ثمة حقيقة برزت وتبرز اليوم في مواجهة نظام دمشق بعد سلسلة التطورات الميدانية المتسارعة والتي توالت فصولا وبوتائر مذهلة منذ إغتيال شهيد حرية وإنعتاق لبنان الرئيس رفيق الحريري، والذي شكلت عملية إغتياله الجبانة محورا مفصليا وتاريخيا في تسريع عملية التغيير التاريخية ليس في لبنان الصغير الجميل بل في العالم العربي بشكل عام ، تلك الحقيقة التي تقول بأن هوامش المناورة والتحايل أمام أنظمة الإستبداد والموت الطائفية والحزبية قد باتت معدومة بالكامل!، وإن التلاعب بالشعارات والعواطف والمشاعر الوطنية والقومية لم يعد لها محل من الإعراب في ظل ملفات ظلت جامدة ومتجمدة لعقود طويلة دون أن تتزحزح أو يزاح عن أوراقها الغبار المتراكم، كملف إتفاق الطائف الشهير الذي طواه النظام السوري تحت إبطيه مراهنا على الزمن وعلى حالة الوهن العربية الشاملة، وعلى ضعف الذاكرة العربية الشهير، ومتكئا على مماشاة سياسات الماضي وأيام الحرب الباردة التي كانت توفر مظلة حماية إقليمية ودولية لأنظمة الإستبداد!، وهي حالة وأوضاع قد إنتهت إلا أن بعض الأنظمة تتشاطر وتتصور أن التاريخ لم يزل يسير طوع بنانها، وإن إستحقاقات الشعوب لاقيمة لها أمام إرادة القائد الفرد الذي لاشريك له، وهكذا كان النظام السوري يفكر ويتصرف ويتعامل مع الملفات العربية والإقليمية الساخنة، بدءا من لبنان ومرورا بالعراق وليس إنتهاءا بتمرير عبارات الغزل الخجول تجاه الجانب الإسرائيلي، وهو الجانب الذي لم تزعجه أو تقض مضاجعه كل جعجعات النظام وعبارات صحفه الزاعقة حول التحرير والصمود والتصدي والتقدم والإشتراكية أو حول نكتة ( التوازن الإستراتيجي )؟ وكلها شعارات وعبارات جعجع بها نظام دمشق مطولا وأفلست بالكامل اليوم بل وتحولت لنكتة تاريخية تشير لهولها الركبان ويتناقلها الزمان، وخطاب الرئيس السوري الأخير والذي حشدت له أجهزة الإعلام السورية جماهير ( الهتيفة ) والمصفقين والعناصر التي تعودت على حمل سيارة الرئيس على الأكتاف !! لم يأت بجديد بالمرة، بل حاول وكالعادة المعروفة التمسك بالشعارات الميتة الجامدة ثم اللجوء للف والدوران والتلاعب بالألفاظ ومداعبة الجماهير دون نسيان اللجوء لعبارات التهديد الضمنية تلميحا وتصريحا ، ومنها ( التحذير من 17 أيار جديد )! رغم أن النظام السوري لايترك فرصة تمر دون أن يعلن عن نواياه السلمية وعن تحبيذه للمفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين!! وهي قضية يريد النظام ان تكون حكرا عليه ولايسمح لأطراف عربية أخرى لولوجها بل يخون جميع الأطراف دون أن يلتفت لوضعه الخاص أو إنتقاد تصرفاته وسلوكياته، كما أن قضية تحديد إطار الإنسحاب بسهل البقاع ثم نحو الحدود الدولية هو أسلوب مخاتل ويحاول الحفاظ على ماء الوجه في ظل حالة الهروب الواضح، فالنظام السوري رغم كل أساليبه ومداخلاته وآيديولوجيته يتسم بقدر كبير من البراغماتية وهو ليس غبيا وأرعنا كالنظام البعثي البائد في العراق، ويعرف مكامن الخلل بل ويشتم الخطر قبل وقوعه، وعليه فإن الإنسحاب سيكون سريعا وشاملا وكاملا دون ريب، ولكن الخطر على الوضع اللبناني يكمن أساسا في خطر تحركات ثعابين البعث السوري في المروج اللبنانية، فللنظام مؤيدين ومصالح وجماعات ضغط وإرهاب وإستخبارات قوية وفي ظل منظومة أمنية بناها في لبنان تملك العديد من الأوراق والأدوات التي من شأنها تعكير فرحة الشعب اللبناني، وتهديدات الرئيس السوري الضمنية كانت واضحة ولاتحتمل التأويل، كما أن تصريحات حسن نصر الله الداعمة والمؤيدة للوجود والإحتلال السوري تصب في نفس الإطار، فالحقيقة الميدانية تقول إن عودة السيادة الكاملة للشعب اللبناني تعني إغلاق كل منافذ وأدوات التهريب والتشفيط والتهليب والسمسرة! وأولها إغلاق ( الخط العسكري ) الذي هو شريان الذهب لضباط المخابرات السورية، كما أنه المنفذ الذي يرسل من خلاله الإيرانيون كل معداتهم ورجالهم وحرسهم الثوري .. فهل يتنازل النظام السوري عن ذلك الخط العسكري الذهبي؟ بصراحة نشك في ذلك بل ونعتقد أن الألاعيب القادمة على وحدة الشعب اللبناني وسلامته ستكون في منتهى الخطورة والحساسية ... وبعيدا عن تعقيدات الوضع اللبناني والتي تؤشر على قيامة لبنانية جديدة، فإن إستحقاقات الداخل السوري ستكون شديدة وقوية لأن الحساب مع النظام لايقتصر على الساحة اللبنانية التي أفلتت نهائيا من قبضة النظام، بل أن فاتورة الحساب ستكون ثقيلة من أجل تصحيح كل مكامن الخلل في الداخل السوري، وهي ملفات تاريخية ومعقدة ستكون خلال الأيام والشهور القادمة عرضا دوليا مكشوفا... إنه موسم سقوط الأصنام، وقد قضي الأمر الذي فيه تستفيان، وستكون دمشق على موعد مع البركان.

[email protected]