في أقصى حالات التوتر يندرج هذا العراق مأزوما متشظيا يعاني من المخاطر التي تحيط به، كأن يدا شيطانية أطبقت على رقبته ، ولاتروم غير الفتك به.عراق الراهن الذي تستبد به الإختلالات إلى الحد الذي يكون فيه الحديث عن التوازنات وكأنه من الخرافات.توترات لاتفتأ تعلن عن حضورها الكئيب وسط زحمة التقاطع الملفت بين الإجتماعي والسياسي، والتفاقم المريب الذي يتصاعد بين المقدس والسلطة .انخراطات وتجليات تفصح عن حدة فاضحة في انكسار المعنى ، حيث الإحباط واللاجدوى واللاأمل وسط هذا الزخم من التآكل للقيم والأعراف، إلى الحد الذي صار فيه الحديث عن اللصوص وقاطعي الطرق وكأنهم الرجال الذين لا يشق لهم غبار على صعيد التداول الإجتماعي، فيما تصطخب الأوضاع بالتوجهات الدينية والإكثار من الطقوس بإفراط ينبيء ظاهريا عن ورع وتقوى، لكن الباطن فيه يشي بالتراكم المفجع لتوجهات لايعتورها سوى تصفية الحسابات، ومحاولة النيل من الخصوم.

تفجرات المكبوت
في تفجرات المكبوت يكون الحال وقد أضحى بمثابة ساحة حرب، بين الضحية والجلاد، السيد والمسود،المهيمن والمقصي، فيض من التناقضات التي تستحيل وكأنها المكون الأساسي لما يدور في المجتمع العراقي الراهن، فيما يبقى السؤال العالق، حول التوافق السابق الذي كان ينبيء عادة إلى العراق الواحد الموحد ، والذي كشفت الوقائع عن هشاشة المشاعر الكامنة في النفوس ، لاسيما فيما يتعلق بطريقة الإنتماء والتفاعل والتمثل لقيم الوطنية وأصالة الإرتباط بالتراب والأرض.فكل يغني على ليلاه، وكل يتطلع إلى تنصيب نفسه أميرا حاكما وقائدا وسيدا مطاعا، حتى أضحت شهوة الملك تطغى على مادونها من الرغبات والآمال والطموحات.كأنه السباق المحموم بين الفواعل الإجتماعية، في هذا العراق الذي أضحى مضمار جري للمزيد من القوى اللاهثة لتحقيق الغايات التي تعن على الرؤوس.ومن وسط هذا الزحام تتبدى التشظيات على أشدها والتوزعات المستمدة من واقع الإنتماءات الفرعية، حيث تصدر مضمون الإنتماء إلى الحزب والقبيلة والطائفة والعرق والجغرافية الصغيرة، على حساب الإنتماء إلى الوطن الأكبر الذي تتمثله مفردة العراق، تلك الأخيرة التي تم تغييبها وسط حشرة الطموحات، والرغبات الموغلة في الأنا.
يتساءل الجميع عن حالة الفصل والعزل التي باتت قسماتها تتبدى بوضوح غريب، داخل الوحدة العراقية المفترضة ،حتى ليكون السؤال المباشر وقد توقف مليا عند السبب الذي جعل من نزعات التفرد، والحض على التوزعات، متصدرة كل شيء.فيما غدت حالات التوافق السابقة وكأنها ضرب من العبث، أو وسيلة من وسائل القهر الذي تمت ممارسته، بحق ترسيم معالم صورة مصطنعة لبلاد أريد لها أن تكون، وفقا لمصالح وتوجهات قوى سياسية بعينها.من أي تهديد يمكن البدء به وجعله بمثابة نقطة الشروع في سبيل الوقوف على قراءة موضوعية،يمكن من خلالها تحديد طرق وأساليب التفحص في الظاهرة العراقية، تلك التي تتنازعها العديد من العوامل والمؤثرات، إلى الحد الذي يكون فيه من العسير الفصل، بين عوامل النشأة والتكوين العراقي، والذي يستغرق البعض فيه ليجعل منه بمثابة التاريخ المتواصل ، والذي يتجاوز الستة آلاف ، وأحيانا السبعة آلاف سنة. أو طريقة الوعي بنشأة العراق الحديث، وفقا لمتطلبات التصنيف السياسي الحديث.

هاجس السلطة
المفارقة الأكبر تبقى عالقة في أجواء طريقة التمثل لمعنى الوطنية الذي يعن على العراقيين ، والذي ظل بمثابة العقدة التي تحددها طبيعة العلاقة مع السلطة السياسية، فشعور الإحباط والإحساس بالغبن والإقصاء والتهميش ، ظل ملازما للمزيد من القوى الإجتماعية، والتي راحت تنعى أحوالها وأوضاعها، في ظل المعالجات الموضوعة من قبل المؤسسة الرسمية ، والتي أغفل عن حساباتها طريقة المعالجة للعامل الإجتماعي.بل تكاد السمة القبلية للسلطة السياسية تفصح عن حضورها الكثيف، وسط إختلاط المعاني وتوزع الولاءات والإنتماءات.إشكالية تقوم تراكماتها منذ الهيمنة العثمانية بكل إختلاطاتها ونزعاتها الإنقسامية، وتواصلت مع تمظهرات الحكم الذي تبدى في العراق، حيث التركيز على المظهر الديمقراطي، الذي ناله المزيد من الوهن والضعف، من خلال سيطرة بعض القوى السياسية، والتي قيض لها تعزيز مجال نفوذ الجماعة على حساب مصلحة القوى الإجتماعية.
التناغم المؤقت الذي مثل الرهان الأساسي للسلطة السياسية في العراق وعلى مختلف العهود السياسية، ظل بمثابة الإغفال والإغماظ المفجع عن التبصر والتمعن في المدركات والوقائع الحقيقية التي تفرزها العلاقات السائدة في المجال العراقي.فزاوية النظر ظلت متوقفة عند الرغبة العارمة التي عنت على السلطة في سبيل البقاء والإستمرار ، فيما كان الواقع يمور ويتفاعل بالتفاصيل، التي راحت تتراكم متعلقاتها الذهنية والفكرية، في تناهب للطموحات السياسية، والتي رحت المزيد من القوى تشرعن لإظهارها على سدة الواقع.ومابين الرجعية والتقدمية،والمحافظين والثوريين، صار العراق وكأنه ميدان اختبار يتم فيه طرح المعادلات والتهويمات الشعاراتية بإسراف ملفت ، لم ينجم عنه سوى القتل والإقصاء، إلى الحد الذي صارت(( دورة الثأر ))هي الحاضر الأهم وسط، حركة القوى غير المنضبطة.ليكون الخاسر الأبرز في خضم علاقات الإضطراب، هو المواطن الذي ناله الحيف الكبير، جراء تطلعات السلطة نحو هدف البقاء والإستمرار، والذي ظل بمثابة العبء الأثقل الذي نغص حياة المواطنين، حيث الإتهامية في أقصاها والريبة والشك من هذا الكائن المتآمر، والذي يعد مذنبا وبشكل دائم إلى أن تتم براءته، على يد جلاد أو تقرير لمخبر سري.

في الإحتفالية الإنتخابية التي يتم الإعداد لها في العراق الراهن، يكون التوقف الطويل عند الموقف منها.حيث التصدر للموقف الديني، بين الحرام والحلال، أو السياسي حيث الوطنية والخيانة، أو الإجتماعي بإعتبار المساهمة والمشاركة أو الحنق والغضب، أو القانوني بإستنطاق الشرعي أو اللاشرعي منها.جملة من العوالق والمواقف التي تبرزها هذه الفعالية في تاريخ العراق المعاصر.فيما تبقى الموجهات تفعل الأفاعيل في طريقة التمثل لهذا المضمون، الذي تم تغييبه عن دائرة الفعل الإنساني بالنسبة للمواطن العراقي ، الذي يجد فيها ممارسة وجدانية يتم من خلالها ترسيم معالم علاقته مع مؤسسة السلطة، التي عمدت إلى تغييبه على مدار سنوات المراقبة والمعاقبة التي إختطتها في طريقة توظيب علاقتها مع المواطن.فيما تبقى طريقة التفاعل مع الإنتخابات بوصفها فكرة قابلة لإعمال مجال العقل، في ظل توزعات القوة والهيمنة والسيطرة والسطوة.وماهي الموجهات التي يمكن الإحتكام إليها ، هذا بحساب طريقة الإنتماء والذي يحوزه السؤال المتعلق، الإنتماء إلى العراق للجميع، أم ذاك العراق الذي يلوح في بعض التقمصات المندرجة، في الحزب والجماعة والقبيلة والطائفة والعرق. كيف سيأتي العراقي إلى صندوق الإقتراع، وبأي عقل سيحتكم ويقترع وينتخب، بعقل الراهن المتشظي، أم بعقل العراقي المنتمي أولا إلى العراق ولا سواه.