روما‏ من‏ مصطفي محمود عبدالله: لم يجد سليفيو بيرلسكوني من أجل الخروج من الأزمة الحكومية سوي الإيعاز لنواب الأغلبية في البرلمان بإخراج قانون تعارض المصالح من الأدراج وسرعة المصادقة عليه في البرلمان من خلال استغلال الأغلبية المطلقة التي تملكها أحزاب الائتلاف الحاكم في شقي البرلمان مجلس الشيوخ ومجلس النواب ليمر القانون فجأة ودون مقدمات علي الرغم من أنه‏,‏ كما وصفته الصحف وزعماء الأحزاب اليسارية بانه ليس قانونا لحل تعارض مصالح رئيس الوزراء‏,‏ وانما قانون لتقنين مصالحه الشخصية وللدفاع عن ثروته التي تقدر بالمليارات وعن امبراطوريته المتشعبة التي سيطر من خلالها علي الإعلام وشركات التأمين والبنوك والرياضة‏,‏ حتي لو كانت تتعارض مع مصالح الدولة والشعب الإيطالي في ظاهرة غير مسبوقة علي مستوي العالم أجمع‏.‏

القانون الجديد
ينص قانون تعارض المصالح الذي يحمل اسم واضعه فرانكو فراتيني عندما كان يتولي منصب وزير الإدارات المحلية قبل توليه منصب وزير الخارجية علي سريانه علي كل من يشغلون المناصب الحكومية العليا وهم رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم ووكلاء الوزراء والمفوضون الحكوميون علي ان الملكية الحقيقية لاحدي المؤسسات أو الشركات أو لاسهم كل منها ليست سببا في تعارض المصالح‏,‏ بمعني ان من ينطبق عليهم القانون يظلون مالكين للشركات الفردية أو المساهمة بشرط عدم قيامه شخصيا بأية مهام إدارية أو التدخل المباشر في شئون الإدارة‏,‏ كما يحظر القانون علي كل من يشغلون المناصب الحكومية المذكورة بتولي مناصب أو مهن مختلفة عن تفويضهم البرلماني‏,‏ كما يحظر عليهم ممارسة الأعمال التجارية أو المهنية بينما يحق لهم الحصول علي عائد النشاط الذي قاموا به قبل توليهم مناصبهم الحكومية‏,‏ كما ينص القانون علي ان حيثيات تعارض أو تصارع المصالح تعتبر متوافرة عندما يعود العمل أو التصرف بالنفع علي من يشغل المنصب الحكومي أو زوجته أو اولاده‏,‏وبالنسبة لاساءة استخدام الموقف المهيمن وافتراض المسئولية ينص القانون علي ان هذه القواعد تهدف إلي تجنب وردع أي تصرف من جانب من يشغلون المناصب الحكومية مع عدم استبعاد تطبيق القوانين الجنائية والإدارية والتأديبية عليهم في حالة خروجهم عن نصوص القانون‏,‏ كما ينص علي ضرورة تقديم من يشغلون المناصب الحكومية خلال‏90‏ يوما من توليهم المسئولية إقرارا إلي هيئة ضمان المنافسة وعدم الاحتكار يتضمن مواقفهم المالية وجميع البيانات الخاصة عن انشطتهم المالية خلال الأشهر الثلاثة السابقة علي توليهم مناصبهم علي ان يقوموا باحاطة الهيئة المذكورة بأي تغيير في هذه الانشطة خلال‏20‏ يوما من وقوعه علي ان تقوم الهيئة بالتحقق من وجود التعارض بين المصالح الخاصة والعامة ويحقق لها الدعوة إلي إقالة صاحب المنصب أو إيقافه من خلال إحاطة البرلمان بإخطار مسبق ومسبب وموجه الي رئيسي مجلس الشيوخ ومجلس النواب يتضمن الاجراءات المناسبة لتفادي الاثار التي قد تنجم عن العمل أو الفعل وتجنب تكراره علي ان يتم اخطار السلطات القضائية المختصة في حالة إذا كانت هذه الأعمال من اختصاص القانون الجنائي‏.‏

التعليقات والانتقادات
تعددت التعليقات بين مؤيد ومعارض للقانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان الإيطالي بصفة نهائية بأغلبية‏268‏ صوتا ومعارضة‏221‏ صوتا بعد خمس قراءات يأتي بعد‏1153‏ يوما من بداية الدورة التشريعية الجديدة علي الرغم من ان سيلفيو بيرلسكوني خلال حملته الانتخابية التي فاز بها تحالف يمين الوسط الذي يتزعمه في مايو من عام‏2001‏ كان قد وعد باصدار القانون خلال‏100‏ يوم من تولي مقاليد الحكم‏.‏

وكان من الطبيعي ان تشيد اوساط حزب بيرلسكوني فورسا إيطاليا بالقانون الجديد‏,‏ وقالت إن الفضل يرجع لائتلاف بيت الحريات الحاكم‏,‏ واشارت إلي أن تحالف الاحزاب اليسارية المعارضة كان بامكانه اصدار هذا القانون في الدورة التشريعية الماضية ولكنه فضل استخدام تعارض المصالح كسلاح سياسي ضد بيرلسكوني وعلي العكس انتقدت اوساط المعارضة القانون الجديد واعتبرته عديم الجدوي حيث أعلن لوتشانو فيولانتي رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الديمقراطيين اليساريين بمجلس النواب ان المعارضة سترفع شكوي إلي البرلمان الأوروبي والمؤسسات الأوروبية لأن القانون يتنافي مع جميع القواعد الأوروبية‏,‏ مشيرا إلي أن ائتلاف يسار الوسط عندما يصعد إلي السلطة سيصدر قانونا جادا يفصل تماما بين السياسة ونشاط رجال الأعمال‏.‏

وقد وصفت الصحافة القانون بأنه خلل مقنن علي اعتبار انه كان يجب علي رئيس الوزراء ان يتجنب في هذه الاثناء دعم ومساعدة شبكاته التليفزيونية وتعزيز سطوته الاعلامية من أجل مزيد من الثراء علي حساب المنافسين وعلي حساب تعددية الاعلام‏.‏واليوم وبعد مرور‏1153‏ يوما من الحكم يتذكر ائتلاف يمين الوسط اخيرا ان يغلق الحظيرة بعد ان هربت الثيران أو بالاحري بعد ان تركها تهرب عن قصد ويكفي ان نقول انه لو صدر هذا القانون قبل ذلك لما استطاع رئيس الوزراء ان يصدر مرسوم انقاذ القناة الرابعة من الانتقال الي الاقمار الصناعية‏,‏ ولما استطاعت الحكومة اصدار القانون الغريب المعروف باسم قانون جاسباري وزير الاتصالات والذي ينظم قواعد البث الاذاعي والتليفزيوني لمصلحة امبراطورية رئيس الوزراء‏.‏ ان هذا القانون المتأخر يعمل علي تقنين تعارض المصالح أكثر من حلها‏,‏ بمعني انه يضفي شرعية شكلية علي خلل جسيم يستعصي علي الاصلاح حيث ان الأمر هنا لايتعلق بالملكية الخاصة بالمعني المحدود أو بممتلكات ثابتة أو منقولة وانما في حالة بيرلسكوني يتعلق الأمر بترخيصات عامة تصدرها الدولة مؤقتا علي ملكية عامة هي موجات التردد التليفزيوني‏(‏ الاثير‏)‏ ومن ثم يصبح بيرلسكوني الطرف المضاد لذاته أي الوكيل والموكل أو المالك والمستأجر وفي العام القادم عندما تنتهي التراخيص الصادرة في عام‏1999‏ سيتعين عليه أو علي وزير اتصالاته ان يتفاوض علي شروط التجديد مع المسئولين في مؤسسة ميدياست الذين عينهم بيرلسكوني والآن يأتي القانون ليمنع اعضاء الحكومة من القيام بأي عمل لحساب شركاتهم‏,‏ ما الذي يمكن لرئيس الوزراء ان يفعله بعد ذلك؟ هل سيغلق التليفزيون الحكومي الرأي نهائيا؟ هل سيستولي علي جميع الترددات الارضية والرقمية المتاحة؟ ان المشكلة الحقيقية تكمن في ان يحظر علي شبكاته التليفزيونية ان تساند اغلبيته وحكومته وان تمنع رئيس الوزراء من ان يشهر سلاحه الإعلامي ضد المعارضة وضد حلفائه المتذمرين مثلما فعل قبل أيام مع حليفه ماركو فولليني زعيم حزب الوسط الديمقراطي المسيحي ان هذا قانون لايسهم بكل تأكيد في تحسين صورة بيرلسكوني‏,‏ أو في تعزيز المصداقية الدولية لإيطاليا علي الصعيد السياسي والاقتصادي والرياضي أيضا‏:‏ ويكفي ان نعرف ان نائب رئيس الميلان جالياني سيظل رئيسا لاتحاد الكرة وسوف يقوم رئيس الوزراء بتعيين رئيس هيئة الرقابة المكلف بمراقبة أعماله وسوف يختار بيرلسكوني مباشرة أو بشكل غير مباشر رئيس هيئة الرأي المنافسة الوحيدة لشركاته التليفزيونية‏.‏

أما التعليق الاقرب إلي الحقيقة فقد جاء علي لسان المحلل السياسي سالفاتوري براجنتيني حين قال‏:‏ ان الكلب الذي ينبح لايعض‏,‏ والكلب الذي لايستطيع العض فمن الاجدر به الا ينبح‏,‏وعليه فقد كان من الأفضل ان تظل الامور كما هي بدلا من إصدار قانون مضحك بهذه الطريقة الدرامية‏.‏