[ (التكهيف ) كلمة لائقة ومناسبة للدلالة على حراك فكري ما، يقوم على بعث الحداثة نحو الخلف، كما ان قاعدة تفكير هذا العالم تقوم على تكييف الحداثة لما يسمى : الهويات، الوطنية، الدين، الفولكلور الاجتماعي، ارث ثفافة العنف المزين بمفردات مسيجة بالتقديس والمراجعية البادهة كدائرة امان ذاتي مجمع عليه، وهي كثيرة، يضاف لهذه الكوكبة من التكهيف ما يدعوه : اخلاقنا وقيمنا ومنظوماتنا، تلك الفخاخ التي تحاول صياغة الانسان خارج تاريخه المشترك في نسيج الحضارة والثقافة الانسانية، وتاليا خلق تاريخين لتاريخ واحد، يفضي الى انشطارات وجدانية مدوخة، تقسم الضمير الداخلي بطريقة قهرية الى ثنائية غير لازمة، تقف بين عالمين وتاريخين احدهما متوهَم والاخر حقيقي عملي متفاعم ومتين التماس، وهذا ينطوي على خلق هزائم لا لزوم لها الا لانها تقدم نوعا من الرفاه الماساوي شبه المازوشي، كمحاولة لتعشير ثقافة العنف والمكابشة البربرية في سياق حماية الذات وطريقة تبنيها للتحديات والمنافسة، وهي تقوم على عقل المحمية ( الهنود الحمر، او قبائل احزمة الاحياء البائسة) والعزلة، ترفض الانخراط في الحضارة العالمية، حتى وهي ترتدي ربطات العنق وتستخدم المظهرة التمدنية، لكنها تفكر بعقل المحمية والعزلة وتاليا انفلات لعبة الضبط المعاصر لحدودها وتصوراتها الخيالية لتتلقفها نزعات اصولية وسلفية التاريخ حيث تقودها في ماراثون يتنافس على الاقدم والاخلف والامضى ماضيا!! هكذا نجد الاصولية الحالية هي قادمة خلال مفتتحات الحداثة التكفيرية بشتى مدارسها المسيسة التي أجهضت النمو الطبيعي لفطرة التطور والتسابق للرفاه والتمنية، هذه المفتتحات مهدت الطريق لمشروع جهزه التاريخ بشكل تمامي لا يحتاج لإعادة صياغة الفرد بما يملكه من مقدمات ثقافية هائلة تمجد العنف وتمنحه قدرا من البلاغة المزينة والملطفة، اذ ان هناك تابيدا مقدسا للعنف بفكرة الجهاد كما هناك تزمين مقدس لنفس العنف بالفكر العلماني حين قسم اساطيره الحديثة المؤبدة بين الاشار والاخيار، والذي حتى الان لم يعيد صياغة صدقياته وضمائره وتناظره مع الوقائع والمتبنيات العملية الجديدة، كل ذلك وان تبين انه معترفا بالنعيم الليبرالي والتنويري في الممارسة والفائدة لكنه يرفض هذا بفكره وخلواته ودواخله ودوائره الداخلية، كما هي حال نصوصه غير المقنعة وغير الممنهجة، حيث المرور على فكرة الديمقراطية وعالمها مثل أي فيزا او كفارة " كفاية الشر"، كما تسمى، عبر خطاب دبلوماسي يبين المدى الخادع والمجامل في صيغه وجواهره اللفظية والكلامية دون ان تحدث له اية خلخلة وجدانية وافكارية، فهي باقية في الموروث فيما تستفيد من التحديث ليس لانها تقره بل لان التحديث يكون بخدمة التاريخ ! هكذا لم نلاحظ أي تطور في الافكار بين شتى التيارات في عالمنا ما خلا نزعات اعلامية طوارئية، حيث تقوم باجراء واحد وهو القيام بصبغ شعر الافكار والارث القديم بلون الحداثة لتبدو شابة وتبدل لون شعرها دون ان تنهي تجعيداتها القبيحة، انها لا تستورد غير صبغة الشعر لتقديم افكارها . في العالم المتمدن جرى تحديث رمنسات الفكر التوتاليتاري، وتقديمه بروح عصرية شابة من دون صبغة شعر، فكان الفكر الديني يفصل بين الرمنسة الطقوسية والسياسة العملية في جبرية تطورها، وهذا ما قدم احزاب مسيحية غاية في الليبرالية، ذلك لان الليبرالية ليست عقيدة تمامية كما تصورها عالم في التاريخ والطواطم والاوثان الماضوية، بل هي طريقة لكل العقائد وحل واقعي للتماميات والمطلقات في جبرية اقرار الشركاء الاخرين في المسؤولية الجماعية على تقرير المصائر دون ان ينوب احد عن اخر كما يحدث بنظام العبوديات المقنعة في عالمنا .. كذلك الحال بالفكر اليساري واليميني والقومي، حتى النازية الكريهة تمكنت من صياغة مشتركاتها المعاصرة في المجتمع، ولعلها لا تمارس الطغيان والتوتاليتارية في عالمها ما خلا عدائها المتخلف للاجانب فقط . كل ذلك يفضي الى وجود همس عالي داخل النظام الوجداني،، ينتج عنه شعور اثم بالانتهازية التي لا ازوم لها ان فهمت وعرفت الحضارة الانسانية على اساس انها شراكة حتمية عابرة للحدود لا هويات ومحميات معزولة، ولعل هذه الانتهازية الفائضة تقلل من فرص الايمان العميق بحقيقة الديمقراطية والليبرالية كمستوعب وحامي لكل المعتقدات والافكار في انساق من العدالة والماسسة الصارمة، ولكن يبدو ثمة موضة وتموض يبني علاقته بالافكار على اساس المظهرة والدعاية والولائية البغيضة، كما هو نظام الافندية القديم حيث الانتماء لافكار الحاكم القوي دون الايمان بفضيلة فكرية مجردة جاء بها وهذا يتناغم مع العدميين ممن يرفض الفضل الليبرالي لان الاثنين لا يؤمنان ولا يعرفان ما ينتميان له او يرفضانه، وهكذا كانت الفرنسية في لبنان والانكليزية في العراق اشبه يصبغة شعر سرعان ما تبين عن شيخوختها زشيبها الابيض عند سقوط اول الامطار كي تعود تلك المزخرفات الحضارية المسرحة التمدنية الى ما هو اسوء من تطاحن القبائل العتيقة وهي تمارس التشنيع والبشاعات والقبائح المفزعة . نظام الذات او الولاء للاخر كلاهما عاجزين عن الاستجابة الى نظام الخلخلة الوجدانية، وهذه الخلخلة لم تحدث في ازمنة الاسلام البعيدة فكيف ستحدث الان ؟ أي لم تنتهي كما اشيع انظمة العبودية وبيع الجواري والبشر والعبيد في الاسواق ووئد النساء، كما لم تتبخر الهيكلية القبلية، بل تطورت نحو الابشع وفقدت النظامين الاخلافيين / نظام القبيلة الاولى المحكوم بضوابط ونظام الاسلام المحكوم بشرائع، فما كتب او ان المفكر به حول سرديات التاريخ هي ليست وقائع انما احلام وخيالات ومسوقات تعبوية ودعائية، الامر الذي نقراه في ثقات كتبة التاريخ والمؤرخين الذين تصرفوا بعقل ايديولوجي في كتابة التاريخ طبقا للعقيدة لا طبقا لعصيان الاحداث على سيطرة المعتقد، وهذا على الاقل يلامس معظم المؤرخات شبه المصاغة بعقل تراجيدي ملاحمي]

الخلخلة والتحجر:
قلنا مرارا ان عالمنا لم يحدث أي نقلة بين تاريخين، حتى تلك الممكن حدوثها بين "الجاهلية" والاسلام، كل البينات تدل على انه جرى تحديث الجاهلية وبعثها في الاسلام، وباقرار نصوص ومواقف وتجارب عملية زادت من غلواء الجاهلية، وحاولت لفها ببلاغة وانشاء مقدس ادى الى استنتاج امر واحد فقط، وهو تبديل اليات السلطة، خصوصا اذا جرى تعقيم العقل من الرقابة المقدسة والخوف التاثيمي، فاننا سنجد نقلة في حراك مفهوم السلطة والسياسة والخلق الوطني لعالم شتيت موزع بين ولاءات ووطنيات المؤسسة القبلية او الارجاع الديني المؤالف بين جبهات القبائل انذاك، عبر ديانات اخرى، ولكن هذا العالم هو اورث عالم بين يدينا، ساد في خطاب السياسة خلال الاسلام، فكان اشبه بحركة وطنية حجازية اتسعت لتكون امبراطورية سياسية دون ان تفقد التمركز والتمحور الادبي والسياسي الوطني الاول، حتى لتبدو الطقوس الدينية التي يفترض بعالمها المجرد والكوني هي جزء من الوطنية والحنين الجبري للمكان الانثروبولوجي الاول ( كما يدل الرابط الجغرافي بفكرة الصلاة باتجاه القبلة ومكة، على تلك الوطنية ومركزتها الطبوغرافية في مسالة الدين، كعالم كوني منزه من جغرافيا الارض، لانه بلا جغرافية حصرية ولا زمنية حصرية ايضا، أي اللامكان واللازمان، ووجود العاملان يدلان على دينية وطنية )، وهو الحجاز، مما لم تحدث تبدلات في الانظمة الوجدانية والفكرية السائدة، بثقافتها القبلية والعصبيات العشائرية التي منحت وطنية القبيلة طقسا دينيا وكونيا احدث اكبر عمليات تزييف للعقل والوعي والافكار والروحانيات البدائية وهي تتبنى الهات بدائية كالهينوثية والبوليتية الساذجتين.
ما يهم هنا اننا نراقب حركية الافكار والتبدلات فلم نجد ملامحها ومتغيرها كما تدعي وتفترض، لذا ثمة خلط كبير بين التاريخ السياسي المتحجر منذ الازل وبين التطور في الافكار والحضارة والفقه والعلوم والثقافة، بحيث لم تتطور السياسة على ضوء تلك التطورات المجهولة غير المقررة للمصائر السياسية، ولم تتمكن تلك العبقريات ان تحدث أي تغيير في هذا العالم البدائي ولا تمكنت من ماسست تطورها الحضاري فادخلته للنظام والدولة وتطور العدل والقانون، وتاليا الثقافة السياسية الماتزال حتى الان ابنت النزوع البدائي القبلي، الذي شاهدنا خلاصاته وعلاقاته الحداثية حيث لا تقل بدوانية وبربرية وتخلفا عن اقدم تواريخ السياسة العتيقة . ما انتج من حضارة وافكار وعلوم لم يحدث أي تساوق في الثقافة السياسية ولا في المؤسسة الحاكمة منذ اقدم العهود ولا خلق دولة، بل بقيت الدولة كناية عن قيادة طوارئ وحروب، وكان سلطانها مدمرا للدولة ومؤجلا لها لمصلحة دولنة السلطة، بل جاء هذا العنصر بمعزل تماما عن التطوير في الحياة السياسية، كما نشاهد ثمة تطور نحو الخلف للثقافة السياسية . نعتقد والحالة هذه ان الحريات والحوارات كانت اكثر تنويرا وحرية في القرن السابع وخلافه مما هي عليه الان في الالفية الثالثة، حيث التمركز والتمحور يقلص كل هوامش المناورة لمصلحة التماسك الحديدي والمعتقدي الماحقين، ذلك ما نلاحظه في خطاب الاصولية والحداثات الحزبية الى مرحلة الوصول الى اقصى عملية تسويف وتفريغ انسانيتين، احدثن اخطر انقلابا في فكرة الفضيلة والانظمة الوجدانية والضميرية، حتى انبرت الاجازات والمجازات الى تحويل الضمير الى مسلخ ومذبح بشري اين منه رحمة الذئب بفريسته!! هذا التحديث نحو اقصى الخلف، الى حد التراجع نحو تاريخ الاتفلاقات الاولى للحياة بخرسها البيولوجي او الذري، وهو يسير سابقا بسياق الطموح الكوني لانجاب الحياة على الارض، يعد رجوعا شرها لفكرة العدم الاول وقد ترسبت كفخ لصق التطوير بالتاخير الى ابعد الحدود، حيث لا خيار امامه غير العدم الاول وهو يفخخ تماهي الفضيلة مع افناء الوجود، ذلك ما نشاهده ونلمسه في مظاهر نزعات الخراب والعدميات السائدة وهي تعلن خطابها الصريح الممنهج في انقلابية اخلاقية وضميرية تجنح للفناء وليس البقاء كعنصر قدري التصق بالنشوء البيولوجي .
لا يسعنا في هذه الحالة الا قراءة التنشئة الوجدانية الاعمق في نظام الدين وكيف انتهت الى تفضيل الجرم والقتل والبطش والقمع على كل ما عداه من خيارات متاحة، وهذه مقدمات ثقافية لاي حداثة وان ضد الدين باعتبارها مؤسسة على قواعد ذلك الوجدان الذي ينظر بعدمية وتدميرية الى علاقات البشر بالوجود، ومن خلال اللاوعي ذلك، تحدث النتائج والافعال والمواقف، لذا لا تفريق بين التكفير العلماني والتكفير الديني لانهما من اؤس ثقافي واحد يجنح الى التمامية المؤجلة كي يسد نقصها القديم عبر التحديث الجديد، وقد قاما على وجدان وارث لثافته من بيئته ومحيطه وتربيته حيال رؤية العالم، وهذا يستدعي اعادت صياغة الوجدان الاول، والا لا يمكن صياغة الجزء على الكليات الجوانية لانها ستكيف الجزء حتما لشروطها . اشرنا كثيرا لتجدد فكرة المخلّص بين الحداثة كما اشرنا منذ تواريخ بعيدة الى ثقافة الاسقاط الحداثي على هياكل قديمة جدا، بحيث تمكن الالحاد وثقافة التنوير المفتعلة ان تجد ائمة واولياء وشفعاء ومحاريب للصلوات العلمانية، الى زيادة مفزعة في نظام فرعنة القادة وتنبيتهم – من نبوة – وتحنيط موتهم حتى وجدت دولة الحكام المحنطين كما حدث للمصريين القدماء الذين تحكم ارواحهم من على دفة القبر موجودات حية!! وهذا وجد في القرن العشرين، ووجد خجولا ومبتكرا ومكيفا في عالم الاولياء والتطيّر الطوطمي والرموزي للقادة والابرار، منسبي ولايات السماء والغيب والتوثين الاخر وهو توثين العلمانية للرموز، بحيث ان هذين الارثين تحكما بالثقافة السياسية السائدة، ما لا يجعل ثقافة العنف والجريمة والطغاة والعبيد معزولة عن هذه البيئة المنعشة لها والمحضرة لمداخلها ومقدماتها، فهي تتواتر وتتناغم مع انجاز تلك القبائح والمكرهات، وان كانت بالضد منها، الا انها في نفس السياق والمحيط، تحاول تخفيف وصناعة صفقة او ترضية بين تلك العوالم وبين فكرة السلام الاجتماعي الكموني، المحضر لثقافة العنف في رمزياته المسالمة، بحيث ستظهر تلك الكوامن في لحظة استفزاز ما، معلنة عن تآخيها مع اعداء الامس .

مجتمعات العنف وطبقة الابرار الجدد:
الشرعيات الادبية والسياسية التي تقوم على رجاحة تسييد ارث المناضلين والثوريين والمكافحين هي مقدمة متناغمة مع الثقافة المشار لها وتاليا عودة لمؤسسة ونظام الابرار ودولة الولاءات والامتيازات اللامعرفية التي ترجح الجاهل على العالم لتحدث فوضى وفساد جديد، وتاليا المزاج المطلق الذي تؤازره بيئة سياسية وثقافية تقوم على ارث اولي مكون من العقل البطولي والماساوي وتلك التراجيديا العمياء، وهي لا تختلف عن ثقافة ومعلن سابقها من دول وانظمة حرمت المجتمع من رفاه النمو والتمدن والتطور لتحصره بمثاليات جمة ورمزيات مخلصية تلغي الجانب العملي والواقعي والتنموي من افكاره لتجعله اسير الرمانسية والخيال المطلق وتعشير فكرة الجنة الغائبة، وتاليا تخطف فرصته في بناء مؤسسة الواجب لا فواتير الابطال والمجاهدين والمناضلين والشهداء الذين احالوا هذه القيم النبيلة الى تسليع وارصدة وغنائم وبورصات سياسية !! وتلك مؤسسة مثلية متناظرة مع الجبهة الفكرية والثقافية القديمة، تلك التي جعلت نواب العرفاء قادة على العلماء تحت قانون الشرعيات النضالية والولائية لا الشرعيات العلمية والتخصصية والابداعية المنتجة والعملية . هذا العالم ينتج اكثريات ذمّية من جموع الشعب بحيث تكون المواطنة محكومة بالذنب والتذميم لانها لم تتزود بنعيم تاريخ النضال والجهاد، فتكون طبقة المناضلين هي مقدمة لمجتمع عبودي مقسم على اساس درجات المواطنة، وما يترتب على ذلك من فوضى وخراب اخلاقي ومؤسساتي وادبي، يعيد ارث اخصاء المواطنة ويمنحها قدرا من استعادت ثقافة تملقها وتزلفها للطبقة السائدة من الاسياد الجدد مقابل عبيدهم القدماء . هذا الامر منتشر في دول الهامش والعقائد والاحزاب البارة، فيما تزداد غلواؤه وماساته في المجتمع العراقي، عبر مشاهدات يومية ونظام تماسس على فكرة المواطن الذمّي والمواطن السيد، وتلك اسوء انظمة الظلم، وهذا ايضا احدث شقوقا اجتماعية خطيرة ادت الى عداوة باطنية ومعلنة او متهتكة بين عراقيي المهجر القادمين بالتحرير كاسياد وبين المواطن في الداخل كعبد لاسياد التحرير، بحيث نلاحظ عصبوية مريبة بين الطرفين، وان جرى تلطيفها على طريقة الاخويات والرضائيات الشائعة التي تاجل الحقيقة دائما، لمصلحة استثمار الماساة انيا ..يترتب على ذلك اشاعة شرعية مؤطرة للفساد والخراب وتعويم الانحطاط وعدم النزاهة التي وجدت مداخل عدة لتطوير شناعتها وفحشها بعد ان كانت مؤطرة بسيد واحد وحزب واحد، فيما هي الان معومة على سيادات واحزاب متعددة، تتمكن عبرها ان تمارس حرية انتهازية في سياق خيارها وهو : من يدفع اكثر ويقدم امتيازا اكثر، تلك هي حصيلة الحرية وقد جاءت بصيغة تلوين اسس الذمة التي ينبغي ان يجري اجتثاثها بغية خلق كرامة داخلية في الخيارات وتكون الحرية غير محفوفة بالاثم والاحساس الذمي والتعويض، لان ذلك يترتب عليه مواطنة بشتى الاعاقات السيكولوجية وبدلا من محوها فانها تكرسها ببعث اخر – المقصود بالبعث اعادة الخلق وليس الحزب -، فلم تكن الحرية الا نوعا من الخيار بين ولاءات قهرية لا تتمثل بنظافة ضميرية وجوانية او تخيير عقائدي، انه نقل رمزيته وصدامه وحراسه ورقبائه للعالم الجديد، حتى تناغم نظام ماساوي سرمدي عاشته المواطنة منذ الازل وهو يقوم على السلطة الغازية والشعب المهزوم بالمعركة، عبر انساق من ثقافة العنف والاغتصاب المجمع عليه حول فكرة السطوة والشرعية القتالية، اذ غالبا ما يفرض المنتصر نظام الذمة على المهزوم، با للهول ايها المعذبون!!

في الخلاصات العملية تنطوي هذه الموروثات على قواعد يجدر هدمها وفضح مناوراتها وجعلها عارية بلا ستر او حشمة .. ولعلنا هنا نمسك بخيط جامع لها الارث، وهذا الخيط هو قاعدة البيان والبلاغة والانشاء السياسي، الذي روض الناس على خداعه وزيفه، فجعل الارتكازات الفاضلة تقوم على حزم لغوية وكلامية لا اكثر مما يدل على حقيقة ان هذا العالم انتج حضارة لفظية بيانية لا حضارة افكار ومعتقدات وايمانيات او علوم ومنجزات عملية، وهذا لا يحقق مقارنة محتمة بين الفضل والشر، فكل القتلة جاؤوا بارقى المقولات وافكار التحرير وقيم العسكرة الى درجة نقل المجتمع الى جنود في درجة استنفار دائمة، كما اثبتته تجارب دول الوعود والفراديس، حيث لا نجد طاغية اعتبر نفسه اقل من مصلح او نبي او حتى الهة موعودة، بل ان الطغاة افضل من صاغ خطاب الوطنيات والفضائل البيانية والبلاغية وتغزلوا بشعوبهم اجمل من أي حاكم عادل او مؤسسة ديمقراطية تنأى بنفسها مما هو ارهاب ادبي بصيغ الجمال اللغوي الذي يحتكر الاذى القديم والظلم لنفسه كما يحتكر مكرمة الحرية وايقاعاتها لنفسه، وهذا اصبح اشبه ببصمات جريمة او سابرة لاكتشاف مناهج لطغاة والقمعيين والارهابيين بحيث قراءة الجانب الخطابي والانشائي يوصل الراصد الى خديعة كامنة تحاول الايحاء بانها مالكة لضرر الشر ومالكة لخلاص الخير كما احتكرت تاتشر خصومة صدام لنفسها ولم تتصرف بالخصومة على اساس انها مشترك ومصير امة بكاملها وهكذا طردت لان الديمقراطية الحقة لا يخدعها خطاب عداوة الشر والشيطان ولا يخيفها خداع المحتكر حين يتهمها بالوقوف مع الضد، ذلك لانها ترصد خطر ملكية الاذى والضرر كي تفوت الفصة على خطر احتكار الخير!. وكما كل الطغاة احتكروا عداوة الشيطان لانفسهم كي يستاثروا يثمار الرحمان لوحدهم!!، فالضد يحضر ضده للاخر والخطورة بالمضمّر والمستور الذي يمركز ذاته ويذيب الجمع في المفرد فيصبح كل عام مقاس بالشخصنة وهكذا ترتبط المصائر العليا بالفرادة فتكون فلسطين ابو عمار والعراق صدام وايران خامنئي وليبيا القافي وسوريا الاسد الابدي والحال ذاتها في الاحزاب والتشكيلات حيث نهاية الرمز ينهي الجمع...الخ .

قراءة قوة تمركز الضد يفضي الى طباقه المعهودة، وهذا بدا ممركزا في ارث خطاب النضال والعراك مع الاشرار وباعت الشهداء والباحثين عن شرعيات نتائج الحروب والصراعات وثقافة العنف، لا على قواعد السلام والتنمية والابداع والانتاج ( القياس كم سنة تشردت وكم قدمت شهداء وعشت سجونا لا كم بنيت مستشفيات وحصنت النظام الاداري وقدمت الضمان الاجتماعي ونظفت الشوارع، وهذا ياتي بطبقة فاسدة وجاهلة وفوضى بديلة مثلية العناصر)، ممن يموهون منهج خصومهم ونظرائهم السابقين بمحمولات من ذات المنهج : اشرار مطلقين من اجل انتاج ابرار مطلقين !!( هذا المنتج السياسي اثبت ما اسميناه ارهاب الضحية والتصرف بعقل جلادها، وهو نوع من الفصام والمرض القهري الشائع حين تغيب ثقافة المؤسسة والقانون والعدل وسيلدة نظام الرفاه لا نظام النكد والعقل البطولي والماساوي) تلك هي القاعدة التي تتخذ ملامحها كلما جرى تهجير مفهوم الشر من قواعده الواقعية والعملية الى الاسطورة لانه ينتج الطباق المقابل الذي سيكون بخدمة تهجير العقل نحو اساطير الخير الجديد، بحيث تتعطل الواقعية لمصلحة الخرافتين وبالتالي يجري استثمار الوقائع بغياب العقل والحواس والمشاعر المبحرة في نومة عقائدية وارهابية جديدة . هذا المدخل الشرعي للفساد وتعويم الخطاب الانشائي الي يرهب الخطاب العملي والنقد التنموي، ويحل محله بقوة البلاغة والفلتان الكلامي، لانه لم يحقق منهجا تفسيريا وعمليا واقعيا، يفك طلسمة المبهم لكي يحقق مشاركه مع الاخر، فالبلاغة السياسية ولغة الانشاء في خطاب القادة والاسياد هي مجرد تعطيل للمشاركات العملية، بحيث لا تقدم الا قزحا لغويا فارغا من أي مؤثث فكري وعملي، وهذا ما اتقن تسويقه الطغاة، وهم يرتكزون الى لغة تطهرية ذات غموض رومانسي، لا يقدم سوى كتل عمياء، ترتكز على ما لم يبحث وما لم يعتمد كعقد ومشترك ومجتزءات مفصلة ومترجمة لاعمال مؤسسية تقوم على مفاضلة الاعمال والتخصص والتنمية والابداع، لهذا تلوذ بقوة بلاغية متماجدة، تصعد من فسيفساء وزخرف الكتل العمياء من مثل : وطنية وقومية ودين وتقدم ورفاه وتطور وسمو وقيم واخلاق وحرية او أي موضة جديدة..الخ من الاسماء الحسان العمياء، لعلها مغلفات تدل على تراجع المعرفة لمصلحة البيان والخطابة، من يخترع الكهرباء لا يعنيه الادلاء ببلاغة وطنية ومن يقدم اختراعا للقضاء على مرض لا يهتم لخطاب مديح الخالق، لان الفعل العملي المقدم هو انبل من معلقة في غزل الوطن والاله والفضيلة.

اصبح ملامح كشف الكذب والخداع هو في مدى القوة الدعائية ونزعاتها الى تعريف ذاتها وحقيقتها، وهذا يتواتر مع خطاب احتكار الضرر من قوى شريرة كما يفضي ذلك لاحتكار الخير والحقيقة وتاليا السلطة، كما يبين هذا الكشاف الواضح بعد تاريخ من التدويخ الدهائي، عملية تسليع الفضيلة وتبرجها، حيث تتحول الواجبات الى امتيازات والخدمات الى مخدومات والا لماذا هذا السعي المحموم للسلطة بواسطة الفضيلة وشعارات الانشاء الاعمى، ما يجعل من الضروري قراءة الموجودات الفكرية ومعرفة الجديد بها، فيما المنسوخ الذي هو شامل، يؤكد انعدام الفضيلة او الخلخة الفكرية المطابقة لدعواتها، ولابد من قراءة المجال الاسقاطي وعزله عن الفحوى الاحق في تلك لدعوات وهي فحوى مرتبطة بارث وبيئة لم تعترف على صعيد الجبهة الوجدانية بافكارها ذاتها فكيف بفكر الاخر؟ انها تجتزئ العالم الكوني والانساني من افكاها فتقدم المحلي الانساني بوراثته كما هو لا تضيف عليه نزعاتها الكونية المتمظهرة بخطابها وادعائها، وهكذا يفسر البعض فكرة الليبرالية باسقاط اخلاقي قادم من لاوعي ديني كما يفسر البعض فكرة الشورى كجواز سفر للديمقراطية مع ان كل طغاة الارض كان لديهم شورى، وهكذا تبدو الافكار بلا قيمة مخلخلة للايمانيات الموروثة، وهي من الممكن ان تآلف بين الليبرالية ودولة الفقيه او الكمون العلماني التكفيري والتعدد على طريقة المانيا الشرقية سابقا او طرق الكتاب الاخضر، اذ لا قيمة للافكار هنا لانها منظومة انشائية ولغوية لا اكثر