المتهم بريء حتى تثبت أدانته، هذا مبدأ منصوص عليه في قانون العقوبات العراقي ومن المباديء العامة التي يستند عليها العمل الجزائي في العراقي، بالإضافة الى كونه نصاً بموجب الفقرة الأولى من المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات القضائية والقانونية المعتمدة.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يتم أعتبار صدام حسين متهماً وفق لوائح الأتهامات التي تليت عليه في محكمة التحقيق المركزية وما سيلحقها من اتهامات أخرى لم ترد في الجلسة الأبتدائية.
وإزاء الاتهامات الموجهة الى المتهم صدام أتمعن في نصوص الإعلان العالمي لحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاأنسانية أو الحاطة بالكرامة الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أجد أن المتهم صدام لم يلق أي نوع من انواع التعذيب ولا الترغيب ولا الإرهاب ولا الحط من الكرامة، وإنما تم تطبيق النصوص القانونية الدولية ومباديء العدالة العامة عليه وفي مجريات التحقيق معه وفي كافة طرق الأستجواب التي روعيت فيها جميع التطبيقات التي نصت عليها لوائح حقوق الإنسان.
بالإضافة الى توفير كافة الضمانات اللازمة للدفاع عن المتهم بنفسه او بواسطة محامين عرب لم يستطيعوا ان يتعرفوا على الطريق القانوني للدفاع، وسلكوا المنهج الاعلامي والديماغوغي في طريقة الإعلان عن رغبتهم الدفاع عن المتهم فخسروا الطريقين، أو بواسطة محامين أجانب لم يتبين حقيقة جديتهم في الترافع والدفاع عنه.
ومهما يكن الأمر فأن المحكمة ملزمة بتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه بتوكيل محامي، وفي حال عدم تمكنه من ذلك فأن على المحكمة أنتداب ا؛د المحامين العراقيين المسجلين في جدول النقابة للدفاع عنه وتقدير أتعاب له من خزينة الدولة.
ويعامل الموقوف بمثل مايتم التعامل مع كافة الموقوفين الاخرين التي يتم اعتمادها من قبل سلطات التحقيق.
ولما كان الأصل في أعتبار التعذيب سلوكاً مرفوضاً من قبل لوائح حقوق الإنسان والمباديء العامة التي أوردها قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي، بالأضافة الى أعتباره من الأسباب التي تبطل أعترافات المتهم أو الأدلة التي تم الحصول عليها عن هذا الطريق من قبل محكمة الموضوع أذا ثبت لديها ذلك.
فأذا كان المتهم صدام لم يلق التعذيب ولا الإهانة ولا الترغيب، ومادامت جميع النصوص التي وردت في لوائح حقوق الإنسان والاتفاقيات الخاصة بمنع التعذيب والحط من الكرامة طبقت في التعامل معه ، ومادام لايشكو من شيء بصدد الضمانات المطلوبة للدفاع عنه، وتمكين الصليب الأحمر من زيارته وأيصال رسائله، بالإضافة الى زيارة الطبيب المختص مرتين باليوم لفحصه، مع توقيفه ضمن مكان مريح وتتوفر فيه كافة الظروف والشروط الصحية.
نجد أن من حق المواطن العراقي أن يسأل عن أسباب توفير مكان مكيف الهواء للمتهم صدام ؟ بالوقت الذي يفتقر المواطن العراقي لهواء المروحة أو للكهرباء بشكلها العام ؟ ولماذا يتم توفير المكان الخاص الواسع الذي يتسع لأكثر من عشرة متهمين لصدام ، في حين يتم حشر أكثر عدد من المتهمين في مكان مشابه؟ وما هو مبرر التغذية بأربعة وجبات أذ يأخذ وجبة مغلفة في الصباح مع وجدبتين ساخنتين بالأضافة الى طعام خفيف بين الوجبات، حين لايجد العراقي في هذا الزمن أكثر من وجبتين بشكلها الاعتيادي؟ وما هو مبرر أن يتنعم المتهم بأوقات يستمتع بها في زراعة شجيرات أو يستمتع بالخروج في الشمس ثلاث ساعات في اليوم ؟ أو أن تتوفر له أقصى الظروف الصحية التي لم تتوفر لأي متهم عراقي لا سابقاً ولا لاحقاً؟
أننا لا ندعو لتطبيق ماقام به صدام على الشعب العراقي في الحجز والتوقيف، فتلك أساليب خسيسة وبعيدة عن الإنسانية، وتلك أساليب متخلفة وبائدة وبعيدة عن التطبيق الإنساني للحقوق، أننا لا ندعو لتطبيق ماقرره صدام على الناس حين يتم حجز أكثر من خمسين أنسان في مكان لايتسع لعشرة ويفتقر لأبسط المقومات الإنسانية، وبعيد عن القبول بالحد الأدنى لحياة الموقوف، أو حين يتم توقيف الناس في أماكن لاشبابيك للشمس والهواء في قاموسها، أو حين ينتشر القمل والأوبئة بينها، أو حين لايجد الموقوف سوى كسرة خبز يابسة كوجبة واحدة دون ان تتوفر له اي وجبة أخرى.
لماذا يتم فحص المتهم صدام مرتين بالوقت الذي يتم فحص المتهمين من أذنابه مرة واحدة باليوم، في حين لايتم فحص المتهمين من العراقيين سوى مرة واحدة بالشهر؟
وإذا كان الحرص شديد على أن يشاهد العالم المعاملة الإنسانية التي يلقاها المتهم صدام من سلطات التحقيق أو من الأجهزة التنفيذية أو القضاء العراقي، فأن بشاعة الاتهامات وكثرتها لاتجعله متميزاً عن المواطن العراقي حتى لا يشعر بحرارة تموز في العراق ولايعرف معاناة الموقوف في العراق.
أن اتفاقية منع التعذيب والمعاملة غير الإنسانية العربية تدعو الى مساواة الموقوفين وعدم تميز بعضهم عن البعض الآخر، وأذ نجد أن هذا التميز لايجد مايبرره ولايقنع أحداً، بل ويتعدى على حقوق ومشاعر العراقيين، ولم نسمع في التاريخ العراقي المعاصر أن متهماً بأرتكاب افعال خسيسة وجرائم تنتهك شعب العراق وسيادته يعيش تحت مكيفات هواء لئلا يتأثر بالحرارة القاتلة في صيف العراق، أو تحرص السلطات على أن توفر له الأقلام والورق وربما تستجيب لطلباته وحاجاته التي يشغل وقته بها، أو ان توفر له وجبات الطعام الطازجة والدافئة !!.
حقوق الإنسان أن المتهم بريء حتى تثبت أدانته، وحقوق الإنسان تمنع التعذيب، وحقوق الإنسان حين يتساوى التعامل وفق آلية واحدة مع المتهمين والموقوفين والمدانين دون تمايز أو أفضلية أو تفريق.
ما يتم توفيره للمتهم صدام يخرج عن نطاق المقبول والمنطقي، ويشعر المواطن العراقي أن هذه الأمتيازات التي تتوفر له ليس لها ما يبررها، وتجعل له مكانة تختلف عن بقية المتهمين، وفي هذا المنهج منتهى الانحياز وعدم المساواة في كافة ضروب المعاملات الجارية مع المتهم، وفي هذا التعامل نجد ان تجاوزاً فاضحاً يجري على حقوق الإنسان في العراق، مما يوجب أن يعاد النظر في التعامل مع هذا المتهم دون أية امتيازات.