التالية قانون رقم 31 لسنة 1957، قانون رقم 36 لسنة1983 وقانون رقم 21 لسنة 1997 في الواقع والتطبيق

مر العراق بأزمة تشريعية مردها هو التسلط السياسي على التشريع من أجل تقوية السلطة وأطالة أمد بقائها.
ان قانون الشركات الذي صدر بزمن البعث الحالي هو قانون جديد أخذ بمبادئ جديدة، فصلها في أبواب ومواد القانون الجديد، وللأسف فقد حصلت غشاوة على هيئة التدوين القانوني وهم قضاة أو موظفين قانونيين برتبة أعضاء محكمة التمييز، يعينون من قبل وزارة العدلية. المبدأ المهم الذي أدخلته السلطة على القانون القديم وهو من ضمن مبادئ قانونية اخرى يطول شرحها، وهذا المبدأ هو السماح القانوني لتشكيل شركة فردية، اذ ان من المتفق عليه عالميا ان تعريف الشركة هو ضم ذمة مادية الى ذمة مالية اخرى حتى يصار الى الجمع بين الذمتين وتصبح لهذه الشركة شخصية قانونية legal entity) ) وتتفرع هذه الشركات الى شركات ذات مسؤولية محدودة وشركات تضامنية وشركات ذات التوصية البسيطة، وهذه الشركات بمجملها كان معمول بها من تشريع قانون الشركات، وقد شرعه العهد الملكي والمرقم 31 في سنة1957، يوم أتى الأنكليز وانتدبوا العراق لم يلغوا كافة القوانين، وانما أبقوا على القوانين العثمانية والتي تستند على الشريعة السلامية والفقه الفرنسي والأوربي بصورة عامة، وفي قوانين الأمبراطورية العثمانية مبادئ متطورة لقانون الشركات، منها ما سمي في قانون الشركات القديم شركات المضاربة، تعني ان شريك يدفع رأس المال والآخر يدير العمل برأس المال ويتقاسمان الربح حسب الأتفاق، وقد اطلق عليها مبدأ (عامل وقراش) والقراش لغويا من يعد النقود، كما ان هناك نصوص في تلك القوانين تعالج الشركات العامة والخاصة وذات النفع العام بأستيعاب قانوني كان العثمانيون متفوقون على غيرهم في تلك الحقبة.
ان الحكمة كما أعتقدها المنتدبين البريطانيين هو ان الغاء القوانين كافة سيسبب تخلخلا في طبقات المجتمع وفئاته، الا ان ذلك لم يمنع الأنكليز من تشريع قوانين أتوا بها حسب عقليتهم وتفهمهم بنظرة قانونية شاملة، أرادوا من هذه القوانين توطيد الأمن في العراق وتجميع القوانين العقابية المبعثرة بقانون واحد أطلق عليه قانون العقوبات البغدادي ، والمعروف عن الأنكليز بتأثرهم بالحضارات القريبة ومن القوانين الفرنسية وخاصة القوانين التي أصدرها نابليون، فوجدنا انهم شرعوا هذا القانون الخاص بالعقوبات والجرائم مقتبسين نصوصه من قانون العقوبات الهندي، حيث طبقوه يوم احتلالهم قارة الهند. أما في التشريع المدني فتجد ان قانون الشركات في الخمسينات وبرأيي جامعا مانعا واضحا، حددت فيه معالم الشركات ومسؤولية وحقوق كل من أعضاء مجلس الأدارة وحاملي الأسهم والمدققين القانونيين وكيفية تشكيل وتأسيس الشركات بكافة أنواعها ومراقبة العمل بها بموجب النظام الداخلي الواجب ايداعه الى مسجل شركات يحدد أهداف الشركة وأغراضها واجتماعات مجلس الأدارة وانتقال الأسهم من بيعها وشرائها مع أحكام رقابة مسجل الشركات الذي اوجد له منصبا في وزارة التجارة، وبهذا المنصب يستطيع مسؤوله الأول ان يدقق الدفاتر التجارية للشركات وينتدب من يحضر الى أجتماعات الهيئة العامة، وعلى ادارة الشركات ان تخبر وزارة التجارة في كل تغيير يطرأ على مسيرتها التجارية. ذلك العهد أصدر قانون لتشكيل دائرة المحاسبات العامة وأشترط على ادارة الشركات ان لا تقدم ميزانية الا بأشراف وتدقيق وتوقيع محاسب قانوني Charter account والغرض من كل هذه الأجراءات هو حماية مصلحة الفرد العراقي وصاحب الأسهم والحرص على جعل هذه الشركات في خدمة الأقتصاد الوطني والدخل العام وليس سبيلا لفساد ذمة وجلب منفعة شخصية. هذه بعض سمات القانون وكان فيه باب لحل المنازعات التي تحدث للشركة سواءا بين المساهمين أو المساهمين والأدارة أو بين الشركة كشخصية قانونية وبين الأغيار من الناس، واشترط أيضا هذا القانون المستند على نصوص القانون المدني المرقم 40 في سنة 1951 منها باب التحكيم وهو باب حضاري يعتبر برأيي أقصر طريق لفض النزاعات المالية، وتتوفر فيه العدالة وبأجراءات مبسطة ومن الممكن تنفيذ قرارات المحكم أو المحكمين الذين يصدروه وبناءا على طلب طالبي التحكيم وبأن يوثقوا قرارهم بقرار محكمة قضائي وليس للمحكمة ان تدخل في تفاصيل قرار التحكيم وما يتضمنه من وقائع وحجج، الا انها تستطيع ان تتدخل في الأجراءات القانونية المتبعة عند أصدار هذا القرار وفق قانون المرافعات المدنية، وهذا مبدأ وطريقة قلصت من القضايا المعروضة على المحاكم، ولازال البريطانيون يتمسكون بهذه النظرية سواء في التحكيم أو تبسيط اجراءات التقاضي كنظام قانوني، اذ نجد انهم قسموا المحامين الى نوعين، النوع الأول ويشمل المحامون الذين يحاولون فض النزاع بطريق سلمي ويدعون بال solicitor والمحامون الذين يتولون جلب القضية الى المحاكم ذات الجلالة البريطانية بعد عجز ال solicitor من حلها ويدعون بال barrister، وهم يمثلون الملكة اليزابيث. وهناك مبادئ كثيرة مارس جيلي العمل بهذا القانون وكان مصدر ارتياح للقاضي والمحامين. الا ان حرص سلطة البعث على صب التشريع في روافد متعددة تصب في بحر الركيزة التي تشد قبضتها على الناس والأقتصاد والحرية وأهم هذه الثغرات برأيي:
1-خلقت سلطة البعث من دائرة الرفابة التجارية بعد ان وسعتها بموظفين ينتمون الى المخابرات العراقية أساسا أو يعينون من قبلها لتتدخل ليس على سلامة تطبيق القانون وانما ضمان مواكبتها وانصياعها لرغبات الهيمنة السلطوية على قطاع الشركات بصورة خاصة، فأخذنا نجد نحن مسجلي الشركات أنفسنا مضطهدين عند المراجعة، عكس ما كان معمول به في العهد الملكي، اذ علينا ان نمر في غرفة نفتش بها كما يفتش المجرمون وأن نقدم طلبا تحريريا نشرح فيه الغرض من المراجعة وبتفاصيل الشركة، وهكذا نجد اننا لا نستطيع ان نقدم خدمة للشركات في مثل هذا الجو الأرهابي ولا تتعامل هذه الدائرة بشكل آخر الآ مع قلة من المحامين المحسوبين على قوى الأمن والشركات التي تعود لمحسوبيهم ومن يلوذون بهم.
2-هناك الكثير من النواقص التي أعتورت قانون شركات البعث ولكن أهمها ان هذا القانون تخبط بين مدرستين، مدرسة الأنفتاح وأغراء الرأسمال الأجنبي والشركات للأستثمار في العراق بتسهيل اجراءات التسجيل ونقل رأس المال وتحويل الأرباح بالنسبة للشركات الأجنبية، وبين الحكم السلطوي المتسلط الفردي بتقييد حريات الناس بما فيهم مدراء الشركات الأجنبية ونشاط فرع الشركة الأجنبية، ولم يدفع الشركات الأجنبية من تسجيل فروعها الآ أرتفاع نسبة الأرباح التي تحصل عليها من تنفيذ المشروع. وقد بدأ ارتفاع الأسعار يتنامى شهرا بعد آخر بقدر التصرفات المزاجية التي كان يمارسها مدير عام رقابة الشركات، مما اضطرت الحكومة على اصدار قانون تنفيذ المشاريع الكبرى في الثمانينات، ومن أدبيات الحزب اطلقوا على هذه الفترة ثورة أنفجارية خصص لها المليارات من الدولارات، وقد جاء هذا القانون بمبادئ قانونية هي كالآتي:
أ‌-سهل أمور دخول المدراء من والى العراق.
ب‌-أعفى مكائن ومعدات الشركات الأنشائية من الرسم الكمركي وأجاز لها بأدخال أي كمية مما يتطلبه العمل بالمشروع من في العراق بأجازة أدخال كمركي مؤقت يحق للشركة ان تعيد اصداره.
ت‌-أباح للشركة ان تجلب أي كمية من رأس المال لغرض مباشرة العمل، كما ساعدها في توفير رأس المال اللازم، اذ نصت شروط المناقصات على دفع 10% من قيمة المعدات حسب القوائم نقدا للشركات وقبل مباشرة العمل ثم أجاز للشركة ان تقدم للحصول على نسبة كبيرة تصل الى 90% من الأعمال المنجزة، كما هيئ معاملة خاصة لمنتسبي الشركة من مهندسين وغيرهم من كوادر فنية.
ث‌-أجازت الحكومة للشركات العاملة بالعراق والمنفذة لمشاريع رسيت عليها، بأستيراد كل المواد الغذائية والأثاث والمعدات وبدون كمرك بحسب قناعة مدير الشركة وذلك لرفع مستوى منتسبي الشركة وأغراء غيرهم للمجيئ الى العراق.
3-ان على الحكومة العراقية ان تضمن قانون الشركات بنصوص تشجع الرأسمال الأجنبي بأستثمارات واسعة في العراق، خاصة بعد التغيير المرتقب وعلينا ان نهيئ التشريعات التي تفيد الشعب وتكون مشاريع قوانين جاهزة لغرض مناقشتها من قبل المجلس النيابي الذي نأمل بتواجده في نظام ديمقراطي تعددي يضمن حرية الفرد وسيادة القانون.
برأينا ان قانون الشركات يجب ان يوضع حاليا لأطمأنان أصحاب رأس المال للأستثمار منها كما يلي:
1-حرية انتقال رأس المال من والى العراق.
2-عدم تحديد نسبة معينة للأرباح وانما تترك للمنافسة السوقية لسعر الصرف المالي.
3-تحويل الأرباح كافة وفي الوقت الذي تشاء الشركة بذلك مع المحافظة على بقاء رأس المال المصرح به والمثبت في مستمسكات تسجيل الفرع.
4-اعفاء الشركة من ضريبة الدخل الفردية وعلى الشركة مع توفير كل وسائل واجراءات تسهل تحصيل براءة الذمة من الدوائر الضريبية للشركة كشخصية معنوية أو للأفراد العاملين بها.
5-يجب اصدار نصوص قانونية تؤمن عدم تأميم أو مصادرة رؤوس الأموال المستوردة والمستثمرة تحت أي حجة او تحت أي نظام، وهذا مهم جدا لعدم وجود استقرار سياسي في الشرق الأوسط، والناس في هذه الدول ينامون على قانون ويصبحون على قانون آخر، وبعضا يكونون مسؤولين ماليا وجنائيا عن تصرفات تحت ظل قانون لم يكن نافذا في تاريخ ذلك التصرف، وهذا هدرا لأنسانية الأنسان وكرامته ويجعل من تشريعاتنا متأخرة بعقود عن التشريعات الحضارية الموجودة في العالم.
بأعتقادي ان مثل هذا البحث يحتاج الى عدة حلقات سنحرص على نشرها، نناقش فيها النواقص الموجودة وتصورنا لقانون الشركات ما بعد التغيير.

رئيس محامون بلا حدود