لم يخطئ الرئيس الامريكي جورج بوش عندما قال لمجلة التايم الشهيرة: انا الشخص الذي يصنع التاريخ ، ولكنه لم يقل ان التاريخ الذي يصنعه هو تاريخ دموي يضعه في خانة هولاكو وهتلر وموسيليني ونيرون وشارون.
الرئيس بوش سيدخل التاريخ فعلا كزعيم تسبب في قتل عشرات الآلاف من الابرياء في افغانستان والعراق، وضلل البشرية بأسرها عندما استخدم معلومات كاذبة حول اسلحة الدمار الشامل لتبرير ارتكاب هذه المجازر، وزرع الفوضي وعدم الاستقرار في العالم.
هناك زعامات صنعت تاريخا مشرفا، مثل شارل ديغول ونيلسون مانديلا وجورج واشنطن والمهاتما غاندي، ولكن بوش هو نقيض هؤلاء جميعا، والعشرات مثلهم الذين ارتبطت اسماؤهم بالخير والسلام والتعايش والتحرير.
الرئيس بوش، وفي السنوات الاربع من فترة حكمه الأولي، والتي نأمل ان تكون الاخيرة، خاض حربين رئيسيتين، الأولي في افغانستان تحت مسمي محاربة الارهاب، والثانية لاطاحة نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين واحتلال العراق.
عندما ارسل الرئيس بوش طائراته العملاقة الي افغانستان، وعد مواطنيه بانهاء تنظيم القاعدة و تحرير البلاد من حكم طالبان ، وتقديم الشيخين اسامة بن لادن، والملا محمد عمر الي العدالة، وها هي ثلاث سنوات تمر علي هذه الحرب، والرجلان طليقان، ونجحا في اعادة تنظيم صفوف قواتهما، وتحولت افغانستان الي دولة فاشلة تعمها الفوضي، وتتضاعف فيها محاصيل المخدرات عشرة اضعاف، وبالأمس فقط شنت حركة طالبان هجوما علي مركز مكافحة الارهاب، وقتلت ثلاثة جنود امريكيين، اما تنظيم القاعدة فيزداد قوة وبأسا، وبات قادرا علي تغيير حكومات، مثلما حدث في مدريد في آذار (مارس) الماضي.
وتكفي الاشارة الي ان الادارة الامريكية خسرت اكثر من مئتي مليار دولار حتي الآن في الحرب علي الارهاب، وفي غزو العراق، ومع ذلك لم تتمكن من السيطرة علي اي من البلدين، وتخوض حاليا حرب استنزاف دموية ومالية لا تعرف كيف تخرج منها.
في السنوات الثلاث الماضية، رفعت الادارة الامريكية درجة التأهب الأمني فيها من الاصفر الي البرتقالي ست مرات، تحسبا لهجمات تستهدف مواطنيها ومصالحها الحيوية علي غرار هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، فعن اي حرب علي الارهاب يتحدثون؟
اما اذا انتقلنا الي العراق، فبعد عام ونصف العام علي الاحتلال ما زالت القوات الامريكية التي يبلغ تعدادها مئة وخمسين الف جندي عاجزة تماما عن حماية نفسها، او حماية العراقيين الخاضعين لاحتلالها، بل انها تقتل العشرات، وفي بعض الاحيان المئات منهم يوميا، وتدمر مقدساتهم، وتنسف بيوتهم، وتقصف مدنهم، وتمارس التعذيب الوحشي والجنسي ضد معتقليهم.
الرئيس بوش قال ان العراق سيكون افضل حالا بعد الاحتلال، وواحة للديمقراطية وحقوق الانسان، وكان كاذبا في اقواله وتمنياته، فها هو العراق بلا امن ولا ماء ولا كهرباء ولا وظائف، وتحكمه حكومة غير شرعية لا تستطيع مغادرة مقرها، ويعيش حالة من الفوضي حيث خطف الرهائن واعدامهم اصبحا من الممارسات اليومية.
التاريخ سيذكر الرئيس بوش علي انه الزعيم الامريكي الذي جعل الكراهية لبلاده عقيدة تجتاح العالم بأسره، وهذه الكراهية ليست مقتصرة علي العالم الاسلامي فقط، وانما شملت عوالم مسيحية وبوذية وهندوسية، فكولن باول وزير الخارجية الامريكي اضطر الي الغاء زيارته لليونان بسبب المظاهرات الصاخبة التي كانت في انتظاره، ومئات الآلاف ملأوا شوارع لندن للاحتجاج علي زيارة رئيسه الي لندن للاحتفال بمرور عام علي حرب العراق.
العالم بات اكثر خطورة وتوترا منذ وصول الرئيس بوش وعصابة المحافظين الجدد الذين يرسمون له سياساته، فعملية السلام في المنطقة العربية انهارت بالكامل، وتنظيم القاعدة بات مثل التنين الاسطوري كلما قطعت له رأس نبتت عشر رؤوس اخري، اما اسعار النفط فقد وصلت الي خمسين دولارا للبرميل، ولولا الكرم الحاتمي السعودي، وضخ اكثر من مليوني برميل اضافية لاغراق الاسواق، لاقترب السعر من مئة دولار، الامر الذي يعني انهيار الاقتصاد الرأسمالي، والامريكي علي وجه الخصوص وحدوث فوضي اقتصادية في العالم بأسره.
وما هو اخطر من كل هذا، ان الرئيس بوش يصف كل هذه الكوارث التي سببها للعالم بأنها كانت مصدر استمتاع بالنسبة اليه، وانها جسدت فترات رائعة في حياته، وهو مستعد للقيام بها مجددا.
يبدو ان الرئيس بوش لم يشبع من قتل العراقيين، ولم يشف غليله من سفك دماء الفلسطينيين من خلال حليفه وصديقه شارون، ويتطلع الي حروب دموية اخري لاذلال العرب والمسلمين، فما زالت هناك سورية وايران علي قائمة الغزو والتدمير، ولذلك يحتاج الي فترة رئاسية ثانية لاكمال هذه المهمة.
المكان الحقيقي والمناسب للرئيس بوش هو المحكمة كمجرم حرب في حق الانسانية بأسرها، انتهك القانون الدولي، ودمر المنظمة الدولية، وازهق ارواح عشرات الآلاف في حروب غير اخلاقية وغير قانونية.
بوش سيدخل مزبــلة التـــاريخ كرئيـــس مارس ارهاب الدولة، واستــخدم قــوة بلاده العســكرية والاقتصـــادية الهائلة لتدمير العالم، واحتكار الثروة، وزيادة معاناة الفقراء والمحرومين.