هل يملك أحد الجزم بأن العالم لن يشهد ـ بعد أيام أو أسابيع ـ حدثا بخطورة حدث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ ؟‏..‏ لقد أفتت اللجنة التي شكلها الكونجرس الأمريكي للتحقيق في هجمة‏11‏ سبتمبر‏,‏ والتي ضمت بالتساوي ممثلين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي‏,‏ بأن أبرز خلل جري في ذلك اليوم المشئوم لم يكن نقصا في المعلومات‏,‏ وإنما بالذات نقصا في التخيل‏..‏ نقص في التصور أن طائرات مدنية من الممكن تحويلها الي قنابل موقوتة عملاقة تستخدم لهدم ناطحات سحاب‏..‏
والخطير في هذا الصدد أن طرفا ينجح في إظهار مثل هذا الخيال‏,‏ بوسعه أن ينجح في تجارب مماثلة أخري لا تقل جسارة‏,‏ وتوسيع دائرة الممكنات علي نحو تتحدي أخصب خيال‏..‏ من ينجح في عملية معقدة مثل عملية‏11‏ سبتمبر لابد أن يكتسب ثقة في نفسه وأن يجد ما يشجعه علي خوض عمليات أخري لا تقل خطورة‏..‏

لقد عقد الحزب الديمقراطي الأمريكي مؤتمره في الأسبوع المنصرم‏,‏ استعدادا لانتخابات الرئاسة الأمريكية في يوم‏2‏ نوفمبر القادم‏..‏ وبعد أيام‏,‏ ينعقد مؤتمر الحزب الجمهوري للسبب ذاته‏...‏ ويؤذن المؤتمران بأن معركة الرئاسة الأمريكية بسبيلها أن تبلغ أكثر مراحلها احتداما وسخونة‏..‏ وليس معني ذلك تنشيط كل الطاقات علي الجبهة الداخلية وحسب‏,‏ وإنما علي الصعيد الدولي كذلك‏,‏ وربما بالذات ـ في ضوء معطيات عالم اليوم ـ علي صعيد قضية الإرهاب تحديدا‏..‏
وليس من شك في أن تركيز المجتمع الدولي قاطبة علي الصراع مع الإرهاب انما يدفع الإرهابيين كي يخوضوا هم أيضا هذا الصراع حتي نهاية المطاف‏...‏ فلسنا بصدد إعادة تشكيل النظام الدولي لاجتثاث جذور الإرهاب‏..‏ ولا نحن بصدد علاج الأسباب التي تفضي الي الإرهاب‏..‏ كما لا نتناول انقسام المجتمع الي قطاعات فاحشة الثراء تجاورها قطاعات شديدة الفقر‏,‏ وخلق أوجه عدم تكافؤ تولد السخط والإحساس بالظلم والإرهاب‏..‏ فنفاجأ بأن السلطات تلجأ الي القمع والكبت‏,‏ والي عمليات مثل تلك التي جرت في سجن أبو غريب‏,‏ من شأنها تغذية الكراهية‏,‏ وروح الإنتقام‏,‏ ودفع الأمور دفعا في اتجاه زيادة الموقف تفجرا‏..‏
نقول‏:‏ إن حدثا كبيرا لابد أن يقع وفي حالة عدم وقوعه فلن يكون السبب هو التقاعس عن الإقدام عليه بل خلل فني أو ضبط بوليسي حال دون وقوعه‏..‏ ذلك أن الحدث حتي يكون له تأثير وفاعلية يجب أن يحدث قبل‏2‏ نوفمبر القادم يوم إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية‏..‏ فنحن بصدد موعد محدد لا يتجاوز ثلاثة أشهر‏.‏

الخيال‏..‏ عدد لا يقهر
قلنا إن الحدث حتي تكون له قيمة لابد أن ينجز في أقل من‏3‏ أشهر‏..‏ هذا بالطبع لابد أن يصاحبه تصميم‏,‏ وجزم‏,‏ وحسن أداء‏,‏ ولكن قبل ذلك‏,‏ وفوق ذلك‏,‏ لابد من قدرة علي المفاجأة‏,‏ ومعني ذلك أن يكون عملا خارجا علي المألوف‏..‏
وخطف الطائرات ليس بجديد‏..‏ بل ربما كان‏,‏ طوال سنوات‏,‏ النموذج التقليدي‏..‏ الكلاسيكي ـ للعمل الإرهابي‏..‏ وقد اكتسبت السلطات في المطارات تجارب هائلة في مناهضة هذا النوع من الإرهاب‏..‏ فهل من سبل لإجهاض نوعيات منه‏..‏ مبتكرة تماما؟

إن مقاومة الإرهاب المبتكر إنما يتطلب قدرة فائقة علي الحصول علي معلومات‏..‏ ولا شك في أن الثورة العلمية والإعلامية المعاصرة كفيلة بتحقيق المعجزات في هذا الصدد‏..‏ ولكن ليس معني ذلك أن الخيال البشري‏,‏ والعقل البشري اقوي بالضرورة من الآليات العصرية في هذا الصدد‏..‏ ألم نشهد برامج آلية من أجهزة الشطرنج وقد تفوقت علي بشر هم عباقرة في هذه اللعبة؟‏...‏
ثم هنالك قيد آخر في وجه انتزاع معلومات علي وجه السرعة‏..‏ خاصة في ضوء ما علم مؤخرا عن التعذيب في العديد من السجون الأمريكية‏,‏ وعلي رأسها سجن أبو غريب في بغداد وسجن جوانتانامو في كوبا‏..‏ والحقيقة أننا هنا بصدد معضلة عويصة‏..‏ ذلك أن الإرهاب المعاصر بوسعه التسبب في عمليات قتل بالجملة‏..‏ وقد تكون السرعة في الحصول علي معلومات محددة‏,‏ مسألة حيوية يتوقف عليها إنقاذ حياة الملايين من البشر‏..‏ فكيف التصرف في مثل هذه الحالات؟‏..‏ هل جاز الامتناع عن اتخاذ إجراءات صارمة من أجل إفساد وقوع جرائم قبل ارتكابها بالفعل؟‏..‏

لقد اتسم الوضع من قبل‏,‏ في ظل النظام العالمي الثنائي القطبية‏,‏ بنوع من الردع المتبادل‏..‏ نوع من التحييد المتبادل‏..‏ وقد ترتب علي ذلك امتناع الدولتين العظميين من استخدام اسلحة للدمار الشامل‏..‏ ولكن لم يعد الحال هكذا في ضوء النظام العالمي الأحادي القطبية‏,‏ وفي ضوء انفراد دولة عظمي واحدة بتفوق عسكري مطلق علي بقية دول العالم مجتمعة‏!..‏ ومع غياب أي نوع من التكافؤ‏,‏ فثمة خطر أن تتصاعد أوجه التباين بين الدول‏,‏ وبالتالي أن تتعدد صور الصدام‏..‏
هكذا يتضح أننا بصدد موازين قوي مختلة‏,‏ ووضع بالغ الحرج‏..‏ ولسنا بصدد خطر آجل وحسب‏,‏ وإنما أيضا بصدد خطر عاجل‏,‏ قد يتهددنا في أي وقت‏.‏
لقد أفلتنا من الإبادة المتبادلة قبل نهاية الحرب الباردة بأعجوبة‏..‏ كان من الممكن أن يحدث صدام مروع بين الكتلتين الشرقية والغربية‏..‏ وليس هناك ضمان أن نفلت في هذه المرة أيضا‏..‏ لقد اتسمت العملية في المرة السابقة بنوع من التحييد المتبادل‏,‏ بينما الواضح للجميع في هذه المرة هو تفوق جانب تفوقا كاسحا علي الجانب الآخر‏..‏ وبالتالي‏,‏ فلا إمكانية للتحييد المتبادل أصلا‏..‏ إن أسلحة الإرهاب تختلف نوعيا عن أسلحة الدول العظمي‏,‏ حتي لو سلمنا بأن هناك صفة قد تجمع بعض أسلحة هذا الجانب وذاك‏,‏ هي الأسلحة التي تتسم بصفة‏,‏ الدمار الشامل‏..‏

موقع الشرق الأوسط الموسع
والجدير بالملاحظة أن صداما إذا ما وقع‏,‏ فالأرجح أن يقع في منطقة الشرق الأوسط الموسع‏,‏ حيثما تتعدد النزاعات‏,‏ وحيثما تتداخل وتتضافر‏..‏ إنها منطقة أكثر اشتعالا من غيرها‏..‏ ومن الصعب البقاء بمعزل عن النزاعات فيها إذا ما نشبت‏..‏ هناك العراق والصراع الذي يزداد احتداما بين الحكومة المؤقتة والذين يلجأون الي عمليات مقاومة بالسلاح‏..‏ ثم هناك القضية الفلسطينية والصعاب التي مازالت تحيط بتشكيل حكومة مستقرة‏..‏ وهناك الإنذارات التي توجهها أمريكا لإيران‏..‏ هناك مواصلة اسرائيل إقامة حاجزها الأمني مع ابتلاعها لقطاعات غير قليلة من أرض الضفة الغربية‏..‏ هناك الاحتكاكات بين الأكراد والأتراك‏..‏ هناك الاتهامات التي توجهها واشنطن لسوريا‏..‏ إن المنطقة برمتها في حالة غليان‏,‏ وليس من الصعب اختراع مبرر لتفجير المنطقة برمتها‏..‏
ثم لم يحدث من قبل ان وصل العالم العربي الي ما وصل إليه الان من تفكك وتمزق وتضارب في المواقف‏..‏ وأن تعددت وكثرت المنظمات الإرهابية كما هو الحال الآن‏..‏ إننا بصدد حالة هي اقرب الي التشتت‏,‏ والفوضي الشاملة‏..‏ إن الجامعة العربية مشلولة مهما تكن الجهود التي تبذلها‏..‏ وها اصبحنا بصدد حاكمين عربيين هما ياسر عرفات وصدام حسين في حالة هي أقرب الي الحبس والاعتقال‏..‏ هل شهد التاريخ العربي المعاصر حدا من التدني بلغ هذه الدرجة؟

ومما ينبغي إدراكه أن الوضع إذا انفجر‏,‏ لن يظل الانفجار مقصورا علي موقع دون آخر‏..‏ بل سوف يتسع لينال من المنطقة برمتها‏..‏ لن يكون ممكنا فصل القضية العراقية عن القضية الفلسطينية‏,‏ أو سوريا عن لبنان‏,‏ أو المشكلة الكردية عن مشاكل الأتراك‏,‏ الي غير ذلك من المشاكل المتلهبة‏,‏ المتداخلة‏,‏ المتشابكة‏..‏
وهذا بغض النظر عن وقوع الانفجار داخل إقليم الشرق الأوسط الموسع أو خارجه‏..‏ إننا سوف نكون بصدد خريطة جديدة للشرق الأوسط‏,‏ ذات انعكاسات ومضاعفات علي العالم كله‏..‏
كان للـ‏11‏ من سبتمبر عام‏2001‏ تأثير هائل في تغيير ملامح الشرق الأوسط‏,‏ بل ومختلف ارجاء العالم‏..‏ ومن المؤكد أن حدثا مماثلا في الخطورة لن يقل عنه اصداء‏..‏ وذلك بغض النظر عن نجاح بوش أو كيري في انتخابات الرئاسة الأمريكية‏..‏ وستستمر هذه الأحداث تلاحق منطقتنا مادامت المشاكل الجذرية التي تولد الإرهاب لا تجري مواجهتها مجابهة‏..‏ ومادامت لا تعالج مشكلة الإرهاب في جذورها‏,‏ لا في مجرد أعراضها‏.