القدس المحتلة - سائدة حمد: ماذا يحدث على معبر رفح الحدودي الفاصل بين قطاع غزة والاراضي المصرية؟ ثلاثة آلاف فلسطيني غالبيتهم من النساء والاطفال والمرضى في العراء, تحت شمس حارقة نهاراً وقي برد صحراوي ليلاً, من دون اي مرافق حياتية, ينتظرون منذ ثلاثة عشر يوماً ان تسمح لهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي باجتياز الحدود للوصول الى منازلهم وأهلهم وأماكن عملهم أو حتى الوصول الى أسرّة المشافي... والعالم يراقب ما يجري بلامبالاة اسطورية.

هناك عشرات المرضى الذين خضعوا في الخارج لعمليات جراحية, بعضهم في القلب المفتوح, آخرون في الرقبة والعمود الفقري, رأوا انفسهم في رحلة العودة في ما يشبه الاحتجاز على "المعبر". اضطروا لافتراش الارض او ناموا يوماً بعد يوم عى مقاعد قليلة في "غرفة انتظار" تفتقر الى حد ادنى من المرافق الصحية. أما الاطفال والرضّع فعزت قطرة الماء او الحليب لهم. هناك طلبة وموظفون قادمون من دول اخرى عبر القاهرة, وتم ترحيلهم في الحافلات مباشرة من المطار الى المعبر الحدودي... هؤلاء لا يستطيعون العودة الى القاهرة, اذ لم يمنحوا تصاريح اقامة لمدة 72 ساعة؟

كيف يفسر ذلك في "السياق السياسي" والاعداد الاسرائيلي المعلن عن الانسحاب من هذه البقعة الاكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم.

الغزّيون العالقون على "المعبر" المغلق زادوا امس طفلاً جديداً سمي "معبر", انجبته امه منى الاسطل قبل الموعد من شدة المعاناة والالم. سبقه اطفال ولدوا على الحواجز العسكرية واتخذوا اسم "حاجز".

المعبر الحدودي, كان يفتح على مدار الساعة بموجب اتفاقات اوسلو, ومنذ بدء الانتفاضة بات يفتح من 8 الى 12 ساعة. منذ اذار (مارس) الماضي, مع بدء الحديث الاسرائيلي عن انسحاب محتمل من قطاع غزة, فرضت سلطات الاحتلال مزيداً من القيود على حركة المسافرين في الاتجاهين على المعبر, بحيث لا يسمح بعبور اكثر من 300 فلسطيني يومياً, تتخللها اغلاقات تستمر أياماً "قليلة"... هذه هي المرة الاولى التي يغلق فيها المعبر لهذه الفترة الطويلة. والتعليل الاسرائيلي للاغلاق هو وجود "انذارات ساخنة" بشأن محاولة تهريب اسلحة عبر نفق تحت المعبر, الامر الذي يرى فيه الفلسطينيون سبباً سخيفاً وغير منطقي خصوصاً أن طول منطقة المعبر لا تتجاوز الـ 50 متراً, وإن كانت هناك انفاق, فلن يتم حفرها تحت المعبر.

غير ان "الجريمة" التي ترتكب على معبر رفح كما وصفها وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني نبيل شعث, تتزامن مع التضييق الشامل الذي يتعرض له قطاع غزة منذ الاعلان عن "الانسحاب المزمع" ويشمل اغلاق الحواجز الداخلية بين مدن القطاع والاجتياح الشامل لبيت حانون للاسبوع الرابع على التوالي وما يرافقه من عمليات تدمير وتخريب وقتل وتجريف للارض والاشجار.

"المعذبون" العالقون على المعبر, كما تؤكد مصادر فلسطينية مطلعة, يوازيهم في العدد غزّيون لا يزالون في بيوتهم داخل القطاع, ينتظرون "الفرج" للعودة الى اماكن عملهم بعد انتهاء اجازاتهم وايديهم على قلوبهم مخافة ان يفقدوا وظائفهم, وبين المحتجزين "في الداخل" مرضى كان يفترض ان يتوجهوا للعلاج في الخارج, لكنهم "يفضلون" الموت في بيوتهم او "السجن الكبير" الذي اسمه غزة بدل ان يموتوا على المعبر.

احد العالقين على المعبر قال لـ "الحياة": "يريدون منا ان نتوسل الانسحاب بغض النظر عن الثمن السياسي المطالبين بدفعه. يريدون من الناس "الكفر" بالمقاومة والانتفاضة. هذا جزء من العقاب الجماعي, الوسيلة الوحيدة التي يظن الاحتلال انها ستكسر ارادة الناس".