المطرب المغربي نوري: الغناء ليس صوتاً فقط
خديجة العامودي من الرباط: نوري مغن وملحن مغربي مغمور، غير أن أعماله الموسيقية تتسلل إلى كل بيت ويسمعها كل المغاربة كل يوم وفي كل وقت، عبر الوصلات الإعلانية والموسيقات التصويرية لعدد من الأفلام والمسلسلات المغربية التي ألفوها دون أن يعرفوا صاحبها. يؤمن نوري بأن الشهرة الحقيقية تأتي إلى صاحبها دون أن يسعى إليها، وذلك من خلال أعماله ونجاحاته. في هذا الحوار يقر نوري بإمكانياته الصوتية المتواضعة ويتحدث عن مسيرته الفنية وطموحاته وحلمه في صنع نجاح الآخرين لتحقيق السعادة. في ما يلي نص الحوار:
لماذا يحتاج الفنان نوري إلى التعريف بنفسه كمغن وملحن؟ هل هذا يعني أنه مقتنع بكونه فنانا مغمورا؟
ليس بالضبط، لكنني أقع في أحيان كثيرة على أشخاص لا يعرفونني وأجدني مضطرا للتعريف بنفسي. لكن عموما لا أفعل ذلك بشكل متعمد ولا أتوقع أن يعرفني كل الناس لأن هذا ليس هدفي. أنا موجود وأعمل منذ عام 1985. الحقيقة أنني معروف في المغرب طالما أجد شبابا يحفظون أغاني ولكن بالنسبة لي لست أكثر شهرة في المغرب من أوروبا. في الخارج يعترضك آلاف الصحافيين بعد كل عرض فني يطلبون حديثا، في المغرب حينما أنهي الحفل لا يبقى في قاعة العرض سوى صاحب القاعة يطالب بثمن كرائها.
هل هي ظاهرة صحية؟
بالطبع لا، وهذا الوضع السيئ هو ما يحول دون صناعة نجوم داخل المغرب كما هو الحال في الدول الأخرى
يقال إن نوري يملك صوتا متواضعا وإن الكثير من الأصوات الجميلة تستحق أن تقف على المسرح بدلا منك، ما رأيك؟
صحيحإن إمكانياتي الصوتية متواضعة، لكن الفنان ليس صوتا جميلا وكفى، الفنان مجموعة أشياء، منها الحضور والذكاء والشكل الغنائي وتصوره الخاص للإبداع، وإلا لما حققت الفنانة سميرة بن سعيد والشاب فوضيل وغيرهم الشهرة. الفنان ذكاء موهبة كاملة وشاملة.
أنتجت عددا من الأعمال الفنية لعدد من الشباب الذين بدأوا مشوارهم الفني تحت توجيهاتك، هل هي محاولة لصناعة نجوم في المغرب من خلال شركة الإنتاج التي تملكها وتديرها؟
لم لا، أنا أعتبر أن عددا من النجوم لا تجد سبيلا للظهور في المغرب والتعبير عن قدراتها، الصعوبات كثيرة، ومتعتي الكبرى هي حينما أرى أن هؤلاء الشباب الذين أرشدتهم للطريق الصحيح حققوا النجاح. قبل عودتي من فرنسا اقترحت فكرة خلق مؤسسة لصناعة النجوم في المغرب على وزارة الثقافة المغربية عبر التعامل مع أجود الملحنين وكاتبي الكلمات، وعبرت الوزارة عن تحمسها للفكرة وموافقتها، لكن حينما عدت عام 1994 إلى المغرب، تخلت الوزارة عني، لكنني مع ذلك أنجزت المشروع بمجهودي الخاص. الآن الشركة تقدم من بين وظائف أخرى، خدمات صوتية للمؤسسات العمومية والشركات الخاصة التي ترغب في ذلك.
هل هذا يعني أنك تحقق ذاتك من خلال نجاحات الآخرين؟
من خلال نجاحاتهم ومن خلال نجاحاتي أيضا، أنا أيضا أحقق نجاحي الشخصي ومرتاح جدا لما حققته لحد الآن، لكن هدفي الأكبر هو مساعدة شباب موهوبين على إبراز طاقاتهم.
أغنياتك ليست معروفة كثيرا في المغرب باستثناء أغنية "كان في عمري عشرين" لماذا برأيك؟
بالعكس، أغاني معروفة جدا في المغرب، أغنية الدار البيضاء وعشاقة وغيرها مثلا كلها أغاني تذاع في التلفزيون والإذاعة، ويرددها معي الجمهور في كل حفل، كما أن إحدى القنوات الفرنسية قدمت أخيرا ريبورتاجا خاصا بمسيرتي الفنية. أنا أعتبر أن أعمالي معروفة لدى شريحة كبيرة في المغرب.
ما الذي يجعلك متأكدا من ذلك؟
أولا لأنني أعرف ذلك والدليل هو حينما يرددها معي الجمهور، ثانيا أقوم بأعمال يسمعها كل المغاربة ويحبونها لكن لا يعرفون أنني صاحبها
مثل ماذا؟
الموسيقى التصويرية لعدد من المسلسلات والأفلام السينمائية والوصلات الدعائية، موسيقى مسلسل "السي مربوح" وموسيقى فيلم "البانضية" وبرنامج رباعيات وموسيقى النشرات الإخبارية بالقناتين الأولى والثانية، هذه ليست إلا أمثلة قليلة وغيرها كثير.
أنت الحاضر الغائب إذن وأعمالك تشتهر أكثر منك هل أنت راض عن هذا الوضع؟
أظن أن الأعمال الجيدة تتحدث عن نفسها وتدفع الإعلام للبحث عن أصحابها، لكن في المغرب لا يحدث هذا.والحقيقة أن الأمر لا يهمني لأن المتعة تتضاعف حينما يعبر لك الناس عن إعجابهم بشيء دون أن يعرفوا أنك صاحبه.
هل لهذا السبب يقال إن نوري يحتكر سوق الموسيقى التصويرية عموما؟
لا هذا ليس احتكارا، لأن أهمية الملحنين المغاربة تقف عند التلحين فقط، لكن حينما ينتقل الأمر إلى التنفيذ تبدأ المشكلة، المنتجون يختارون الأجود في النهاية. ليس ذنبي إن كان اختيارهم يقع علي في النهاية، هل أقول لا؟، ثانيا أنا أجد متعة كبيرة في إلباس أشياء مصورة بأعمال موسيقية. أذكر أن مجموعة بنك الوفاء لجأوا إلي كي أضع لحنا مناسبا لإحدى الوصلات الدعائية بعد أن فشلوا في إيجاد ملحن مناسب في الخارج وفي المغرب أيضا. ووجدت اللحن المناسب خلال ساعتي زمن.
كيف تستطيع ذلك؟ ألا يحتاج الإبداع إلى وقت كبير وشروط خاصة كي يصبح محسوسا؟
الإبداع يحتاج أكثر إلى الإحساس،قلة هم الملحنون الذين يعرفون أن الصور تتكلم، وأنا أعتبر نفسي محظوظا لأنني خلال الأحدعشر عاما التي قضيتها في فرنسا كنت أجاور متخصصا في علم مقاومة الألم، كان يبلغ من العمر آنذاك اثنين وثمانين عاما، وعالما متخصصا في علم النفس 63 عاما وموسيقيا يعمل على آلة الساز وهي آلة تركية ويعشق اليوكا، هؤلاء مفكرون كبار جابوا العالم كله وخبروا الحياة جيدا قضيت برفقتهم وقتا كبيرا وتعلمت منهم الشيء الكثير. علموني ما معنى أن تنفذ إلى عمق الأشياء وترى روحها التي لا يراها الآخرون.
أنت تعتبر أنك سعيد بما حققته، هل حظيت في المغرب بالاهتمام الذي تستحقه؟
لا يهمني الأمر، لأن الفنان حينما يغني على المسرح فهو يفعل ذلك لنفسه أولا ولتحقيق متعة شخصية أما الجمهور فليس في النهاية إلا ضيفا جاء كي يتقاسم معك هذه المتعة.
هل لنا أن نعرف اسمك الحقيقي؟
اسمي العربي نور الدين لكن الناس تعودوا على اسم نوري وأنا أجده سهلا في النطق
كيف جاءت فكرة هذا الاسم؟
أول عقد عمل وقعته كان مع الشركة الفنية سان سوند سيستم وسمي أول ألبوم لي نوري كناوة منذ ذلك الحين ظل هذا الاسم لصيقا بي.
ألا تعتبر أنك غامرت بالتكفل بالإدارة الفنية لمهرجان يقام لإحياء التراث الفني لمنطقة لا تتحدر منها ولا تعرف عنها شيئا؟
أنا لا أغامر بفعل شيء دون أن أضمن نجاحه، حينما زرت منطقة شفشاون استمعت لأهم الفرق المختصة في الطقطوقة الجبلية، وجدت أن الفن الشعبي أثر على هذا الفن وأصبح يهدد باضمحلاله. رواد الطقطوقة الجبلية يقولون إن هذا الفن لا يطلب في الأعراس. أحسست بالأسف لأن المغاربة كانوا في سنوات العشرينات يحيون حفلاتهم على نغمات الحضرة وعلى الطقطوقة الجبلية وكانت هذه الفنون شيئا جميلا جدا. هكذا أوحيت لي فكرة الاستلهام من هذه الفنون وعملت على أخذ جوهرها وملاءمته مع جمل موسيقية عصرية معزوفة بآلات حديثة كالساكسوفون والكمان. عرضت العمل على السيد إدريس بنهيمة المدير العام لوكالة تنمية أقاليم الشمال، راقه كثيرا، وقررنا العمل معا.
لكن أهل شفشاون مستاؤون ويعتبرونك دخيلا على المنطقة وأن أبناءها أولى بتنظيم مهرجان مثل أنغام وأنوار وإبراز تراثهم؟
هذا التراث الذي يتكلمون عنه ظل راقدا أمام أعينهمطوال عقود من الزمن دون أن يفعلوا شيئا. كما أنهم لن يقدروا على تطبيق فكرة المهرجان بما تتطلبه من إتقان واحترافية وعالمية. الفكرة تحتاج إلى أشخاص يملكون من التجربة والحنكة الشيء الكثير. وأبناء المنطقة لم يفعلوا شيئا كي يعيدوا إحياء تراثهم، مهرجان الأندلسيات ظل محدودا وأتساءل لماذا يستعيرون فنا من فاس ومكناس لإقامة مهرجان بينما تزخر منطقتهم بمخزون فني لا يستهان به.
التعليقات