نحن لا نستطيع أن نندد بالعنف الإسرائيلي أو العنف الأمريكي, إذا كنا لا نستطيع التنديد بأي عنف مهما يكن مصدره ودوافعه, والأسباب التي يتعلل بها, والرايات التي يرفعها. ذلك لأننا نسعي لإقناع العالم بأن يرفع عن عينيه الغشاوات التي تحجب عنه حقيقة مايفعله في بلادنا الإسرائيليون والأمريكيون, ليري هؤلاء كما هم في الواقع لا كما يزيفون له أنفسهم ويبررون جرائمهم. والعالم لن يقتنع, ولن يصدق مانقوله عن العنف الاسرائيلي أو عن العنف الأمريكي إذا وجد أننا نندد بعنف, ونغض الطرف عن عنف آخر لا يختلف عن الأول إلا في أن مرتكبيه يتكلمون لغتنا, ويدينون بالعقيدة التي ندين بها.
إذا كنا سنندد بالعنف لأن الذين يرتكبونه إسرائيليون, ونبرر العنف الذي يرتكبه العرب أو المسلمون فنحن عندئذ لا نختلف عن الإسرائيليين والأمريكيين, الذين ينددون بعنفنا ويبررون عنفهم, ويزعمون أنه دفاع مشروع عن النفس, وأنه جهاد في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي هذه الحالة سينصرف العالم عنا وعن الاسرائيليين والأمريكيين, جميعا, وربما وجد نفسه وقد رأي الحق بعيدا عنا وعن خصومنا ـ وربما وجد نفسه في هذه الحالة يحتكم للمنفعة التي ستعود عليه بالانحياز لنا أولهم, فانحاز للأمريكيين والاسرائيليين الذين يملكون أكثر مما نملك, لأننا نسيء التصرف في ثرواتنا ونبددها فيما لا طائل وراءه, ونتركها نهبا للصوص, وهم يحسنون التصرف فيما يملكون!.
من هنا وجب أن نرفع أصواتنا ضد هذا العنف المجنون, حتي ولو كان مرتكبوه معدودين من العرب أو من المسلمين.
هذا العنف المجاني الإجرامي ليس مجرد عدوان يقع علي ضحاياه من الأجانب وحدهم, بل هو عدوان علينا نحن أيضا, لأنه يشوه صورتنا, ولأنه يخدعنا ويضللنا ويزيف لنا العدو ويزيف المعركة, فاختطاف طائرة مدنية لا يحرر القدس, وقتل سائق فلبيني أو تركي أو مصري لا يخرج الأمريكيين من العراق, بل يزودهم بحجة قوية يعللون بها وجودهم في العراق, ويقوون بها جبهتهم, ويستثيرون حلفاءهم, نعم, يجب أن نندد بهذه الجرائم الوحشية التي ترتكب ضد المدنيين المسالمين في العراق وفي غير العراق, وتنسب للمقاومة الإسلامية, والمقاومة والإسلام منها براء.
وأنا أفهم أن تتصدي المقاومة للعسكريين الأجانب, لأن هؤلاء غزاة معتدون يحتلون البلاد ويشهرون أسلحتهم في وجوه أهلها, فمن حق هؤلاء أن يتصدوا لهم, وأن يقتلوهم حيث وجدوهم, وأن يثيروا في قلوبهم الرعب حتي يولوا الأدبار. لكني لا أفهم أن يختطف المقاومون عاملا فقيرا يبحث عن رزقه في النار, أو صحفيا إيطاليا أو فرنسيا يبحث عن الحقيقة تحت ركام من الأكاذيب.
وأنا أشعر بالخجل حين أري هؤلاء الصحفيين الأجانب يغامرون بأنفسهم, ويضحون بكل ماينعمون به في بلادهم, ويندفعون في قلب هذا الجحيم المشتعل المتفجر بين أيديهم وتحت أرجلهم, ليزودوا قراءهم بالأنباء والتعليقات والصور عما يحدث في النجف والفلوجة والبصرة والموصل, علي حين نقبع نحن في منازلنا ومكاتبنا نتلقي مايرسلون, وننشر مايكتبون ويصورون, ثم لا يلقون لنا أو من المنتسبين لنا إلا جزاء سنمار!
لا يمكن أن يكون هذا العنف الإجرامي إسلاما أو مقاومة, ولا يمكن أن يكون مرتكبوه مناضلين أو مقاومين أو مجاهدين. إنهم قتلة سفاحون يحطون من قدر المقاومة, ويشوهون وجه الإسلام, ويقدمون لأمثالهم من القتلة والسفاحين في المعسكر المقابل أجل الخدمات. فاذا كان اختطاف العمال, وسائقي السيارات, ومندوبي الصحف, وذبحهم وتسجيل ذلك في أفلام تذيعها تليفزيونات العالم ـ إذا كان ذلك مما يرضي عنه الإسلام ويأمر به, فكل مايقال في إسرائيل والغرب والولايات المتحدة بالذات عن وحشية المسلمين, وكراهيتهم للآخرين, وتهديدهم للسلم, وعدائهم للحضارة, وسعيهم لتدمير العالم صحيح, لأن الذين يرتكبون هذه الجرائم البشعة ينسبونها للإسلام, ولأن عامة المسلمين لا يرفعون أصواتهم ضد هذه الجرائم, ولا يدينون مرتكبيها. وربما اعتبرها بعض المسلمين السذج جهادا في سبيل الله, وعدوا مرتكبيها أبطالا, وأحاطوهم بهالات من التوقير والتقديس.
أية بطولة نجدها في قتل طفل رضيع أو شيخ كان أو امرأة مسالمة؟ وماهي القيمة التي نجسدها أو حتي الفائدة التي نجنيها حين نخطف صحفيا أو نقتله؟
إنها ليست جريمة واحدة وليست جريمة عادية, لأن الذين يقتلون الصحفيين ويغتالون الكتاب والمفكرين لايزهقون أرواحهم فحسب, بل يكسرون أقلامهم أيضا. انهم يكرهون البشر, ويكرهون الرأي, ويكرهون الحقيقة, ويكرهون الحرية. ولأنهم يقتلون من لايعرفونهم فهم يقتلون الناس جميعا!
لو أن هؤلاء السادة أمسكوا بالقتلة الأمريكيين المسئولين عن جرائم التعذيب في سجن أبوغريب لصفق العالم لهم, لأنهم في هذه الحالة يقاومون الشر ويعاقبون الأشرار, أما اختطاف الصحفيين فجريمة شنعاء لاتستحق من العالم إلا ردا واحدا هو الاشمئزاز والاحتقار والعمل يدا واحدة علي استئصال هذه العصابات التي لايمكن أن تحسب علي دين أو ثقافة.
نعم, من حقنا ان ندافع عن بلادنا, وعن أنفسنا, وعن حرياتنا, وعن أبنائنا وبناتنا, لكن دون أن نهدر قيمة من القيم التي ندافع عنها, ودون ان نعتدي علي حق من حقوق الانسان, لأننا لانستطيع أن ندافع عن القيمة التي نهدرها, ولايليق بنا أن نعتدي علي الحق الذي نقدسه.
وأنا لا يخالجني شك في أن الاسرائيليين والأمريكيين يرتكبون الجرائم الخسيسة والهمجية التي أندد بها ولو ارتكبت باسم قضية عادلة, لكن هذا لايعطينا الحق في أن ننافسهم في الخسة أو نسابقهم في الهمجية.
إنهم يسحقون الفلسطينيين, ويدمرون وجودهم, وينزلون بالعراقيين كل مايستطيعون انزاله بهم ليخيفوهم ويخيفونا معهم, فقد تورط الأمريكيون في العراق لأنهم لم يحسبوا حساب المقاومة الوطنية التي نجحت في أن تجعل وجودهم في العراق جحيما يوميا عليهم ان يصطلوه, ومحنة يسعون للخروج منها منتصرين, حتي يؤدبوا الشعوب العربية كلها بهذا الانتصار, وإلا فالهزيمة الأمريكية في العراق هزيمة للأمريكان في العالم كله, وهزيمة لاسرائيل معهم, ولهذا السبب لن يترددوا في استعمال أي سلاح يعتقدون أنه يساعدهم في قهر العراقيين مهما كانت خسته وانحطاطه, لكن هذا كله لايبرر لنا كما قلت ان نستخدم اسلحة من هذا النوع الخسيس المنحط.
الاسرائيليون والأمريكان يستخدمون اسلحة تتفق مع غاياتهم, تتفق مع أهدافهم العدوانية وتاريخهم الملطخ بالدماء, وعلينا نحن أن نستخدم اسلحة تتفق مع غاياتنا, مع دفاعنا عن حريتنا, وكرامتنا, وحقنا في الحياة.
من هنا يجب أن نرفع أصواتنا ضد اختطاف الصحفيين الأجانب, والصحفيين عامة, والمدنيين بوجه أعم. يجب ان نرفع اصواتنا نحن الصحفيين المصريين والعرب في وجه هذه الأعمال الهمجية, دفاعا عن زملائنا في المهنة, ودفاعا عن حرية الرأي, ودفاعا عن الحقوق والقيم التي تهدرها هذه العصابات الإجرامية وتنسب ماتفعل للمقاومة وللاسلام.
يجب ان نرفع اصواتنا نحن المنتمين للعروبة والاسلام صحفيين وغير صحفيين في وجه هذه البشاعة المتمثلة في اختطاف المدنيين, وذبح الضحايا المقيدين وتصوير هذه الجرائم البشعة وتوزيعها علي تليفزيونات العالم ليقول العالم: أهذا هو كل مايستطيع المسلمون ان يقدموه للحضارة في هذا العصر؟
إنني أدعو نقابة الصحفيين المصريين, ونقابات الصحفيين العرب, واتحادهم لاعلان موقفنا من هذه الجرائم, وادانة مرتكبيها وتبرئة العروبة والاسلام منها.
ان علينا ان نقاوم شرور الاسرائيليين والأمريكيين وان نقاوم شرورنا نحن أيضا!
التعليقات