تبدو قوى المعارضة السودانية سعيدة بما تتعرض له الخرطوم من ضغوط وتدخلات خارجية على خلفية ما جرى ويجري في دارفور منذ نحو ثمانية اشهر، فهذه الضغوط تضعف حقا الحكومة المركزية وتعمل على تشويه سمعتها، بعدما ارتكبت هذه الحكومة اخطاء كبيرة في التهوين مما جرى، ودخلت طرفا في النزاعات القبلية.
غير ان هذه الضغوط وما تنطوي عليه من تدخلات متعددة الأوجه، سوف تهيىء في النتيجة لبروز مشكلة مزمنة في هذا الاقليم، على غرار ما جرى في الجنوب لنحو ربع قرن من الزمن، حيث جرى استنزاف البلاد والعباد، وفتح الأبواب امام مختلف اشكال التدخلات وما زال السودانيون يعانون من ذيول حرب الجنوب.
الخشية الان ان يتكرر الوضع في دارفور وان بصيغ جديدة، فتنشأ نزاعات بين القبائل والجماعات المسلحة وقوات دولية او افريقية على حدود الاقليم او داخله، بينما لا تجد الحكومة الكثير مما تفعله وسط تشعب الصراعات وتتحول هذه المنطقة بالتالي الى مصدر استنزاف ونقطة ضعف، ومنصة انطلاق نحو التدخل في النظام السياسي.
ومن المعلوم ان المهلة التي حددها مجلس الأمن للخرطوم تنتهي مع نهاية آب الجاري، وبعدها سيكون الباب مفتوحا ضمنا لتدخلات خارجية، فيما تقول حكومة الخرطوم ان المهلة غير كافية، وان حجم الاعباء كبير وفوق طاقة الحكومة، وان نزع اسلحة الجنجويد ليس بالأمر الهين، خاصة اذا لم يقترن بنزع اسلحة بقية الميليشيات، والمقصود اسلحة المتمردين من حركة المساواة الدارفورية وما تتلقاه هذه الحركة من اسناد، من جماعة قرنق وجماعة الترابي نزيل الاقامة الجبرية.
كان وما زال يفترض بالمعارضة الشمالية التي تضم احزاب الميرغني والمهدي واليسار وبعض المنشقين عن الجيش، ان يكون لها دور وصوت، في انقاذ ابناء دارفور من محنتهم، واستدراج الدعم الدولي لحل مشكلاتهم الانسانية، والانتقال من ذلك لوضع صيغة لتنمية هذا الاقليم، وعدم استغلال مشكلاته لتعقيد الوضع السياسي والأمني فيه، وما يتطلبه ذلك من تفاهم مع حكومة الخرطوم، وطي صفحة التربص والاستهداف ومحاولة تغيير نظام الحكم بالقوة.
غير ان شيئا من ذلك لم يحدث، فالهدف المركزي لهذه المعارضة هو اضعاف هذه الحكومة حتى لو ادى ذلك وهو يؤدي الى تعريض الكيان الوطني للمخاطر، والى تأجيج المشكلات وتعقيدها والاستعانة الدائمة بقوى خارجية، ولدرجة يغدو فيها الآخرون هم من يقررون الحرب والسلم في هذا البلد، فيما يصبح السودانيون هم مجرد طرف من اطراف «اللعبة».
وهذه النتيجة اذا تحققت والأمل ان لا تتحقق، سوف لا تقل بؤسا عن بؤس الوضع في دارفور. المقصود الجانب السياسي والسيادي فضلا عن الثروة الاقتصادية المبددة.
وما زالت الفرصة متاحة وان كان الوقت المتبقي قصيرا من اجل ان تلتقي ارادة السودانيين في الحكم والمعارضة، على انقاذ ابناء شعبهم في دارفور وتبيان اوجه القصور التي تحملها المجتمع الدولي، والصعوبات امام تكثيف عمليات الاغاثة، ودور الضغوط الخارجية في ارباك ايصال وتوزيع المساعدات، مع تدارك اية اخطاء ذاتية في معالجة الوضع وعدم السكوت عن استغلال المتمردين للوضع الانساني، لتحقيق غايات سياسية تتمثل في السعي للانفصال واستدراج التدخلات الخارجية، وبدلا من ان ينضم المعارضون ولو بالصمت الى جهود المتمردين في اضعاف بلدهم، فالأفضل والأقرب الى العدل والعقل، ان تشكل الكارثة في دارفور والتي تمت معالجة بعض جوانبها، مناسبة لالتقاء السودانيين وتحقيق مصالحة وطنية سياسية ما بينهم، وبحيث يؤدي التجند العام لحل هذه المشكلة حلا داخليا، الى التوافق على معالجة المشكلات الاخرى الباقية، بدلا من استدراج المزيد من التدخلات وتشجيع الاخرين على اللعب بمصير البلد.