لندن: ما الذي دعا نادلا شابا إلى أن يترك مقهى أسرته الصغير في لندن، ضمانتها في العيش الكريم، ليتوجه صوب مدينة تندر فيها فرص النجاح، هوليوود، باحثا عن دور أو وظيفة تلفزيونية في أكثر الجهات تخصصا في الاعلام وصناعة السينما؟ لا يحمل من المؤهلات أو الخبرة الاذاعية أو التلفزيونية إلا كونه مشاهدا أو مستمعا مثله مثل ملايين البشر، بل حتى لم يجتز امتحان الثانوية في بريطانيا بنجاح؟ وفوق هذا وذاك فهو مسلم اختار أميركا ليحقق حلمه في النجاح والشهرة، في وقت يعتقد فيه بعض المسلمين أن هناك أعداء للاسلام يعملون على تقليل شأن كل ما هو مسلم أو يمت للاسلام بصلة؟.. وصل إلى أميركا ويمم أعتى قلاع الاعلام والسينما العالمية حيث «اللوبيات» تنشط وتتحكم في كل شيء، خاصة في زمن يربط فيه اعتباطا بين معتقده والحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟ أسئلة متعاقبة وقفت عندها صحافة لوس أنجليس ونيويورك الفنية، وهي تشهد على صعود نجم تلفزيوني يتابع برنامجه الفني الذي يعقد حلقة للوصل بين الفن والفنانين في هوليوود الغرب وبوليوود الشرق، حوالي 500 مليون مشاهد، ثم كافأته أميركا بجائزة الحلم الأميركي «أميركان دريم» لما حققه من انجاز في زمن قياسي بعزيمة لا تفتر وإيمان لا يتزعزع.
المهدي عبد الوهاب قابل النجم العالمي الجديد شيراز حسن في لندن أخيرا. كما التقى بأسرته في المقهى الذي غادره شيراز الى هوليوود. وكتب لـ«الشرق الأوسط» هذا التحقيق.
قبل ثلاث سنوات كان شيراز حسن، بريطاني باكستاني الأصل ومسلم، يعمل على مدار الساعة في مقهى الأسرة. لكنه اليوم مليونير يقدم برنامجا تلفزيونيا يشاهده حوالي 500 مليون مشاهد في آسيا وأميركا وأوروبا. قصته يميزها الاصرار وإن لم تخل من تدخل الصدفة. وصل شيراز الى مطار لوس انجليس في يناير (كانون الثاني) 2003 وفي جيبه ألفا جنيه استرليني. ولم يكن هناك من يعينه. كان يحلم بفتح دكان ركني صغير يبيع فيه الحليب المحلى «ميلك شيك» بالنكهات والفواكه، خاصة أن له تاريخا جيدا في ادارة محلات الأطعمة، لكن الأمور لم تسر حسبما خطط لها، فبعد سنة ونصف السنة، في منتصف العام الماضي بدأ نجمه في الصعود وصار نجما تلفزيونيا ينتج ويقدم برنامجا للمقابلات الفنية يشاهده 500 مليون مشاهد عبر آسيا وأوروبا وأميركا، ويستضيف قمم السينما والموسيقى والغناء من هوليوود، منهم ستيفن سبيلبيرغ وتوم كروز وكاثرين زيتا جونز ومن بوليوود أيضا، من ساحة الفن في شرق العالم المتركزة في الهند بسبب اتساع انتاجها واطلالتها المستمرة على الفنون العالمية الأخرى.
قابلت شيراز في «تنسلتاون كافيه» بمنطقة فارينغدون بوسط لندن، وهو المطعم الذي بدأ مقهى صغيرا يقدم المرطبات والساندويتشات، وحوله شيراز، قبل مغادرته الى الولايات المتحدة، الى مطعم يعمل طوال 24 ساعة ليستفيد من الساهرين في الأندية الليلية بالمنطقة الذين يغادرون صالات الرقص والسهرات باحثين عن لقمة تعيد اليهم ما اهدروا من طاقة، او يجرعون ما تيسر من شراب حلال يبل العروق ويخمد لهيب السهر.. ويعيد التوازن.
* بداية الإصرار المغامر
* في مكتب صغير عند مدخل الكافيه جلست مع شيراز الذي عرفني بوالدته وشقيقه سهيل. والحق يقال: الحليب المحلى بالجوافة الذي قدمه لي لم أذق له مثيلا، ثم بدأت لحظات شيقة استمعت فيها لخلفيات، أهمها مأساة فقد الأب وترك التعليم وساعات العمل الطويلة الشاقة للحفاظ على دخل الأسرة ورفاهيتها. ولكنها في مجموعها انتجت أسرة متحابة ومتعاونة تدعم أفرادها. والدة شيراز امرأة حاجة تلبس الحجاب على رأسها ولا تفارقها تلك الابتسامة العالمية، ابتسامة الأمهات إذ يرين كيف كبر الاولاد وكيف يردون الحب والجميل. سهيل شقيق شيراز بدا لي ذلك الأخ الأكبر المتوازن القادر على التروي والتدبر في أمر نفسه وأخوته. أما شيراز فقد لفتني بهيئته الشبابية إذ خلته أكبر ووجدته فتى رياضيا يافعا يبدو في الـ22 من عمره وهو في الواقع بلغ الثلاثين. حركته دائبة وعيناه ذكيتان وحماسه بلا حدود. متدين من غير ادعاء. وأكثر ما يشد الانتباه اليه انشغاله الفني بضرورة تمثيل المسلمين في قلعة الاعلام العالمية ـ هوليوود.
وكنت قبل دخولي الى المكتب الذي به شيراز، قد سألت بعض مرتادي المطعم عن رأيهم في المطعم الذي يكاد يكون الوحيد في المنطقة لا يقدم المشروبات الروحية. ورغم أن بعضهم يتناولون هذه المشروبات فإن المطعم بالنسبة لهم صار عادة يومية بفضل أنواع الحليب المحلى الذي يقدم بمختلف النكهات. قالت سارة ستيوارت، 40 سنة، إنها تعود وتعود وتعود اليها (أنواع الحليب) لأنها «لذيذة جدا وتبقى في الذاكرة». كما وصفت العاملين في المطعم بأنهم ودودون وبشوشون. ولعل هذا مما أورثهم شيراز الذي لفت، في حديثه الينا، إلى إنه لم يكن «متخصص طعام» بقدر ما هو «محنك في كسب صداقة الزبائن وإقامة علاقات مستمرة معهم»، وذلك ما جعله يكتشف في نفسه قدرات الاعلامي القادر دائما على ادامة التواصل مع الآخرين.
قال شيراز: وفاة والدي «رحمه الله» عندما كنت في السادسة عشرة حتمت علي ترك المدرسة والاشراف على مطعم الأسرة اكراما لوالدتي واخوتي، وهو المصدر الوحيد الذي كنا نكسب منه رزقنا. وذكر أنه بعد عدة سنوات من العمل المتواصل والترتيبات الدقيقة اطمأن على مستقبل «الكافيه». ولطالما راودته فكرة النجاح في وظيفة أخرى كان يدرك في دخيلته أنه مؤهل لها وقادر على الابداع فيها، وظيفة لها علاقة بالمعلومة وجماليات العرض، ففاتح والدته برغبته في السفر للعمل في أميركا. وقال إنه لم يشأ أن يفعل ذلك قبل أداء فريضة الحج.
واجه شيراز تثبيطا من بعض الناس، كانوا يقولون له، إنك لا تملك أدنى خبرة في العمل الاذاعي ولست مجهزا لهوليوود، ولكن لم يفت من عزيمته ما سمع. ورد شيراز مرة على صحيفة نيويوركية، حينما استغرب محررها كيف يلج مجالا ليس له فيه علم، بقوله: وهل كان لريتشارد برونسون خبرة في الطيران؟!
* «هنا لوس أنجليس»
* يروي شيراز حكايته مع لوس انجليس: منذ وصولي اليها عرفت أنها مدينة فيها كل شيء، حتى لو أنك طلبت أن يغسل بنطالك بالغسيل الجاف في الساعة الخامسة صباحا فإنك ستجد من يقوم بهذا العمل. وسأل نفسه: ماذا أجيد؟ فكان الجواب: الـ«ميلك شيك». مكث شيراز بضعة أسابيع يراقب ليجد مدخلا الى ماكينة سوق المدينة. وكان بالطبع يكثر من مشاهدة قنوات الكيبل في سكنه. وبدأ من داخله المرتبط روحيا بمنطقة ممتدة تحدر منها ليجد طريقه الخاص اليها، طريقه الذي سيميزه ويصعد به الى القمة. يقول: «في لوس انجليس كنت أدرك ما أريد فعله على نحو عام، ولكني احترت طويلا وأنا أقلب المحطات التلفزيونية غربا وشرقا من محطات هوليوود الى بوليوود، حيث المحطات الهندية. وذات صباح أتتني الفكرة دفعة واحدة: جنوب آسيا تمثل الثقل السكاني الثاني في الترتيب العالمي، وليس لديهم ما يربطهم بعالم هوليوود. واندفعت الأفكار الى رأسي ساخنة وموحية. سأكون الشخص الذي سيقيم الجسر المفقود بين سوق جنوب آسيا بروحانياته وهوليوود، وسأفعل هذا عبر برنامجي التلفزيوني الخاص، سأجعل ناس بوليوود يشاهدون ناس هوليوود.
وهكذا بدأ شيراز مسيرة النجاح والمجد، كان عليه ان يجد موزعا لبرنامجه. فاتصل بـ«بي فور يو» أكبر موزعين لمحطات التلفزيون لجنوب آسيا. ورحب الموزعون بالفكرة ودعوه لزيارتهم في نيويورك للاجتماع معه، لم يكن لديه ثمن التذكرة لكن شقيقه سهيل، الذي يعمل محاسبا، أنقذ الموقف بحوالة إلكترونية من لندن.. واخيرا وصل الى الشركة في نيويورك وشرح فكرته الطموحة في مزاوجة هوليوود وبوليوود وتدشين اتصال فني عبر برنامج تلفزيوني بينهما. قبلوا الفكرة، لكنه لا يملك كاميرا أو مالا يستأجر به معدات تصوير، وكان امامه ثلاثة أسابيع ليقدم أول حلقة من أصل 52 حلقة. قال أمام الشركة إنه قادر على استضافة كبار نجوم هوليوود فيها، بل أضاف: هذه أميركا وإذا فشلت يمكنكم مقاضاتي. وهكذا دخل في تحد مميت.
* الصدفة الحاسمة
* يتابع شيراز قصة البداية بقوله «لا كاميرا ولا خبرة ولا ممولا يمول. لكني ظللت أصلي وأصلي وأطلب من الله أن يفتح لي طريقي.. وذات جمعة كنت أصلي قرب شعار هوليوود الشهير الواقع على قمة جبل صغير ميمما قبلة البيت الحرام، فمر بي رجل يتنزه ومعه كلبه، وليسمح لي القارئ أن انقل ما قالته جريدة «ايفننغ ستاندرد» اللندنية في عددها في الاول من يوليو (تموز) عن تلك الصدفة الحاسمة، إذ ربما تبدو الرواية على لسان شيراز وكأنها من بنات الخيال. قالت الصحيفة: مسيرة نجاحه (شيراز) بدأت فعليا بالصدفة حين التقاه مايكل ليفي منتج فيلم «داي هارد 2» ينحني أمام شعار هوليوود. وقال ليفي لنفسه: يا الهي! هذا أمر غريب، لم أر انسانا ينحني قرب هذا الشعار منذ أكثر من 30 عاما.
ولنعد لما يرويه شيراز عن تلك الصدفة الحاسمة، بعد ان سألته عن انحنائه أمام الشعار. قال انحنائي كان صلاة، فكل جمعة كنت أذهب لأصلي في ذلك المكان الهادئ، ولربما كان المكان يزيد من عزيمتي في الصبر وتحقيق النجاح. وفي ذلك اليوم كنت مشحونا بالخيبة إذ اقترب موعد تسليم النموذج الأول لـ«بي فور يو». ومن دون مقدمات اقترب مني رجل يقود كلبا وسألني ماذا كنت أفعل بالقرب من علامة هوليوود ولماذا. وقال إنه لم يشهد أمرا كهذا لأكثر من 30 عاما.
أخذا يتحدثان، شيراز لا يعرف الرجل وشرح شيراز في نقاش عادي كمن ينفس عن نفسه ضيقها وانسداد السبل أمامها. وروى في سياق الحوار للرجل قدومه الى أميركا وحيرته في بلاد ليس له بها صديق أو انسان يموله اختصارا، في نهاية الحديث العابر يبدو أن الرجل أعجب بمثابرة شيراز وعناده وتصميمه فأعطاه بطاقته الشخصية ليتصل به ليسهل له اجتماعا مع شخصية متنفذة في هوليوود. الرجل صاحب الكلب كان مايكل ليفي المنتج السينمائي الشهير منتج فيلم «داي تو»، الذي قدمه الى رونالد بيركنز أحد أكثر الشخصيات نفوذا في هوليوود ومؤسس «كرييتف آرتيست ايجينسي» (وكالة الفنانين الابداعيين) والذي له خط ساخن ومتواصل مع كل نجم مشهور في هوليوود. وهكذا استجاب الله لدعائي، قال شيراز.
تمكن شيراز من اقناع المنتجين بما لمنطقة جنوب آسيا من الامكانيات المحتملة والأسواق الناشطة في تجارة الفيديو كليبات وال «دي في دي» وتشوقها العارم لأخبار النجوم وانتاجهم. كما لفتهم الى ضرورة نقل ما يدور في بوليوود من فنون وثقافة الى المشاهدين في الغرب والشمال. وبدأ الاهتمام بشيراز، ووصفه النقاد في أشهر المجلات الفنية بأنه بدأ من دون خبرة سابقة وبلا دليل يهديه أو ينصحه. لكنه اهتدى بعد محاولات أولى استقدم فيها الى البرنامج الممثل إيدي ميرفي، ثم روبرت دو نيرو، ثم آشلي جد، ثم كلينت ايستوود، وهكذا حتى استضاف بن أفليك أكثر النجوم حظا بالاعجاب، بل استضاف سبيلبيرغ أشهر المخرجين في العالم. ويقول النقاد إن شيراز جعل المعلنين يتسابقون للإعلان في استراحاته. وتدور في هوليوود أحاديث حول الشاب المسلم الذي اقتحم لوس انجليس وسجل اسمه في أروقتها الفنية ومنتدياتها بنجاحه الفائق المدهش، حتى أن بعض كتاب السينما قالوا إن قصة عن شاب مسلم تبرم من الحياة اللندنية الرتيبة ووصل الى هوليوود ليحرز نجاحا مهولا كهذا تصلح فيلما سينمائيا جيدا.
* قدرات شيراز الإعلانية
* يتذكر شيراز ما جرى قبل عرض برنامجه الأول قائلا: «أجرى رونالد بيركنز بعض المحادثات الهاتفية، وبعدها بأيام قليلة أجريت مقابلتي الأولى مع ايدي ميرفي، ثم روبرت دو نيرو وامتدت المقابلات حتى وصلت الى ست». وعندها بدأ العرض الأول في يونيو (حزيران) 2002 وجاءت التقارير مشجعة لـ«بي فور يو». والتقط البرنامج في ايران والخليج. وبدأت الأموال رحلتها الى شيراز فتبنت البرنامج شركة «اي ام اكس» للهواتف الجوالة. واليوم يسند اسم كبير كاسم رونالد بيركنز «تنسلتاون انترتينمنت» كعضو في مجلس أمنائها، فيما يحلم شيراز بأسماء وشخصيات مهمة أخرى يتمنى من كل قلبه أن تكون من الشخصيات التي يهمها ان يكون ثمة ستوديو يخص المسلمين في قلعة الاعلام والسينما الأشهر في العالم ـ هوليوود.
جانب آخر من قدرات شيراز هز أوساط تجارة الاعلانات حين طلبت منه وكالة فخمة، تتعامل في عقارات المشاهير، الاعلان عن بيع قصر يملكه سلطان بروناي في لوس انجليس، وتمكن عبر برنامجه من أسر اهتمام عائلة ايرانية كانت تشاهد البرنامج لتتقدم لشراء القصر بمبلغ 22 مليون دولار. عن هذا قال شيراز، نظر المعلنون الى هذه الواقعة باعتبارات جديدة.. فإذا كنت أبيع قصرا فكيف بالأقراص المدمجة وأقراص الـ«دي في دي».. وفكروا بروية في السوق الكبير الذي يصله برنامجي واعلاناتي». لمزيد من المعلومات الرجوع الى الموقع www.tinseltown.tv
التعليقات