القاهرة من محمد أبو زيد: نواصل في هذه الحلقة فتح ملف جيل الستينيات في مصر، فيتحفظ الروائي ادوار الخراط على لفظة جيل، ويعتبرها لفظة غامضة ومعممة، ويرى أن كتاب الستينيات ظاهرة أسماها «الحساسية الجديدة». وعلى هذا النحو يرفض الشاعر ابراهيم داود فكرة الأجيال، مؤكدا انها تقدم تصنيفا غير صحيح، ويعزي الكاتب يوسف أبورية نشأة هذا الجيل إلى يحيى حقي ومجلة «المجلة»، وعبد الفتاح الجمل وملحق صحيفة «المساء».
وتستنكر الناقدة الدكتورة شيرين أبوالنجا الاتهامات الموجهة لجيل الستينيات، وترى أن السياسة وحدها لم تصنعه، بل يجب النظر اليه في سياق عصره وبشكل شامل، وتعتقد الشاعرة هدى حسين ان ثمة علاقة أساسية بين الستينيات والأجيال اللاحقة لعل أبرزها فكرة التأصيل للمدارس الأدبية، وترجع الفضل في ذلك الى جيل الستينيات.. وإلى تفاصيل التحقيق.

يقول الناقد والروائي ادوار الخراط ان «جيل الستينيات» لفظة غامضة ومعممة، وأن المسألة ليست مسألة جيل، بل هناك ظاهرة أسماها بظاهرة الحساسية الجديدة، وهذه الظاهرة هي التي اصطلح على تسميتها بجيل الستينيات والتي اتخذت منبرها الأول والأساسي في مجلة «جاليري 68».
ويشير الخراط الى أن هناك اختلافات بين أبناء هذه الظاهرة، ولكن ما يجمع بين أبناء هذه الظاهرة ـ أو الجيل ـ هو تغيير أو تجدد طرق ورؤى العلاج والتناول الأدبي والشعري من النمط التقليدي الذي يعتمد على التسلسل الزمني المضطرب وعلى تتابع الأحداث بشكل يبدو، أو يقصد به أن يكون محكما ومنطقيا، وأن تكون لغته واضحة وقوية أو سلسة على السواء، اضافة الى نمط آخر جديد هو كسر التسلسل الزمني وكسر الحبكة أو كسر سيادة اللغة التقليدية، لافتا الى ان تلك الظاهرة الستينية قامت بهذه المهمة فمهدت الطريق لظهور ظواهر وابداعات جديدة في الأدب العربي والمصري المعاصر.
ويوضح الخراط انه لا يمكن الفصل بين الظواهر السياسية والثقافية، فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، ولا شك ان ظاهرة الحساسية الجديدة (جيل الستينيات) كانت على صلة وثيقة بالتطورات والأحداث السياسية الدرامية التي حدثت في تلك الفترة، وعلى الأخص هزيمة 1967، وكان هذا الجيل قد استشرف هذه النكسة أو أحس بإرهاص لظهورها نتيجة لوعيه المرهف لغياب البنى والرؤى الديمقراطية، وكان من أثر هذا الغياب أن تمخض هذا الجيل عن هذه النكسة.
ويضيف الخراط أن القارئ ـ لهذه الأسباب ـ يحس في كتاباتهم المبكرة، حتى قبل 1967، بنغمات من التشاؤم والتحذير والنذير الى آخر هذه الظواهر التي اتصف بها أدبهم.
ويرفض الخراط مقولة «نحن جيل بلا أساتذة» التي أطلقها جيل الستينيات معتبرا انها انطلقت من مبدع خاص، له تميزه الخاص ـ وهو محمد حافظ رجب ـ لكن هذه المقولة لا تنطبق على الجيل لأن هناك في الحياة الأدبية شائعات غير حقيقية اكتسبت مصداقية من كثرة تردادها.

* تصنيف متأخر
* ويقف الشاعر إبراهيم داود ضد فكرة الأجيال، مؤكدا أنها تقدم تصنيفا غير صحيح، فعلى الرغم من انتماء كاتبين كمحمد البساطي وإبراهيم أصلان تجييلياً الى هذا الجيل إلا انهما يقدمان كتابة شابة وجديدة، ومعنى أن هناك تقسيما جيليا ان هناك في مصر ستة أجيال منذ فترة الخمسينيات مع ان المعيار الحقيقي لتغيير الأدب، ولجودته هو القارئ في النهاية وليس التصنيف، فالقارئ عندما يشتري أي كتاب لا يسأل الى أي جيل ينتمي هذا الكاتب، ملمحا الى أن كاتب الستينيات الحريص على أن يظل كذلك على خطأ.
ويرى داود ان لفظة «جيل الستينيات» انطلقت مع مجلة «غاليري 68»، وهي المجلة التي قام عليها ادوارد الخراط وجميل عطية ابراهيم وحسن سليمان وأحمد مرسي وكانت أول رد فعل على نكسة 1967، وكانت تطرح تقنيات جديدة في الكتابة، وروح مختلفة للأدب عن السائد قبل ذلك، وكانت هذه المجلة متنفسهم الأول للرد على هزائم نفسية ومجتمعية، وكانت تجمعهم نظرة مختلفة عن الأدب الديماغوجي المحرض المصنوع بالطلب، وكانوا يتعاملون مع الكتابة بشكل مختلف، وكتبوا أدبا مصريا رفيع المستوى منهم من استمر في طريقه، ومنهم من غير وجهته، ومنهم من توقف في الطريق، ومنهم من مات، ملمحا الى ان هناك أناسا استفادت من فكرة انهم ينتمون لجيل الستينيات من دون أن يقدموا ما يؤهلهم لذلك.
ويشير داود الى أن معظم كتاب هذا الجيل لم ينتشروا إلا في السبعينيات والثمانينيات، حتى التصنيف جاء في السبعينيات، وقد جمعهم في تلك الفترة انتماؤهم لشريحة اجتماعية واحدة والازدهار الذي كان حاصلا في حركة النشر، كما ان المناخ في ذلك الوقت أفرز كتابة ليست مماثلة لما قبلها، وهو ما تمثل في قصائد سيد حجاب، وأمل دنقل، والابنودي وغيرهم وقصص جميل عطية ابراهيم وابراهيم أصلان ومحمد البساطي ويحيى الطاهر عبد الله، وقد استوعبت مجلة «غاليري 68» أبناء هذا الجيل فظهروا وكأنهم سلطة معنوية، وليس سلطة سياسية، وقد قالت هذه المجلة ان هناك كتابة جديدة لافتا الى ان هناك طوال الوقت كتابة جديدة قبل الستينيات أو بعدها، الآن أو في المستقبل.
ويرفض داود فكرة ان هناك جيلا أفضل من آخر، وما ميز جيل الستينيات هو أنهم كانوا يكونون جوقة واحدة، ومؤمنين بآراء سياسية كبيرة، وكانت مصر داخلة على مرحلة ضخمة من البناء، مؤكدا انه يرفض في نفس الوقت ان يتعامل معهم على انهم شخص واحد، لأن هناك تفاوتا على جميع المستويات الأدبي والسياسي، فمنهم من حافظ على توجهه وولائه السياسي، ومنهم من لعب على كل الأحبال.
ويعتقد داود ان أثر السياسة في الفترة الناصرية على كتاب الستينيات لا يختلف عن أثرها على بقية فئات المجتمع في ذلك الوقت، فالعمال كانوا يتكلمون في السياسة، والفلاحون، وكل الطبقات لأن السياسة كانت شريكا في حياة الناس، وبعض الكتاب ظهرت السياسة في أعمالهم، وبعضهم لم تكن مادة لأعمالهم.
ويرى داود ان ظروف كل جيل من الأجيال التالية هي التي تحدد علاقته بالأجيال التالية، فالسبعينيات غير الثمانينيات، غير التسعينيات، ويقول «أنا وأصدقاء كثيرون أقرب أصدقائنا إلينا من الستينيات، ولا أتعامل معهم على انهم من جيل مختلف، وقد نلتقي في لحظة من الحياة، ولا يوجد أحد مشغول منا بفكرة التجييل»، ملمحا الى ان تيار الكتابة المصرية حدثت به اشياء قدرية حددت تاريخه، ومؤكدا ان عنده ملاحظات على جيل الستينيات تماما كما عنده ملاحظات على جيله.
ويختتم داود كلامه منبها الى ان هناك من يعاملهم على انهم سلطة رغم ان هناك اشخاصا في جيله أكثر سلطة منهم وأن التفاوت الحاصل ما بين الاجيال مرده انه لا توجد معارك كبيرة في الوسط الثقافي.

*صوت الجماعة
* من ناحيته يقول الروائي والقاص يوسف أبورية ان جيله كان ألصق الأجيال بجيل الستينيات، والأقرب اليه، واستكمل الجيلان مشوارهما معا، وعندما دخل جيل السبعينيات الذي ينتمي إليه أبورية الحياة الأدبية لم يكن أي كاتب من جيل الستينيات قدم أكثر من مجموعة قصصية أو رواية، وان كان قد بدأ زحفه، وتميز بسمات خاصة جعلته يختلف عن الأجيال السابقة عنه.
ويضيف أبورية ان الذي شارك في تقديم جيل الستينيات ثلاثة مصادر نشر، هي مجلة «المجلة» تحت اشراف يحيى حقي، وملحق «المساء» تحت اشراف عبد الفتاح الجمل الذي ساعدهم كثيرا، بل ان كثيرا منهم أهدى أعماله الأولى للجمل، كما بدأت مع الستينيات فكرة النشر المستقل، وأبرز تجاربها مجلة «غاليري 68» والتي كانت تتسم بصوت الجماعة، وربما يعود هذا الى اطلاق اسم جيل عليهم فقد كانت الكتابة قبلهم ظاهرة فردية وتحولت معهم الى اوركسترا.
وأسباب هذه الظاهرة (العزف الجماعي) يردها أبورية الى عدة أسباب ربما منها انه لم يستطع واحد ان يقدم التجربة منفردا أو أن يحملها بمفرده بحيث أصبحوا يلوذون ببعضهم بتناقضاتهم وخلافاتهم وان ظلوا حريصين على التسمية.
ومن أبرز أفكار الستينيات التي يرصدها أبورية فكرة النشيؤ وتأثرهم بالكتابة الغربية، وفكرة الواقعية الجديدة التي قدموها وتختلف عن واقعية الآباء، والاحتفاء بالمكان في أكثر من عمل، وأبرز تجارب الستينيات مختلفة عن تجارب آبائهم مثل تجربة اللامعقول والعبث.
ويرى أبورية ان كتاب هذا الجيل لم يصبحوا نجوما مثل السابقين عليهم (العقاد، المازني، طه حسين) لعدة أسباب منها رغبتهم في التمرد على الآباء، بالاضافة الى الهزيمة التي أحدثت شرخا فيهم، ومن هنا حدث نوع من التهميش لهم، فلم يتحولوا الى كتاب الاهرام الكبار، ولم تعترف السينما بهم إلا أخيرا، وما حدث من شهرة لبعضهم كان بالجهود الفردية، وبطريقة الجزر المعزولة وكل حسب درجته وقربه من المؤسسات الثقافية، وربما جعلهم هذا التهميش يلوذون ببعضهم، فكونوا ما يسمى بالجيل، أو بالكتلة، ثم حدث بعد ذلك الخروج الفردي، ولذلك ظل الحنين الى الماضي شيء جميل بالنسبة لهم، ومنهم من هو انتهازي ومنهم من ظل على مبدئه، ومنهم من تأثر بفكرة المعتقل سواء دخله أم لا، فتحولاتهم مرتبطة بتحولات المجتمع المصري كله.
ويشير أبورية إلى أن هذا الجيل ينتمي بأكمله الى الطبقات الفقيرة، فمنهم من ذهب للعمل في السد العالي، ومنهم من جاء هاربا من قريته في أقصى مصر بلا عمل، ومنهم من لم يكمل تعليمه ومنهم من عمل في النسيج، وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر مع جيل أدبي، وهذا باعتقاده احدى تجليات الفترة الناصرية، وهو ما لم يتكرر بعد ذلك، فنحن ندخل الآن على مرحلة أولاد المنعمين وأصبح الفقراء يسمون بالمهمشين تأدبا، مؤكدا ان جيل الستينيات اذا كان اختلف مع الناصرية فهم رغم ذلك ابناء هذا المشروع بتحولاته وانقلاباته وان خلت كتاباتهم من التهليل والهتاف والتبشير للناصرية، هم ضحية من ضحايا الهزيمة.
ويعتقد أبورية ان سيطرة جيل الستينيات على المؤسسات والمناصب أمر طبيعي، فمصر تعاني بشكل عام من سلطة شائخة، فهم يعاملون من قبل المؤسسة على انهم كتاب شباب رغم انهم ودعوا هذه الكلمة من زمن على المستوى البيولوجي، مؤكدا ان التعميم في اتهامهم بالارتماء في حضن السلطة ليس صحيحا، فمن جيل الستينيات من وصل الى سن المعاش ويكتب مقالا ليزود دخله ومنهم من يرفض الجوائز، ومنهم من سيطرت عليه المؤسسة ويأكل على كل الموائد من القومية الى الناصرية الى الحكومة، ومنهم من تحول من شاعر يردد أشعاره الطلبة الى النقيض، ومنهم من تخلى تماما ورفض فكرة انه كان يوما يساريا، وبعضهم له في كل مقام مقال، وشيء طبيعي ان يكون هناك صف ثان وثالث، ومشكلتهم ان الاجيال السابقة عليهم قهرتهم فقهروا من تلاهم، وهذا منطق الأمة العربية كلها.
والمزعج في أمر جيل الستينيات كما يلاحظه أبورية هو رفضهم وانكارهم لأهمية أدب الجيل اللاحق عليه مباشرة، مع انهم اعترفوا بأدب أجيال لم تتحقق بعد لتظل هناك حلقة ناقصة مع ان هذا الجيل اللاحق لا يقل تأثيرا ـ والكلام لأبورية ـ عما أنجزه جيل الستينيات، ولكن يبدو انهم يبحثون عن مريدين وهو ما يقبله الأصغر سنا، ولا يقبلها من لا يقبل الوصاية، وليس معنى ان السادات اطلق الفساد وان عصره كان فاسدا ان يحمل جيل السبعينيات في مصر سمات هذا العصر، بل ان جيل السبعينيات نشأ في ظروف أصعب، ووجد ان آباءه قد شرختهم السياسة وهاجروا ولا توجد أية منابر للنشر.

*حكم الخبرة والسن

* وتبدأ الناقدة شيرين أبوالنجا بقولها: أنا ضد الاتهامات الموجهة الى جيل الستينيات، لأني لا أفهم كيف بعد 30 عاما نبدأ في توجيه اتهامات لجيل كان جميعه جيل رواد، وكانوا جزءا من السياق الحادث في ذلك الزمن، تماما كما نحن نشكل جزءا الآن من السياق الذي يحدث في هذا الوقت، والسياق اختلف حتما، ولو اننا لنا تحفظات عليهم الآن، فلا بد أن نفكر في البداية في الفترة الزمنية التي نشأوا فيها، واعتقد اننا لو كنا في زمانهم لفعلنا مثلما فعلوا.
وتعتقد شيرين أبوالنجا ان السياسة لم تصنع جيل الستينيات، لكن كانت على أيامهم سياسة حقيقية، «كل شيء كان حقيقيا، حتى المعارك الأدبية»، مشيرة الى انها تتمنى لو عاشت تلك الفترة وان تكون جزءا من الحركة الطلابية في السبعينيات، «في أي وقت إلا الآن لأنه الأسوأ».
وتشير أبوالنجا إلى ان سيطرة جيل الستينيات على الحركة الثقافية الآن في مصر، من مؤسسات ومجلات بحكم الخبرة والسن، مطالبة بألا يتم النظر الى الحركة الثقافية من خلال المناصب، لأن المناصب لا تصنع مبدعا بالتأكيد.
وتقول شيرين أبوالنجا إن الحركة النقدية في الستينيات لم تكن بالثراء النقدي الحادث الآن، لكن نقاد الستينيات علموا الاجيال التالية، بالاضافة الى ان في جيل الستينيات اسماء لا يمكن اغفالها مثل علي الراعي وعبد القادر القط وغيرهما، حتى ولو كانت لنا ملاحظات عليهما، وليس معنى أني تطورت نقديا أو اختلفت ان اتهم من هم قبلي بالقدم، وعدم التطور، بل يجب النظر إليهم في سياق عصرهم.
وتضيف أبوالنجا اذا كان البعض يتهم جيل الستينيات بأنه جيل النكسة، فأي جيل نحن اذن، نحن جيل اللاشيء، الجيل الذي بلا مؤسسات ثقافية، ولا حركة نقدية، ولا جماعة أدبية.
وترفض أبوالنجا فكرة المجايلة مؤكدة انها فكرة غير حقيقية، وممثلة بالكاتبة بهيجة حسين التي تنتمي الى جيل السبعينيات، ورغم ذلك أصدرت أعمالها في فترة التسعينيات وهو ما أوقعها بين الجيلين مؤكدة ان الابداع الحقيقي هو الفيصل في النهاية.

* تأصيل المدارس الأدبية
* وتعتقد الشاعرة والروائية هدى حسين ان أهم ما حققه جيل الستينيات هو تأصيل فكرة المدارس الأدبية، وترسيخها بحيث أنها صارت مثل أبنية متينة ويكاد المرء يقول مكتملة، وهذه ميزة عظيمة، لأن وجود أبنية بهذا الاكتمال يثير إرادة الاجيال التالية تجاه هدمها.
وتظن حسين أن اكتمال الأفكار حول المدارس الأدبية مع الستينيات ساعد السبعينيين، بالإضافة الى نكسة يونيو (حزيران) وظهور حركة مايو 68 في النبش حول الافكار المكتملة بهدف التشكيك فيها، هذا التشكيك الذي جاء على استحياء، ويمكن ان نراه في الكتابات السبعينية من خلال محاولة للخروج من عباءة الآباء مع الاعتراف بأبوتهم، وبالتالي الخروج عنهم بخوف، وبدون معرفة الخروج الى أين، وهذا الخروج قد اكتمل الآن مع الثمانينيات والتسعينيات بحيث أننا بحاجة الى هدم آخر الآن.
ولا تعرف هدى حسين ان كانت تشعر تجاه جيل الستينيات بالأبوة أم لا، مشيرة الى انها تعتبر ان لها آباء وأمهات وأخوة وأبناء في العالم كله فهي تعتبر مثلا ان ألفريدد وفيني وجيرار من دونير فال ويحيى الطاهر عبد الله، وميشيل بيتور، وآني ارنو، ومارغريت دوراس ونوال السعداوي وسلوى بكر وأمل دنقل وتوفيق الحكيم وأبوالقاسم الشابي وغيرهم الكثير آباؤها وأمهاتها، ولا تتحدد في ذلك بمكان ولا زمان ولا تيار أدبي وما شابه، بل عبر ما تشعر به تجاه كتاباتهم من أنها ورثت شيئا منهم، أو تحب ان تكون ورثت شيئا منهم كما تقول.
وتضيف حسين: ويمتد آبائي وأمهاتي الى متون الاهرام وحكايات البغبغان، بل والى حضارة المايا أيضا، ولهذا فأنا لا أشعر بأبوة جيل محدد لي، وبصراحة كنت أتمنى ان أكون موجودة في العصر الجليدي وفي آسيا أيام بوذا وفي جبال الأوليمب وفي عهد ايزيس واوزريس، وهناك أزمنة وأمكنة كثيرة كنت أتمنى أن أكون فيها، كنت أتمنى مثلا أن أكون موجودة في اسبانيا قبل الفتح الاسلامي، وفي مصر القبطية وفي عهد مارتن لوثر، أما عن جيل الستينيات فأعتقد أني كنت أتمنى فقط أن أكون حاضرة أثناء مايو 1968 وفي مظاهرات الطلبة سنة 72.
وتعتقد حسين أن السياسة كان لها دخل كبير في أغلب أعمال هذا الجيل، فقد كان الأدب والتاريخ والسياسة كأنما خرجت من بطن أم واحدة، مشيرة الى ان موضوع ركوب السياسة للأدب موضوع يحدث في كل الفترات التي تكون فيها حروب استقلال ضد استعمار ما، وهذا أمر طبيعي، غير الطبيعي ان نرثه، وكأنما لو لم نكتب أدبا ملتهب العواطف الوطنية يتم نعتنا باللامنتمين وغير الوطنيين، وأننا ليس لنا قضية كبرى وأننا تطبيعيون ولا أخلاقيون، فالآن هناك الكثير من القضايا وليس قضية واحدة، ثم ان الأدب الميكروفوني لم يعد له وجود تقريبا، ونحن أبناء اللحظة الفلسفية الذهنية الذاتية الهامسة أكثر من أبناء اللحظة الشعبية الجماهيرية، وكلنا نعرف الآن انه لم تعد هناك قصيدة تحدث ثورة، والكل لاه في أكل العيش.
وتشير حسين في نهاية كلامها الى أنها ليس لها انتقادات على جيل الستينيات، كما أنها ليس عندها أية انتقادات على أي جيل، لأننا اذا تحدثنا عن أجيال أصلا فإننا بالدرجة الأولى عن علاقة الأدب بالتاريخ الذي نشأ في زمنه والسياق الاجتماعي والسياسي الذي أحاط به، وكل جيل بالتالي هو انجاز منه.
كل ما ترجوه هدى هو «أن يتركنا الجميع بدون أن يرغبوا في أن يجعلونا أبناء أزمانهم هم، هذا إن كانوا مصرّين على تصنيفة الأجيال هذه».