قال سياسي عربي جرّب قبل عقود لعبة القصر والسلطة والأختام والانقلابات, إن لقصر الحكم سحراً لا يدركه إلاّ من جربه, وان الحاكم يصعب أن يصدّق أن لولايته نهاية حتى وإن كان منتخباً. وأضاف ان الحاكم لا يستطيع التسليم ببساطة أن ساعة مغادرة القصر دنت, ويراهن دائماً على وقت اضافي يأمل بأن ينجز فيه ما تعذر انجازه في الوقت السابق.
رأى أن كتابات الصحافيين تتسم بقدر كبير من المثالية, لأنهم لم يجربوا لذة الإقامة في السلطة والقدرة على التأثير في مصائر الأرزاق والأعناق. واعتبر أن الدستور يتحول في غالب الأحكام قيداً يغل رغبة الحاكم, لهذا تراوده رغبة في تطويعه. ولفت إلى أن أوروبا شيء آخر وتقيم في مرحلة أخرى, مشدداً على أن لقب الرئيس السابق مشبع بالمرارات في عالمنا, لهذا لا يحب سيد القصر هذا اللقب وفي بلادنا لا يتقاعد الحاكم.
وكان السياسي يعلّق على بعض المقالات التي ظهرت في "الحياة" وصحف أخرى لمناسبة التمديد للرئيس اميل لحود. سأترك كلام السياسي العربي أمام محكمة القارئ فواقعيته الشديدة تحتاج نقاشاً طويلاً.
بغض النظر عن سحر الإقامة في القصر ومرارة الفوز بلقب الرئيس السابق, ليس من حق الرئيس لحود أن تكون السنوات الثلاث المقبلة من عهده شبيهة بالسنوات الست الماضية. إعلانه رغبته في تمديد ولايته أو استعداده لتحمل عبء تكليف من هذا النوع يلزمه بأن يكون مختلفاً. ليس فقط بسبب المناخات التي رافقت التمديد, بل أيضاً وقبل ذلك, لأن الوضع في لبنان لم يعد قادراً على الاحتمال.
من حق اللبنانيين على الرئيس لحود أن يتوجه إليهم لاقناعهم أو استرجاعهم. من حقهم عليه أن يعيد اطلاق الآمال ببناء دولة المؤسسات. من حقهم عليه أن يطوي صفحة ويفتح صفحة كما وعدهم بالأمس. وبكلام أوضح ان الحديث عن انجازات على الصعيد الاستراتيجي لا يكفي, على أهميته, لأن الناس تريد انجازات على صعد أخرى. إن اللبنانيين يتوقون إلى قيام دولة تستحق هذه التسمية ومؤسسات تلعب دورها وفقاً للدستور. يريدون معالجة جدية للأزمة الاقتصادية بعيداً من التجاذبات الشخصية والممارسات الكيدية. يريدون أجهزة تسهر على الأمن ولا تفتئت على حريات الناس ولا تسعى إلى كتابة مانشيتات الصحف أو تخويف كاتبيها. يريدون قضاء لا يمكن تكييفه أو توظيفه طبقاً لتقلبات الرياح السياسية.
وبوضوح أشد يريد اللبنانيون أن يحتكم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى الدستور وان يلتقيا في رحابه من دون أن يحاول أحدهما الاستقواء على الآخر أو تفخيخ طريقه. من هنا فإن الحكومة الجديدة يجب أن تشكل في ظل اسلوب آخر في إدارة الشأن الداخلي وبعيداً عن جروح المرحلة السابقة - وبعيداً عن مشاعر الانتصار أو تصفية الحسابات أو الثأر عبر فتح الملفات. والمجلس الذي مدد ولاية الرئيس لحود يجب أن تترك له حرية اختيار رئيس الحكومة بلا شروط أو قيود.
المطلوب ترميم صورة الدولة. وترميم الوفاق الوطني. وهذه المهمة تفترض الاعتراف بالخطأ والاتسام بالرحابة والاستعداد لاتخاذ قرارات صعبة. إن الكلام الذي نقل أمس عن الرئيس لحود يصب في هذا الاتجاه, لكن العبرة تبقى في ترجمته ممارسات يومية.
التعليقات