تتواصل الجهود لآقناع اكبر عدد ممكن من التنظيمات والجماعات السياسية بقبول المشاركة في اعمال المؤتمر الوطني المزمع عقده قريبا ليتولى مسؤولية مراقبة أداء الجهاز التنفيذي (الحكومة) وليكون نواة لمجلس تشريعي بعد اجراء انتخابات عامة في البلاد بداية العام المقبل.
وأوضح الدكتور فؤاد معصوم رئيس اللجنة المشرفة على تنظيم المؤتمر في اكثر من مناسبة ان جهوده لا تختلف عن رغبة الامين العام للامم المتحدة في مواصلة الحوار مع أطراف ما تزال مترددة او حتى رافضة الانضمام الى العملية السياسية تحت ذرائع وتبريرات مختلفة.. ومحاولة اقناعها بضرورة المساهمة في رسم الاطار العام للهيكل السياسي للدولة العراقية الجديدة وتثبيت اللبنات الاولى لنظام ديمقراطي تتاح فيه الفرص المتكافئة للجميع في التنافس من اجل المصلحة العامة وتقدم البلاد وازدهارها.
ان انعقاد المؤتمر هو في واقع الامر محاولة لآنقاذ البلاد من احتمالات الانزلاق الى حالة الفوضى او الى أتون حرب أهلية كارئية.. والانتقال بها الى مرحلة اتفاق الاطراف المختلفة على وضع الاسس لبناء هياكل الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتعتبر هذه الخطوة ذات أهمية بالغة في هذه المرحلة بالذات والمتسمة بتشدد كل طرف وتمسكه بمواقفه دون اظهار المرونة التي تستدعيها ظروف العمل السياسي المشترك.
ان المسألة لا تتعلق بموعد ثابت لا يجوز تقديمه او تأخيره لآي سبب وكأنه موعد مقدس.. ستنقلب الدنيا في حال عدم الالتزام به.. فلا ضير في ارجاء اي مشروع مهما كانت أهميته طالما ان الغاية منه هي ان تتوفر فرص نجاحه.
وفي هذا الصدد, أشار الدكتور معصوم الى ان الباب مفتوح امام جميع الاطراف, حتى انه دعا انصار التيار الصدري الشيعي المتشدد ومجموعة هيئة علماء الدين السنة الذين يناهضون التغيير السياسي ويدعمون العمليات المسلحة للمشاركة في أعمال المؤتمر الوطني, ولكنه أوضح ان ليس بوسعه اقناعهم بالقوة للمشاركة في العملية السياسية في البلاد, لاسيما ان هذه المجموعات أعلنت رفضها من خلال بياناتها وممارساتها أية خطوة سياسية ترسخ البناء الديمقراطي الجديد, في الوقت الذي عجزت فيه عن الافصاح عن برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بمستقبل البلاد.
وتجدر الاشارة هنا الى انه لا تنجح اية جماعة سياسية في كسب الرأي العام الى جانبها و من ثم التنافس مع غيرها من الجماعات والتنظيمات ما لم تطرح بشكل واضح برنامجها في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والذي يعتبر معيارا لشعبية هذه الجهة او تلك ويزيد من فرص فوزها في الانتخابات.
ان المؤتمر الوطني هو آخر فرصة امام هذه الجماعات وغيرها للانضمام الى بقية الاطراف الجدية المندفعة بكل حماس للمشاركة بكل قوة وشجاعة في هذا المنتدى الواسع واسماع صوتها والاستماع الى آراء الاخرين حول العديد من القضايا الملحة المتعلقة بمستقبل البلاد.
ان رفض المشاركة في اعمال المؤتمر الوطني لا يمكن تفسيره الا كونه أقرب الى الاصرار على افشال اي مسعى جاد لآنتشال البلاد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار.. اذ لا بد من وجود خط للشروع والانطلاق.. ولا بد من توفر شخص او أشخاص يتولون رسم هذا الخط ويحرصون على تنظيم عملية الانطلاق وجدواها.
ومن غير المستبعد ان ترافق هذه العملية الكبيرة والمعقدة ـ اي عقد المؤتمر الوطني ـ مصاعب واخطاء واخفاقات.. وربما لا تلبي نتائجها رغبات وطموحات الاخرين, ولكن المحصلة النهائية هي اجتياز خط الشروع والانطلاق الى مرحلة الاستفادة من الاخطاء وتحليل الاخفاقات وتجاوز الصعوبات لكي تكون المسارات والرؤية اكثر وضوحا في المستقبل, وعند التقدم نحو الخط الثاني والثالث وهكذا.. خصوصا وان تجربة العراقيين في هذا الميدان تكاد تكون معدومة ان لم تكن ممسوخة جراء هيمنة انظمة عسكرية وشمولية خلال العقود الماضية.
لقد حان الاوان لكي يبرهن العراقيون لآنفسهم قبل غيرهم انهم مستعدون للخطوة الاولى وقادرون على وضع اللبنة الاولى في البناء الديمقراطي, ولن يلوم المتخلف عن الركب الا نفسه عندما لا يجد احدا يلتفت اليه او يصغي له.

لندن
[email protected]