القاهرة - علاء صادق: ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة عاشها سكان شارع فرنسا - المكتظ بمحلات بيع الذهب - في حي المنشية في قلب مدينة الاسكندرية القديمة. فوز المصارع السكندري كرم جابر بالميدالية الذهبية للمصارعة الرومانية لوزن دون 96 كيلو غراماً في دورة اثينا الاولمبية - وهي الأولى لمصر منذ 56 عاماً - أخرج الجميع من منازلهم, واختلطت زغاريد الفرح من النساء مع قفزات النصر من الأولاد وأحضان التهنئة بين الرجال. وتحول منزل الحاجة فاطمة - وهي والدة النجم العالمي - إلى دار للضيافة بعدما تقاطر الزائرون والمهنئون من كل صوب, وكان مندوب المحافظ اللواء محمد المحجوب هو الأول في الحضور بعد دقائق قليلة من التتويج, وقدم للحاجة فاطمة وأولادها الخمسة المحيطين بها هدية رمزية من المحافظة تقديراً للانجاز الرائع الذي حققه ابنها لمصر والمدينة.
"الحياة" حاورت الحاجة فاطمة كامل ربيع زوجة القبطان الراحل جابر محمد إبراهيم ووالدة ايمن وعادل ووليد وكرم وممدوح واسلام وهند وسحر, وفتحت الحاجة فاطمة قلبها لتقدم أدق التفاصيل عن ابنها البطل البار بأمه وأسرته وأصدقائه وأهله.
قالت: " كرم هو أكبر كرم من عند الله, عوضني خيراً عن صبري الطويل في رعاية سبعة من الابناء بعدما رحل والدهم عن الدنيا باكراً. الحاج جابر كان رياضيا ممتازا ولكنه تفرغ تماما لعمله في البحر أو في المحل التجاري الذي نملكه, وحرص على توجيه أولادنا الى الرياضة واختار المصارعة التي كانت الرمز الأول للفتوة والرجولة في الاسكندرية". ولا يعرف الكثيرون أن ابني الاكبر عادل كان مصارعاً ممتازا, وقدراته لا تقل ابداً عن امكانات كرم, ولكنه لم يلق أي رعاية مما دفعه للسفر الى الولايات المتحدة والاحتراف هناك في الوقت الحالي, ولعب عادل دوراً رئيسياً في توجيه كرم الى النادي ودفعه الى البساط وغرس حب المصارعة في عقله, وهو الذي علمه الحركات الأولى في اللعبة. كرم كان طفلاً شقياً وقوياً ومعتزاً بنفسه بصورة لافتة للنظر, ولكن قوته الزائدة وسط اقرانه من الاطفال في الشارع أو المدرسة لم تتحول ابداً إلى عنف أو اعتداء, وهو الأمر الذي ساعدني على تربيته في هدوء, وقبل ان يكمل 12 عاماً جاءني مدربه الاول محمود الوشاحي وأكد لي أن ابني سيكون في يوم قريب أحد أبطال العالم, وصدقته على الفور لأن امكاناته البدنية والذهنية كانت أعلى جداً من كل أقرانه. وفاجأنا كرم دائما بانتصاراته, سواء وهو ناشئ في نادي النصر أو عندما انتقل الى النادي الاولمبي, بالفوز على مصارعين اكبر منه سنا وحجماً وخبرة, وفي كل مرة يأتي الى المنزل سعيداً ومعه ميدالية أو كأس أو شهادة تقدير, يقضي اليوم كله في شرح الاساليب الهجومية والعاب الخداع التي استدرج بها منافسيه لإسقاطهم ارضاً, ورغم طول حكاياته وعدم وجود وقت كاف عندي إلا أنني حرصت دائما على الاستماع إليه باهتمام لإعطائه الثقة في حجم انجازه الكبير. ومع تطوره ودخوله الى المنتخب وذيوع اسمه وحصوله على بعض المال من النادي أو المنتخب او الانتصارات, قدم كرم أجمل معاني الوفاء في تقديم كل ما يكسبه الى اسرته دون أن يقتطع لنفسه جنيها واحدا, وهو الامر الذي دعاني لإجباره على الاحتفاظ بأمواله لنفسه لمساعدته على التدريب والتغذية والمظهر الجيد. والنجاح لم يغير ابداً من شخصية كرم مع اشقائه أو اصدقائه, وهو أكثر الابطال تواضعاً واقتراباً من الناس ورغبة في مساعدتهم, ولا أذكر أبداً أنه أغضب أحدا من اشقائه أو فعل شيئا يحزنني. وفي العامين الماضيين وبعد حصوله على المركز الثاني في بطولة العالم لدورتين متتاليتين بدأ حلم الذهب الاولمبي يراوده, وكان كثير الحديث عن أمله في تحقيق هذا الانجاز البعيد عن الرياضة المصرية, ومع اقتراب الدورة الاولمبية اصبح متأكداً من قدرته على الفوز بالذهبية, وما أكثر المرات التي تحدث معي حول خططه للفوز ومشروعاته بعدها, وقبل السفر الى اثيناً حضر الى المنزل, تاركاً معسكره التدريبي ساعة واحدة, وجلس تحت قدمي وقبلهما ثم طلب مني الابتهال الى الله في صلواتي لتحقيق الحلم. ولا اخفي سراً أنني لم أشاهد مبارياته بتركيز لأنني تفرغت خلالها للصلاة والدعاء, والحمد لله. كرم جابر لم يعد ابني وحدي.. كرم هو ابن كل مصري ومصرية.
التعليقات