كانت السرية والمباغتة من أبرز قواعد الحروب وانتصاراتها الميدانية، إضافة إلى عناصر التعبئة والتموين وقوة السلاح والإيمان بالقضية التي تحارب من أجلها تلك الدول أو الجماعات، هذه باختصار أهم مرتكزات الحروب ونظرياتها، بدءاً من حروب طروادة مروراً بنظريات الحرب التي وضعها الفيلسوف الصيني صن تزو صاحب نظرية "فن الحرب"، وصولاً إلى أحدث أساليب وتقنيات الحرب واستفادتها من الذكاء الاصطناعي كما في حرب المسيرات "الدرونز" والحرب "السيبرانية" وغيرها من أسرار لم تزل طي الكتمان لدى الدول المنتجة للأسلحة في مصانع الموت.
الهجوم الذي قامت به إيران بمئات المسيرات "الدرونز" والصواريخ البالستية، يعد مفارقة مضحكة إذا ما قورن بسرية مباغتة العدو، حيث أعلن عن موعد الهجوم قبل 72 ساعة من وقوعه، ثم جاءت مسيراتها وصواريخها تتهادى قاطعة مسافة تبلغ نحو 2000 كيلومتر، تتابعها كاميرات أجهزة الموبايل للمواطنين وكاميرات الفضائيات والوكالات الإعلامية في نقل مباشر، وحين عبرت الأجواء العراقية، وقبيل وصولها لحدود إسرائيل، وجدت سياجاً من الطائرات والمضادات الجوية لتسقط العديد منها، قبل أن تدخل أجواء إسرائيل وحكاية القبة الحديدية!؟
إسرائيل توعدت بالرد مقابل الهجوم الإيراني وبلغة شديدة التهديد تجهز أمورها في قصة رد معلن يناقشه مجلس الحرب الإسرائيلي باجتماعات متكررة تقدم نتائجه كأخبار تتصدر النشرات الإعلامية، وعلى غرار ما فعلت إيران سيكون الرد محدوداً ولا يتسبب بإشعال حرب واسعة! وكأنها حرب وديّة تفتقد لعنصر المفاجأة. إن الصراع الدائر الآن بين إيران وإسرائيل يبدو كأنه حرب تحت السيطرة الأميركية التي تحرك الطرفين بالريموت كونترول من واشنطن، وكل منهما يصغي للتوجيهات الأميركية وعدم الخروج عن محدداتها؛ حرب تشبه الملاكمة المتوازنة، إيران لها الجغرافيا والكتل البشرية الفائضة عن الحاجة ومغرمة بالشعارات والموت "الفردوسي"، وإسرائيل لها التفوق بالقوة العسكرية والعلمية واشتهاء الحياة ومتعها، تضاد متقابل يشبه القصيدة الحديثة للوجود البشري المتجرد، ينتج حروباً دائمة ليس بصالح أميركا أن تُحسم لطرف دون آخر.
الآن يترقب العالم طبيعة الرد الإسرائيلي ضد إيران، وما هي أبرز نقاط المقارنة بين القوتين الإسرائيلية والإيرانية، ولا نأتي بجديد حين نقول بتفوق إسرائيل عسكريا وتقنياً، وقد عرفت بتفوقها في صناعة الرادارات والشلل الراداري وغيرها من صناعات حربية تصدرها للخارج.
تلك الضربات أو الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران نتاج طبيعي لتصادم المصالح لكلا الدولتين، وتهديد الأمن القومي الذي تشعر به إسرائيل جراء امتلاك إيران لمفاتيح القرار في داخل الأرض المحتلة "إسرائيل" وتحديداً لتنظيمات حماس والجهاد الإسلامي وكذلك حزب الله اللبناني الذي يمثل الخط الدفاعي - الهجومي الأول لإيران ضد إسرائيل، لكن المهم في كل ذلك أن أي تقدم أو "نصر" يحققه أي من الطرفين سيكون على حساب الدول العربية وحقوق الشعوب العربية التي تتعرض للاستلاب من الدولتين على حد سواء، وجغرافيا مفتوحة لمشاريع توسعهما وتمددهما الفكري والمذهبي بعد أن أصبحت الأرض العربية وكذلك سماؤها ملعباً لتصفية الخلافات بين إسرائيل وإيران ومساحات إضافية لنفوذهما الإقليمي.
التعليقات