لا اعتقد ان ليبيا بموافقتها على سداد مبلغ 35 مليون دولار من خزانة مؤسسة القذافى الخيرية كتعويضات لعلائات ضحايا تفجير ملهى لا بيل الليلى فى برلين عام 1986 بعد ان قامت نفس المؤسسة بدفع تعويضات ضحايا الطائرة الفرنسية التى سقطت فوق النيجر عام 1989 ومن قبلها تعويضات ضحايا الطائرة الامريكية التى سقطت فوق لوكربى عام 1988، قد اقتربت كما يظن البعد من نهاية عزلتها الدولية.. لا اعتقد ان هذه التعويضات التى فتحت الباب لاستثمارات بريطانية وامريكية خصوصا فى قطاع النفط والغاز والسياحة والطيران والتى من المتوقع ان تفتحه اكثر لمزيد من الاستثمارات الاوربية، ستقرب العزلة الليبية من نهايتها.. فلو كان التوقع صحيحا كما يدعى البعض لحلت هذه النهاية السعيدة بعد فترة وجيزة من اعلان حالة التحول التى رفعت ليبيا شعارها منذ عدة اشهر.. اولتحققت بعد ان تم شحن معدات ما يقال عنه انه البرنامج النووى الليبى او بعد زيارة الوفود الامريكية المتعاقبة الى العاصمة الليبية.
كان لا بد للحكومتين الفرنسية والالمانية ان تحصلا على تعويضات من ليبيا لاسر الضحايا من ابناء شعبيهما بعد ان نجحت الضغوط البريطانية / الامريكية فى الحصول على تعويضات لاسر ضحايا طائرة بان آم التى سقطت فوق مدينة لوكربى.. لكن هذا لا يعنى ان الادارة الامريكية ستزيل كل ما بقى من عقبات امام انهاء عزلتها. لقد حرصت واشنطن قبل نهاية شهر ابريل الماضى على التأكيد عبر بيان اذاعه السكرتير الصحفى للبيت الابيض ان " ليبيا ستبقى على قائمة الدول التى ترعى الارهاب " بالرغم من قرار انهاء العمل بقانون العقوبات الاقتصادية الذى كان مفروضا عليها.
هنا تكمن المعضلة التى يجب ان تلتفت اليها القيادة الليبية.. الغرب يعرف كيف يحصل على حقوق مواطنيه دون ان يقدم تنازلات، ويعرف كيف يوظف ما فى جعبته من مخططات لتحقيق اهدافه الشرعية او غير الشرعية. وهو بعد ان ارضى قواعده الشعبية بما حصل عليه من خزانتها من تعويضات سيعمد الى ارضاء قواعده الاستثمارية بالسماح لشركاته وخبرائه بالعمل داخل ليبيا ومع اجهزتها المختصه سعيا وراء الاستفادة من التركمات المالية الليبية فى البنوك الخارجية التى لم تستهلك على امتداد اكثر من عقدين، ولخدمة التطوير والتحديث التى يحتاج اليها قطاعى النفط والغاز من ناحية ولخدمة الانماء التى تشمل المطارات الموانى والطرق والسياحة.. الخ.
فى اعقاب انتهاء اللقاء التاريخى بين رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير والقعيد معمر القذافى بدأ القطاع الخاص البريطانى العمل فعلا فى دارسة تشييد مجمع سياحى على مساحة 500 هكتار يضم مرسا للسفن السياحية وملاعب للجولف واندية للمارسة الانشطة الرياضية وحمامات سباحة خاصة، لاجتذاب السياحة الاوربية المتميزة طوال العام.. وفى اعقابها ايضا تعاقدت شركة شل مع شركة النفط الليبية الوطنية على استراتيجية طويلة المدى لتحديث قدرات تصدير الغاز بما فى ذلك التنقيب عنه فى مناطق جديدة. وبعد ان سمحت واشنطن للشركات الامريكية ان " تشترى وتستثمر فى البترول الليبى ومنجاته " ووافقت على ان يكون " بمقدور البنوك التجارية وغيرها من مؤسسات الخدمات المالية المشاركة فى هذه العمليات "، يقال ان الشركات الفرنسية تجرى مباحثات لخلق اطر متنوعة للتعاون الفرنسى الليبى المشترك فى مجالات متعددة تهم الجانبين. هذا الواقع سيتكرر بصورة مماثلة مع الجانب الالمانى فور الاعلان رسميا عن موعد الزيارة التى سيقوم بها المستشار جيرهارد شرودر للعاصمة الليبية التى تحرص على ان يكون لالمانيا دور نشط وملحوظ فى مخطط لتطويرها لقطاع الصناعة غير النفطية بما فيها الصناعات الخفيفة.
لن تنتهى عزلة ليبيا دوليا الا اذا بدأت قيادتها فى تنفيذ سلسلة من الاصلاحات والتغييرات الداخلية الجادة الحقيقيه الملموسة على كافة المستويات، وعدم الاقتناع باهمية هذه الخطوات يبرهن على ان النظام الليبى لم يستوعب بعد ابعاد التحرك الامريكى ولم يتعرف بعد على اجندة واشطن فى التعامل مع المنطقة سواء كان الجالس فى المكتب البيضاوى
بالبيت الابيض جمهورى او ديموقراطى..
-من اكبر الاخطاء ان تتخيل القيادة الليبية ان منهجها فى الحكم يتضمن الحد الكافى من التواصل بينها وبين الجماهير بفضل الاجتماعات الشعبية التى تعقدها اللجان دوريا وانه يعفيها من الاخذ بمطالب الاصلاح.
-من اكبر الاخطاء ان تتخيل القيادة الليبية ان تعاقدات الاستثمار التى ابرمتها وستبرمها مع الشركات الغربية بمليارات الدولارات، ستجعل هذه المؤسسات تستثنيها لدى حكوماتها مما هو مطلوب من دول الشمال الافريقى.
-من اكبر الاخطاء ان تتخيل القيادة الليبية ان الاستثمار فى الانشطة السياحية والترويحية التى تستغل المناخ الليبى لجذب حركة سياحية وترفيهية ورياضية الى شواطئها طوال العام، سيدافع عنها عندما تصر على رفض الحركة الاصلاحية.
-من اكبر الاخطاء ان تظن القيادة الليبية انها صارت بين ليلة وضحاها اقرب حلفاء الشرق الاوسط الى قلب امريكا.
لن تزول العزلة المفروضه على ليبيا وفق منطق العلاقات الدولية التى تظن انها لا زالت سائدة فى المنطقة وحول حوض البحر الابيض المتوسط وعلى مستوى العالم منذ سنوات الربع الاخير من القرن الماضى !! لسبب بسيط هو ان متطلبات هذه المرحلة التى اصبحت فى ذمة التاريخ لم تعد موجودة. المتطلبات الجديدة التى تفرضها تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتى وثورة المعلومات وتكنولوجيتها وتصاعد سطوة المؤسسات الدولية المالية وتنامى الهيمنة الامريكية، تصر على ضرورة الاخذ بـ : النهج الديموقراطى وعلى رأسه مشاركة الشعب فى الحكم وصنع القرار والشفافيه والمحاسبة + آليات السوق المفتوحه وعلى رأسها احتياجات العولمة + حقوق الانسان وعلى رأسها حرية الاعلام والتعبير والنقد + تفعيل دور المرأة + بناء مجتمع واقتصاد المعرفة !!.


استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا

[email protected]