جمال الكشكي: في الوقت الذي لم ينقطع فيه الحديث عن هجوم أسراب الجراد والسحابة السوداء استقبلت منطقة العطارين بالاسكندرية هجوما آخر أطلقت عليه هجوم السلعوة الذي تسبب في اصابة‏113‏ مواطنا‏,‏ وجدد في ذاكرتنا نفس الذعر والهلع الذي عاشته من قبل مناطق متفرقة في مختلف محافظات مصر بدءا من قري أرمنت بقنا مرورا بأسيوط وحتي الواقعة الشهيرة بالقطامية منذ عدة سنوات‏.‏ ولأن هذا النوع من الحيوانات يأتي لينهش أجسادنا ويشوه ملامحنا‏..‏ كان لابد أن نعرف ما هي حقيقة السلعوة؟ وهل يوجد في علم الكلاب ما يحمل هذا الاسم ام أنها مجرد خيال شعبي مثل البعبع وابو رجل مسلوخة؟ وكيف يمكن وقف هذه التعديات من جانب الكلاب الضالة التي أصبحت منتشرة في كل الأماكن خاصة في الشوارع الجانبية حتي في المدن الكبري؟ وأين أختفت الشرطة المختصة بمكافحة الكلاب‏,‏ ولماذا لاتقوم بدورها في مكافحة الحيوانات الضالة في الشوارع حتي يعود اليها الأمان والهدوء؟‏!.‏
بداية أمان الناس ليس لعبة‏,‏ واحساسهم بالاطمئنان علي أطفالهم الذين يقضون معظم الأوقات خارج المنازل لم يكن هينا في نفوسهم‏..‏ فما الحكاية؟‏!‏

تعددت الحكايات والتفسيرات حول أسم السلعوة‏.‏ المتخصصون يراهنون علي عدم وجود حيوان في العالم بهذا الاسم‏..‏ وقواميس اللغة تقترب من ملامحة اذ يقول قاموس المنجد أن السلعام هو الواسع الحلق‏..‏ العظيم البطن‏..‏ الطويل الأنف ومن معانيه الذئب‏..‏ بينما لم يزل خيالنا الشعبي أنه اسم ان يستخدمه الأهالي في محاولات تهديد الأطفال لصرفهم عن ارتكاب الأخطاء كنوع من التخويف‏.‏ إذن أين الحقيقة؟
الخبر اليقين وجدناه عند الدكتور أحمد عبد الوهاب أستاذ علوم البيئة وصاحب الدراسات العديدة في علم الحيوان بجامعة الزقازيق اذ يقول أنه لايوجد حيوان يحمل اسم السلعوة ولم تتضمن أية دراسات علمية نوعا مسعورا تقودنا الي هذا الاسم‏..‏ لكن هنا مواصفات تؤكد أنه هجين بين الذئب والكلب‏,‏ وأنه يسلك سلوك الذئب وأن بيئته الطبيعية هي القمامة والنفايات حيث ينجذب اليها ويهوي التريض علي رائحتها‏,‏ وأن الظروف البيئية والمتغيرات المناخية وندرة الحيوانات التي أكلها تدفعه للبحث عن غذائه في أماكن أخري غير الصحراء التي يفضل الحياة فيها‏,‏ كما أن سلوكه دائما هجومي ويحترف الانقضاض وهذا الحيوان الذي يحمل تلك المواصفات يكون في الغالب مسعورا ونادرا ما نجده غير مسعور‏.‏

*ذكاء حاد
باحث امريكي أكد تفسير د‏.‏ عبد الوهاب اذ توصل الباحث في دراسة أجريت علي حيوانات الصحاري المصرية ورصدت هذا الحيوان ضمن بقية الحيوانات أن السلعوه ليس له أية دلالة علمية‏,‏ وأنه حيوان هجين بين الذئب والكلب ويحمل مواصفات وراثية مشتركة من أهمها أنه يقفز لمسافات طويلة‏..‏ يخاف الضوء‏.‏ محترف في هجومه‏..‏ الغذاء في مقدمة اهتماماته‏..‏ يتمتع بذكاء خارق‏.‏ قادر علي اختراق الزحام‏..‏ رحال لايستقر في مكان ويوجد بكثرة في المناطق الجبلية المظلمة‏..‏ لكنه لايفرق بين مكان وآخرعندما يصل الي ذروة السعار‏.‏
يتفق مع الطرح السابق الدكتور مصطفي عبد العزيز أستاذ الطب البيطري بجامعة طنطا وسكرتير عام نقابة البيطريين مؤكدا أن هذا الحيوان الهجين الذي يشاع باسم السلعوة يتلذذ بتقطيع الجلد وربما لايؤدي فقط الي الاصابة بالسعار داء الكلب ولكنه حتي لو لم يكن مسعورا فإن هجماته قد تسبب في الموت لاسيما أنه ماهر في الانقضاض علي مناطق حساسة بجسم الانسان فهو حيوان متوحش دائما وليس له مكان محدد رغم أنه البيئة المناسبة له هي الصحراء‏.‏ وأنه حيوان ينتمي الي العائلة الكلبية التي تضم أكثر من‏600‏ نوعا وأنه يميل الي فصيلة أكلات اللحوم وهذا لايمنع أنه يتغذي أحيانا علي الأعشاب‏,‏ وعندما يصاب بحالة هياج يندفع للانقضاض علي من يواجهه‏,‏

هذا غير أن د‏.‏ عبد الوهاب يشير الي نقطة خطيرة بقوله‏:‏
بعيدا عن نوع الحيوان المسعورة فان هناك أنواعا عديدة من الحيوانات بدءا من الفأر مرورا بالقطة والحمار وحتي الذئب قد تصاب بـداء الكلب ومن المؤكد أنها ستؤدي نفس الخطر‏,‏ والأهم هو كيفية القضاء علي الحيوانات الضالة والتي تزداد في مصر يوما بعد الآخر‏.‏
وإذا كانت الرؤي وتفسيرات المتخصصين أكدت عدم وجود حيوان يحمل اسم السلعوة‏..‏ لكنها اتفقت علي مواصفاته ومخاطره بل ونبهت الي مخاطر حيوانات أخري عديدة ربما تلاحقنا في المنازل والشوارع وداخل مقار العمل‏..‏ فهل لدينا المقاومات الطبية الكافية لمواجهة هذا الخطر؟‏!‏ أم أن الحل الوحيد هو التخلص منها فقط؟

‏180‏ ألف حالة
الاجابة المفزعة جاءت علي لسان الدكتور محمد عبادي رئيس الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات إذ قال أن حالات العقر الناتجة عن الحيوانات قد تصل في مصر الي‏180‏ ألف حالة يتضمن الرقم الحالات سواء كانت معقورة من مصابين بداء السعار او من غير مصابين فالمصاب يأخذ المصل ولقاح الكلب كنوع من الوقاية لان المستشفيات لاتعرف هل هذا الحيوان مسعورا أم لا؟ وبالتالي فان العملية الوقائية لاتختلف وتمنح بمعدل اليوم الأول والثالث ثم الرابع عشر ثم الثلاثين ثم التسعين‏,‏ وأكد د‏.‏ عبادي أن المصل يعطي أحيانا بجانب اللقاح لزيادة منح المريض بالأجسام المضادة للكلب وذلك عند الاصابة الشديدة والتي تكون قريبة من الرأس والنخاع الشوكي والعمود الفقري‏.‏
في الوقت نفسه لم ينكر د‏.‏ عبادي أن التقارير أكدت أن هذه الحيوانات المسعورة موجودة بكثرة في الأماكن الخلوية وأطراف المدن‏,‏ ومع التغيرات المناخية والتقلبات البيئية تحدث حالة هياج للحيوان الضال ويبدأ في الانتشار‏.‏

انتهي كلام المتخصصين لكن بقي أن هذه الحوادث ليست جديدة في مجتمعنا ولكن يبدو أننا ننسي أو أن نفتقد لأسلوب علمي محدد لمواجهة هذه المخاطر‏.‏
ملفات السعار تزداد داخل مجتمعنا سجلات الاستقبال داخل المستشفيات تشهد علي ضحايا السعار بدءا من محافظة اسوان الي الاسكندرية‏..‏ ولعل آخر تقارير ادارة الشئون الوقائية بمدير الصحة والسكان بسوهاج أكد ذلك بقوله أن‏5000‏ حالة عقر شهدتها المحافظة خلال ثمانية أشهر من بينها حالات عقر كلب وحمار وقطط وفئران وأحصنة والمثير أن الوقائع حدثت في معظم مراكز سوهاج وليس في تجمعات محددة‏.‏

ولم تقع من ذاكرة العقر قصة الطفل الذي خطفه كلب ضال من حضن أمه بحدائق القبة قبل سنوات فبدلا من أن كانت الأم تتوجه لتطعيمه توجهت لحقنه من السعار‏..‏ وفي نفس فترة هذه الواقعة هاجم حيوان آخر سكان قرية بالغربية واصاب‏12‏ شخصا فارقوا الحياة بعد نتيجة اصابتهم بداء الكلب‏.‏
أما الرعب فلايزال يسكن أهالي قرية شلش ونزلة عبد الله ومركز ديروط بأسيوط اذ صار لديهم هاجس الخوف من الحيوانات بعد أن اقتحم منازلهم كلب ضال وتسبب في وفاة‏10‏ أشخاص بعد اسبوع من اصابتهم بالسعار‏.‏
الوقائع عديدة‏..‏ والضحايا يتزايدون يوما بعد الآخر‏..‏ فلم تضع من ذاكرتنا مشاهد الهلع والذعر الذي عاشتها منطقة القطامية التي دفعت‏23‏ ضحية ثمنا لتسلل حيوان ضال الي غرف نومهم‏..‏ لكن السؤال الأهم هنا‏..‏ أما آن الآوان لمطاردة هذه الحيوانات والتخلص منها بعد أن صارت تسكن أحياءنا وشوارعنا وتهدد أرواحنا؟ أم ننتظر حتي تصاب عقولنا بالسعار؟‏!