الدمام من عبير جابر: أن تكون مسافراً مع عفش بوزن زائد فهذا أمر عادي، وحلّه بسيط بأن تدفع بدلاً مالياً للكيلوغرامات الزائدة. لكن أن تكون أنت بحد ذاتك وزناً زائداً ويكون المطلوب منك دفع المال لقاء الكتل الدهنية والشحوم المتراكمة فهذا ما يبدو غريباً بعض الشيء. فأن يُطلب من مسافر من ذوي الوزن الثقيل أن يدفع ثمن تذكرتين لمقعدين في الطائرة فهذا ما لم نسمع به، باستثناء خبر نشرته وكالات الأخبار الأسبوع الماضي، إذ تسببت بدانة محاسب مصري في نزوله من الطائرة نتيجة عدم اتساع المقعد له لينتظر رحلة أخرى يكون فيها مقعد إضافي. وكان المسافر، وهو محاسب في الثانية والاربعين من العمر، قد رفض عرض مسؤولي شركة السفر بحجز مقعدين له ليتمكن من الجلوس عليهما ولتجنب مضايقة من يجلس بجواره، لقاء سداد ثمن تذكرة ثانية، فرفض العرض وأنزل من الطائرة. وقد حاول أفراد الطاقم العثور على مقعدين متجاورين لكن الرحلة كانت كاملة العدد فانتهت القضية بانتظاره طائرة أخرى يوجد فيها مقعد اضافي. وقد وافق الراكب الذي لم يحدد المصدر حجم وزنه على العرض لتقلع الطائرة في النهاية من دونه.
هذه الحادثة تعتبر نذير خطر يلامس جيوب 20 بالمائة من السعوديين.. إذ أفادت إحصاءات رسمية أعلنتها الحملة الوطنية لمكافحة زيادة الوزن والبدانة بأن نسبة البدانة في المملكة ارتفعت لتصل إلى 20 %. وتشكل زيادة الوزن والبدانة أحد العوامل الأساسية المضرة بالصحة، فهي ليست حالة بسيطة يقتصر ضررها وتأثيرها على المظهر الخارجي للجسم فقط، بل هي مرض مزمن له عوارضه وتداعياته الصحية ومضاعفاته الخطيرة على الجسد.. وعلى الجيب أيضاً.
وكانت واقعة مشابهة قد حدثت منذ خمسة أشهر مع شركة أخرى ولكنها سمحت بسفر الراكبة رغم ضخامة جسدها بعد ان جلس ابنها بجوارها، ونظراً لتعاطف ركاب الطائرة معها عندما طلب مسؤولو المحطة إنزالها. وأكد أحد خبراء الطيران ان تصرُّف الشركة قانونيٌ ما دام جلوس الراكب على مقعد واحد مستحيلاً أو يسبب الضيق لمن يجلس بجواره، والحل نقل الراكب الى الدرجة الأولى أو تحمله قيمة تذكرة مقعد آخر وفي الحالتين يتحمل الراكب المقابل المادي ولكن بعد تخفيضه. وكانت شركة «ساوث وست» الأميركية للطيران قد بدأت التشديد في تطبيق سياسة كانت قد اتبعتها من قبل بتحصيل تذكرتين على الشخص البدين. وسياسة «أصحاب الأوزان الثقيلة» التي تتبعها الشركة تتطلب من الركاب أن يحجزوا مقعدين بدلاً من مقعد واحد. وقالت بيث هاربين المتحدثة باسم الشركة «إذا كنت تشغل حيز مقعدين فستدفع ثمن تذكرتين». وعندما لا تكون الطائرة كاملة العدد فإن بإمكان الركاب البُدَّن التقدم بطلب لاستعادة أموالهم. لكن مازن الغانم، مطور المبيعات في مكتب «الخطوط الجوية اللبنانية» في الخُبر، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «عند حجز تذكرة السفر لا يوجد شيء يتعلق بوزن الراكب، فموضوع الوزن يتعلق فقط بالعفش وهذا الأمر متبع ومتعارف عليه على متن جميع الخطوط الجوية»، مؤكداً أنه «حتى لو كان المقعد الواحد لا يكفي الراكب البدين فلا يمكن إجباره على شراء تذكرتين لمقعدين إلا إذا أرادت شركة الطيران أن تقدم له الكرسي الثاني مجاناً، فهذا ممكن لكن لا يمكن إجباره على شراء التذكرة الثانية». وأوضح نصري مقبل، مدير شركة «ميناس للسياحة والسفر»، أن الشركة لا تطلب من المسافرين ذوي الوزن الثقيل حجز تذكرتين «لكن معظم الركاب البُدَّن يحجزون مقاعد في الدرجة الأولى أو الأفق لأن الكراسي فيها واسعة، خاصة الراكب الذي يريد أن يرتاح في سفره». وشدد مقبل على أن «شركات الطيران لا علاقة لها بوزن الراكب». وهذا ما وافقه الرأي فيه بخيل العلي، المشرف في «مجموعة الطيار للسفر المحدودة»، الذي أشار الى أن «شركات الطيران لا تطلب من الراكب حجز مقعدين سواء كان وزنه 20 أو 200 كيلوغرام، فكلاهما يحجز نفس المقعد ولا فرق في سعر البطاقة». ولفت الى أن «الراكب البدين يناسبه مقعد الأفق أو الدرجة الأولى، أما في حال رغب في حجز مقعد في الدرجة السياحية فلا أحد يمنعه». وعن الصعوبات التي تواجه الراكب البدين في الطائرة قال العلي «حركة الشخص البدين تكون صعبة في الطائرة في الدرجات السياحية، لذا يكون دور الموظف المختص إعطاءه بطاقة الصعود للطائرة حيث أنه يعطيه مقعداً أمامياً إذا كانت هذه المقاعد شاغرة، بحيث لا يضايق من حوله ولا يتضايق هو نفسه». يسافر حسين الشحيمي سنوياً بمعدل مرة شهرياً في إطار العمل، وخلال الإجازات، وهو يختار السفر في الدرجة الأولى للرحلات الداخلية بينما يسافر في الدرجة السياحية للرحلات الخارجية. وطوال فترات سفره لم يطلب منه أحد أن يقطع تذكرتي سفر .. يقول: «سافرت عبر الخطوط الجوية اللبنانية والبريطانية والسعودية والإماراتية وطيران الخليج وغيرها ودائماً أحجز عبر الهاتف فلا يراني الموظف ليقول لي اذا كان عليّ حجز بطاقتين». وعلى الرغم من أن وزنه يصل الى 150 كيلوغراماً إلا أن الموظف في المطار لا يطلب منه هذا الطلب، ويضيف: «يبدو أنني ما زلت ضمن الحدود المعقولة للوزن». ومع ذلك يشعر حسين بالراحة في مقعد الطائرة خاصة في الطائرات الحديثة الطراز ولا يظهر على أي من الركاب في المقاعد المجاورة أي انزعاج منه. لكن مع ذلك يشعر حسين بضرورة إنقاص وزنه، لذا باشر بعمل ريجيم «خفيف» مع الرياضة، حتى لا يصل الى يوم يطلب منه فيه أن يقطع تذكرتي سفر واحدة له وأخرى للكيلوغرامات الزائدة.
أما عبد الله فكان وزنه يصل الى 138 كيلوغراماً منذ فترة قصيرة، قبل أن يباشر نظاماً غذائياً أفقده حوالي عشرين كيلوغراماً من وزنه. في فترة الوزن الزائد جداً تلك كان هذا الشاب الذي لم يبلغ الأربعين من العمر بعد يجد مقعد الطائرة ضيقاً فينزعج أثناء رحلاته خاصة أنه يسافر في الدرجة السياحية بما معدله مرة واحدة شهرياً كحد أدنى.
«بعض الطائرات كانت مقاعدها مريحة أكثر من غيرها» يقول عبد الله الذي كان يختار مقعداً عند الممر أو النافذة لكي تكون لديه جهة حرة فيخفف من الإزعاج لمن حوله ولنفسه. وخلال رحلاته المتعددة لم يطلب منه أحد حجز مقعدين بسبب وزنه الزائد. لكن اليوم بات وزن عبد الله 120 كيلوغراماً وخفت المشكلة بالنسبة إليه حتى أنه يعتبر أن المشكلة «زالت نهائياً» فيصف نفسه «صرت كأي راكب عادي» على الرغم من أن أمامه كيلوغرامات ما زالت زائدة عليه التخلص منها قبل الصعود الى الطائرة من جديد. أما مشكلة الوزن الزائد فكانت سبباً وراء لجوء مهى. ح ،35 سنة، الى وسيلة النقل البرية في تنقلاتها من والى مدينتها.. «كنت أتضايق في الطائرة بسبب وزني الزائد خاصة إذا صدف وجلس الى جانبي رجل ما، فهذا يشعرني بالحرج ويقلق رحلتي كلها». ومع أن الخيار الأنسب كان تخفيف وزنها إلا أن مهى لجأت الى الحافلة والقطار كونها تستطيع دفع ثمن تذكرتين إذا لزم الأمر، «بينما لن يكون بمقدوري شراء تذكرتي طائرة في الدرجة السياحية أو شراء تذكرة في الدرجــة الأولى لتجنب الإنزعاج». يذكر أن الباحثين في مجال البدانة حذروا في بحث طبي جديد نشرته مجلة «نيوساينتست» العلمية، عندما تابعوا عامل الجسم الكتلي الذي يقيس الوزن تبعاً للطول، أن الشخص الذي يبلغ طوله 180 سنتيمتراً ووزنه 126 كيلوغراماً يعتبر بدينا، كما الشخص الذي يبلغ طوله 150 سنتيمتراً ووزنه 88 كيلوغراماً، فعامل الجسم الكتلي في الحالتين يصل إلى 39، ويعد الشخص بديناً إذا تجاوز هذا العامل 30 أو أكثر».