هكذا هي الدنيا. منذ أن غادر أبونا آدم إلجنة التي لم تكن تعرف الدينار والدرهم والريال والتومان والدولار، وهبط إلى الأرض التي ابتدأ الله يُسيّر دفتها بالمال، نقدا أو مقايضة، أصبحت لا يملك زمامها إلا الغني العاقل المدبر الذي يعرف متى يعطي، وكم يعطي، ولمن يعطي، ومتى يأخد، وكم يأخذ، وممن؟
وأكثر ما تجلت هذه الحقيقة في صورة رئيس أكبر دولة في العالم، وهو واقف أمام الباب الخاجي للبيت الأبيض في انتظار وصول الأمير السعودي الشاب الضيف.
فشكراً للريال السعودي البطل الذي استطاع، بالعقل والحكمة والموعظة الحسنة، أن يغير دواليب السياسة العالمية، بحنكة وصبر واتزان.
والخلاصة هي أن هذا ما فعله المال السعودي وحده. فتخيلوا معي، ماذا كان سيحدث لو اجتمع المال السعودي مع باقي أموال دول مجلس التعاون الخليجي، في بنك مركزي واحد؟؟
وبالِغوا معي في الخيال، وقدروا ما كان سيحدث لو أن دنانير العراق، قبل حرقها في الحروب، أو قبل اختلاسها وتهريبها إلى دول الجوار، قد انضمت إلى شقيقاتها الريالات والدراهم الخليجيات.
بالمناسبة، في بداية العام 1980، وقبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية بأشهر قليلة، بدأت الأخبار تتحدث عن قرب تأسيس مجلس تعاوني خليجي يضم الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان.
في ذلك التاريخ كان صدام حسين قد عزم على إلغاء اتفاقية الجزائر التي عقدها مع شاه إيران عام 1975 في الجزائر، ومهاجمة إيران لاستعادة سيادة العراق على كامل شط العرب.
يومها وجد في مشروع مجلس التعاون الخليجي المقترح فرصة ذهبية للانضمام إليه، باعتبار العراق دَولةٌ مِطَلَّةٌ عَلى الخليج العربي، وله حُدُودٌ طَوِيلة مَعَ المملكة العربية السعودية والكويت.
ويتذكر البعثيون القياديون، يومها، صدور تعليمات سرية حزبية وحكومية مشددة من صدام للكادر المتقدم في حزب البعث، ولكبار المسؤولين في أجهزة الإعلام والسياحة، تأمرهم بالترويج لطبيعة العراق الخليجية، وإبراز أوجه التشابه العديدة مع شعوب الخليج العربي، والروابط المشتركة في التاريخ والعادات والتقاليد، وزيادة حرارة الترحيب بأي معقل خليجي يزور العراق والإكثار من إسماعه عبارات محددة، هلا يا اولاد العم، البلد بلدكم يا اولاد العم، كلنا خليجيون يا أولاد العم.
وفي 25 مايو أيار 1981 تم توقيع اتفاقية مجلس التعاون الخليجي. ولكن دول الخليج الستّ تلكأت في قبول انضمام العراق إلى المجلس.
ولعدم إغضاب صدام وتعكير صفو العلاقات الإيجابية المتينة معه، فقد ارتأى قادة المجلس منح العراق عضوية بعض لجان المجلس غير السياسية، ومنها الرياضة والإعلام والصحة والثقافة، واعدين بتوسيع هذه العضوية في قادم الأيام.
سؤال، ماذا كان سيحدث لو قبلت دول الخليج الست بضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي، حتى بوجود صدام،؟ ها قد جاء زمن ورحل صدام وبقي العراق بدونه.
أما كان هذا الانضمام سيوقف الحرب مع إيران بسرعة، ولم يتركها تستمر ثماني سنوات من 1980 وحتى 1988؟ وأما كان سيمنع غزو الكويت، ويوفر أطنان الأموال العراقية والخليجية التي أحرقت في الحروب؟.
أما كانت كلمة العرب قد أصبحت هي العليا وكلمة أعدائهم هي السفلى؟
يعني، أما كنا اليوم والدنيا عندنا ربيع والجو بديع؟






















التعليقات