لا نعلم ماهو السبب الذي جعل من النجمة الفرنسية(( بريجيت باردو)) تضرب صفحا عن الدعوة والمناشدة والمطالبة بحقوق الفئران، تلك الكائنات الضعيفة والهزيلة، والتي بقيت حبيسة جدران المختبرات العلمية، حيث التجارب تترى عليها من دون رحمة أو شفقة!فيما تعمد مؤسسة والت ديزني الى هضم حقوقها الأدبية والمعنوية، من خلال إستغلال صورتها دون الحصول على إذن أو موافقة خطية منها.حيث الإندراج في توظيب معالم الصورة النمطية التي تم بثها وتقديم معنى الخبث والمشاغبة لها من خلال مسلسل الأفلام المتحركة الشهير (( توم وجيري)). ولم يخرج الأدباء والروائيون ومخرجو الأفلام عن هذا التصور، فما أن يكون المشهد متعلقا بالسجن على سبيل المثال ، حتى لترى تلك الكائنات الحاضر الأهم في عموم المشهد، باعتبار قدرتها على العيش في الأماكن الرطبة والمظلمة، بالإضافة الى مرونتها المدهشة في الحركة السريعة بين الجحور.
الظالم والمظلوم
طالعتنا وسائل الإعلام العربية مؤخرا عن تعرض السياسي السوداني الدكتور حسن الترابي الى عضة فأر في السجن ، وأشارت زوجته الى أن حالته الصحية متدهورة، وبحاجة الى عناية وعلاج عاجل.الخبر هنا لا يتعلق بنظام سياسي بعينه، أو ترصد لحركات وسكنات أجهزة الأمن والشرطة في هذا البلد العربي أو ذاك، بقدر ما تكون المسألة مرتبطة بطبيعة الإستثمار للمعطيات والإمكانات المتاحة، من قبل الأجهزة الأمنية في التوظيب والتعديل وإستغلال المجمل من المعاني والعلامات المتداولة في الواقع العربي.سياسي شهير يتعرض لعضة فأر في سجن عربي، كأن المشهد يوحي بسفينة قديمة ، تعرضت الى الإصابة بمرض يستدعي رفع راية الخطر، أو ربما يوحي بالمشهد الأثير والشهير لفيلم البؤساء، المأخوذ عن رواية فكتور هوغو، عندما يصور جان فالجان مع الجرذان التي تقبع معه في ذات الزنزانة.
في أشد وأحلك اللحظات التي مرت على الشعب العراقي، حيث قوات الإحتلال تفرض بسيطرتها على البلاد راح المواطنون، يبحثون عن ذويهم بين الأنفاق والحفر، الى الحد الذي راح الجنود يتعجبون من طريقة العراقيين في البحث عن المفقودين، حيث اللامعقول يتجسد أمامهم حيا،من دون رتوش أو أقنعة.فالأمر يتعلق بالسجون، تلك التي يعرفون. فيما يعرف العرب نوعا آخرا من السجون، قوامها الإرهاب والخواف والتعذيب والترهيب، على الرغم من اللافتات التي تزين الأغلب من السجون العربية والمرتبطة ب (( التهذيب والإصلاح))لكن هذا التعجب سرعان ماتبخر على يد ذات الجنود، والذين فاقوا الجلادين المحليين تفوقا وشدة في إجراءات التعذيب.
السجين والسجان
من السجون الى الأنفاق التي غدت المستقر النهائي للمستبد الآثم، الى سلس البول الذي استبد بالسفاح كيمياوي، الى الرهاب والذهان الذي أطاح بالقيادة الحكيمة، يتبدى مقدار الجزع الذي يطيش بهذه الذات المتعبة، والتي لاتتوان عن نسيان كل شيء في سبيل تحقيق الغايات والرغبات والآمال الخاصة، ولا نعلم هل هي البيئة، أم الظروف المناخية، أم النشأة والتربية، أم القبيلة أم ماذا؟يحدث هذا في العراق، ويحدث أيضا في الأقطار الشقيقة، والتي تصيب من يتابع الرزايا والبلايا فيها بالشقيقة وصداع الرأس وألم المفاصل وارتعادها.
فأر يعض سجين سياسي!ما أطرف هذا ، فيما يحتشد العالم بالحديث الذي يبعث على السأم ، حول الشفافية والحرية والديمقراطية والحقوق الدستورية ودولة المؤسسات والمجتمع المدني والعولمة والليبرالية، والشرعية الدولية والقرية الكونية، ولكن حين تتم المقارنة مع الأسوأ، فإن رجحان الكفة تكون للأخف ضررا، حيث الفأر المسكين والذي تتبدى عليه سيماء اللطافة والخبث والدهاء.أن يعضك فأر أهون من أن يقطع أوصالك كلب في أحد دهاليز التعذيب العربي، والفأر أخف ضررا بالتأكيد من حوض التيزاب(( ماء النار))، وأرحم وأهون من رجل تعذيب عربي، يامل وبشدة للحصول على ترقية يتم من خلالها زيادة راتبه، وبالتالي يوسع على عائلته، المقتنعة جدا بوظيفته، وباب الرزق الذي يأكلون منهويعيشون ويستمرون في الحياة ، فيما يتم إنهاء حياة الآخرين، لسسب الإعتقاد والإيمان بقضية الرأي.
ما أغرب هذا العالم، العالم برمته ولا نروم تحميل الوطن العربي فقط وزر العذاب والتعذيب والقسوة،إذ يبدو أن بني الإنسان جميعا يتوحدون في هذا الشر الكامن والنزوع الوحشي، الى الأذى والإقصاء والتهميش والقتل والإلغاء.بل وحتى السلب والنهب واللصوصية، فالعالم كل العالم بدءا من الفقير والبائس ، وصولا بالأكبر والأغنى والأوسع من البلدان، يتبدى حاضرا جنون الغنيمة، إذ ما إن يتعرض التيار الكهربائي في مدينة كبرى حتى لتجد الناس وقد طاش صوابهم، وعادوا الى وحشيتهم الأولى، ليمارسوا القنص والصيد ونهب الممتلكات العامة، وإذا وقف العديد من مفكرينا الى تحليل العقل العربي، رابطين إياه بالغنيمة بإعتبارها إرثا قبليا، فإن العالم طرا يتبدى في أشد قبليته ، حيث الشغف المرير والمفجع بالنهب والسلب والغنيمة.ظواهر عامة وشاملة ، تبدأ من عضة فأر لسجين رأي عربي، مرورا بتجريد سجين عربي من ثيابه في أبي غريب،وصولا الى التبول اللاإرادي لعلي حسن المجيد مصمم ومنفذ مجزرة حلبجة.

تورنتو