أن حل النزاع الإسرائيلي العربي مفتاح أساسي للإستقرار الإقليمي والعالمي، أن يساعدها أيضاً.

لقد أرسل مجلس الأمن إلى هايتي، بعد عزل رئيسها، قوة عسكرية لفرض الاستقرار قطعاً للطريق على فوضي دامية قد تمتد إلى أمريكا اللاتينية. هذا هو السيناريو الذي يجب تطبيقه في الأراضي الفلسطينية ولكن على نحو أكثر شمولاً: تدخل دولي اقتصادي وإداري وسياسي وعسكري.

مساعدة العالم العربي والعالم للمعتدلين الفلسطينيين ضروري لتجنب القفزة في مجهول انتفاضة حماس والجهاد الإسلامي الانتحارية .