ظاهريا، انتهت الازمة بين حكومة احمد قريع ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بالمصالحة على اساس اقتسام السيطرة على الاجهزة الامنية، بحيث يتبع اثنان منها وزير الداخلية، ويبقى اثنان مع الرئيس هما المخابرات العامة والامن القومي. وبذلك يكون الرئيس قد تنازل تحت الضغط عن جزء من صلاحياته، مضافا اليها قبلة طبعها على خد رئيس وزرائه!
يبدو ان الرئيس عرفات قرر الانحناء امام العاصفة بشكل مؤقت ريثما تمر الازمة، ولكنه سيسترد ما اعطاه في اول فرصة، فقد اعتاد على اسلوب الحكم الشمولي حيث تجتمع جميع السلطات في يد شخص واحد هو الزعيم الاوحد والتاريخي والرمز والحاكم مدى الحياة.
لكن المشكلة لم تنته عند هذا الحد، فالمجلس التشريعي الفلسطيني نزع ثقته بحكومة قريع وطلب من الرئيس الفلسطيني قبول استقالة حكومته، ولكن يبدو ان الرئيس لا يأخذ قرارات ممثلي الشعب المنتخبين مأخذ الجد، كما ان رئيس الحكومة لا يأخذ ثقة النواب مأخذ الجد، فالسيد عرفات هو مصدر جميع السلطات.
احمد قريع رضي ان يكون مسؤولا دون ان يحكم، فهو واقع بين مطرقة عرفات وسندان شارون، واقصى ما يستطيع ان يفعله هو اصدار التصريحات والادلاء بالبيانات الى اجهزة الاعلام، اما الامن الداخلي فهو فالت ولا تملك الحكومة ان تفعل ازاءه شيئا، واما الامن الوطني فهو مستباح على يد الاحتلال.
التركيبة السياسية في فلسطين افلست بشكل نهائي، فالفشل هو النتيجة سياسيا ووطنيا، والفساد يستشري ماليا واداريا، وشرعية الحكم دون مستوى الصفر وطنيا وقوميا ودوليا، الامر الذي يعني ان اسرائيل سوف تفعل ما تشاء، اما تحقيق المطالب الفلسطينية فقد اصبحت اضغاث احلام.
مصر والاردن تتحملان مسؤولية خاصة، اولا بسبب العلاقة التاريخية بكل من غزة والضفة، وثانيا بسبب الحدود المشتركة والقنوات المفتوحة مع اسرائيل واميركا، وبالتالي عليهما لقيام بمبادرة جذرية من شأنها اقامة حكومة وطنية نظيفة، تمثل الشعب الفلسطيني، يعترف بها العالم ويتعاطف ويتعامل معها، وبخلاف ذلك فان اسرائيل تواصل اقامة حقائق على الارض تجعل الهدف الفلسطيني في خبر كان.
الاردن، الحريص على امنه الوطني، لا يملك ترف التفرج على الوضع الفلسطيني المتردي، والبقاء مكتوف الايدي، خوفا من اغضاب هذا الطرف او ذاك.