وضاح يوسف الحلو: جميعنا، كتاب، شعراء، رجال فكر، مثقفون... نشكو من مشكلة النشر وإن تكن حركة الطباعة من كتب وإصدارات ناشطة، علماً أن حركة النشر العربي لا تقاس البتة بمثيلتها في الغرب.
تقول الاحصاءات إن أول كتاب طبع في أوروبا عام 1440 على يد غوتنبرغ، وأول كتاب نُشر عربياً كان في مطبعة قزحيا (لبنان الشمالي) عام 1560 تلتها مطبعة حلب عام 1710. وفي مصر حملت بعثة نابوليون معها أول مطبعة اهلية عام 1898 لتأتي بعدها مطبعة بولاق، زمن محمد علي. واول كتاب تداولي طبع في الغرب كان عام 1515.
أمام هذا المشهد التاريخي تتأرجح دور النشر في العالم العربي بين سيىء وأسوأ، علماً أن عدد العناوين يصل عالمياً الى مليون وثلاثمئة ألف عنوان، في قدرة طباعية تصل الى نحو عشرين مليار كتاب. ورغم أن العولمة الثقافية تهب من الولايات المتحدة الاميركية فأن أكثر من نصف العناوين العالمية يطبع في أوروبا. وتشير الإحصاءات كذلك الى أن كتب الأطفال تشكل 6% من مجموع الكتب الصادرة، و27% نسبة الكتب المدرسية، والباقي موزع على موضوعات متنوعة.
ثمة مشاكل عديدة في صناعة الكتاب العربي، منها أن مؤلف الكتاب هو الذي يدفع للناشر عوض أن يستوفي منه، حتى أن مشروع مكتبة الأسرة أو القراءة للجميع ترك آثاراً سلبية على عمل الناشرين، لأن القراءة للجميع تطرح الكتاب في سعر رمزي الى حد أنها ضربت الناشر الخاص. والبعض يقول إن هذا الكلام عشوائي وفوضوي الرؤية لأن مشروع مكتبة الاسرة يعد أهم مشروع ثقافي وعربي يردّ الى المطالعة رونقها البهي، مثلما يعيد عدداً كبيراً من المترددين الى حظيرة الفكر.
الى ذلك، هناك مشاكل معقدة جدا بين الناشر ومؤلف الكتاب. فثمة مؤلفون ينتقدون الناشرين وأصحاب الدور موجهين التهمة إليهم بأنهم لا يقرأون، أي أن الناشر مجرد مطبعجي .
وفي المقابل يرى الناشرون أنهم ضحية سياسة مغلوطة وخاطئة إذ يتكبدون الخسائر وحدهم في معظم الاحيان، علماً أن كتب فنون الطبخ وحدها مربحة وكثيرة الرواج. وهناك عقود توقع أحياناً بين المؤلف وصاحب دار النشر كأن يحصل المؤلف على نسبة مئوية من الكتاب مع تحميل الناشر كل الاعباء المالية، وتصل هذه النسبة الى 6% في لبنان، 9% في مصر و8% في المغرب. فضلا عن حالة تعاقد أخرى، كأن يدفع الناشر للمؤلف مبلغاً مقطوعا سواء كان الإصدار عشر نسخ أو عدة طبعات لعدة سنين، وفي الحالتين يتحمل الناشر كل الأعباء. وفي أحيان كثيرة يتمّ توقيع عقد اقتسام الربح بين المؤلف والناشر بعد اقتطاع تكاليف الطباعة المدفوعة سلفاً من دار النشر.
الغريب في لبنان والعالم العربي أن قوانين حماية الإرث الثقافي والملكية لا تطبق، كما لا توجد موازنات مخصصة في جهات أو مؤسسات أو وزارات تشجع المؤلفين. وزارة الإعلام في لبنان تشتري خمسين نسخة من المؤلف بمبلغ رمزي مقطوع، أما الوزارات أو المؤسسات الأخرى فتشيح بنظرها عن دعم المؤلف.
هذا في لبنان، أما في الدول العربية الأخرى فغير جليّ الواقع الفكري والثقافي الذي يتعامل المؤلف على أساسه مع مؤسسات هذا البلد أو ذاك. البعض يرى أن وظيفة الوكيل الأدبي غير موجودة في العالم العربي، في حين أن هذه الوظيفة موجودة في الدول الصناعية إذ ثمة من يلعب دور الوسيط بين الناشر والمؤلف.
في أي حال، يستمر المثقف العربي في صراع مع التوتاليتارية المسيطرة في العالم العربي، ويبقى الكاتب فرداً على الهامش.
التعليقات