الشائع ان الاقتصاد هو الاهم في عصرنا، وهو الذي يقود ويوجه القرارات السياسية، فليس هناك مبادىء او صداقات او عداوات دائمة بل مصالح دائمة. وقد يضيف البعض ان من عيوب السياسة العربية ان الاقتصاد يتبع السياسة بدلا من ان يقودها. هذا المنطلق مفهوم اذا قصد به توضيح الاهمية المتزايدة للاقتصاد في حياة الشعوب، اي عندما يأتي من قبيل المبالغة الهادفة للتوضيح، ولكنه ليس مفهوما كنموذج مطبق عمليا في حياة الدول والشعوب.
حكومة حزب الشعب اليميني مثلا بقيادة ازنار قادت اسبانيا الى افضل رواج اقتصادي في تاريخها الحديث، حيث تمكنت من اللحاق بشركائها في الاتحاد الاوروبي، والتفوق على بعضهم في مجالات معينة، لكن حكومة ازنار سقطت في الانتخابات الاخيرة لأسباب سياسية، هي تحالف الحزب الحاكم مع واشنطن في العدوان على العراق، وارسال جنود الجيش الاسباني ليخوضوا حروب اميركا، ويموتوا في العراق.
وحزب جاناتا الهندي اليميني حقق اكبر نجاح اقتصادي في تاريخ الهند، وارتفع بها الى مصاف الاقتصادات العالمية الكبرى، واجتذب استثمارات اجنبية هائلة لا يدانيها فيها سوى الصين، ومع ذلك اسقطها الشعب الهندي في الانتخابات الاخيرة لاسباب سياسية لا اقتصادية، فلم يشفع لها النجاح الاقتصادي.
والمعركة الانتخابية الجارية في الولايات المتحدة، لا تدور هذه الايام حول حالة الاقتصاد الاميركي فقط، بل بالدرجة الاولى حول فشل المشروع الامبراطوري الذي اصطدم بمقاومة عنيفة وحرب مستمرة في العراق، تدفع اميركا ثمنا باهظا لتورطها فيها دون ان تحقق اهدافها المعلنة.
اما في المانيا فقد انحاز الناخبون الى جانب تحالف حزب الاشتراكيين وحزب الخضر، ليس لان شرويدر وعد باصلاحات اقتصادية لا لزوم لها، بل لانه اخذ موقفا ضد الانصياع الالماني للادارة الاميركية، التي كانت تتحفز لشن الحرب على العراق خرقا للشرعية الدولية.
اذا كانت الدولة هي اعلى وارقى مؤسسات المجتمع المدني، فان السياسة ستظل في المقدمة، حتى ولو كانت المصالح الاقتصادية موجودة في خلفية رأس كل مسؤول، ولكن تحقيق المصالح الاقتصادية يحتاج الى قدر من السياسة التي هي فن ادارة شؤون الدولة والاقتصاد احدها.