اصرار غالبية اللبنانيين على رفض بقاء رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في موقعه بعد انتهاء ولايته خلافا لنصوص الدستور وروحه، لم يكن سببه فقط التمسك بالديموقراطية والحرية. ولم يكن سببه فقط ايضا الحرص على ممارسة حد ادنى من الاختيار السياسي وخصوصا بعدما صادرت الحياة السياسية بقرار او على الاقل بايحاء من الراعي الاقليمي للبنان، جهات محلية اعتبرت نفسها وكيلا حصريا له لا حليفا، له مصالح تختلف احيانا عن مصالحه وله حق المناقشة والاعتراض. ولم يكن سببه فقط ثالثا ايقاظ الخوف عند الغالبية المذكورة على التوازنات السياسية والطائفية والمذهبية الدقيقة في وطن مركّب وبالغ التعقيد مثل لبنان، بل على الكيان نفسه في ظل اعادة النظر الدولية وتحديدا الاميركية في اوضاع المنطقة وكياناتها، وفي الوقت نفسه في ظل محاولة الدول الكبرى فيها سواء بالجغرافيا او بالدور السلبي، تعزيز اوضاعها قانوناً ، او بفعل امر واقع دولي جديد على حساب الدول الاصغر واحيانا الافقر. ولم يكن سببه فقط رابعا فشل عهد لحود في الوفاء بالوعود التي اطلق، سواء السياسية او الاصلاحية او الوطنية، طبعا باستثناء تحرير الجنوب الذي يقتضي الانصاف الاعتراف بان دور شركائه فيه المحليين والاقليميين كان اكبر من دوره، رغم وجود هذا الدور.
بل كان سبب اصرار الغالبية المذكورة من اللبنانيين على رفض البقاء المشار اليه، الى ذلك اقترابها من اليأس بعد احباط تراكم عندها منذ بداية تطبيق اتفاق الطائف وعلى كل الصعد ورغبتها في رؤية رئيس جديد في قصر بعبدا اي رئيس، باعتبار ان الرئيس المطلوب اي الذي يمتلك المقومات الشخصية الاخلاقية والوطنية والقومية لا يمكن وصوله الان او ايصاله الى حيث يجب. والهدف من ذلك هو ان الرئيس الجديد يعطي املا في تغيير ما للناس، وخصوصا خلال الاشهر الستة الاولى من ولايته. وطبيعي ان ينعكس ذلك ايجابا على كثير من الاوضاع الداخلية المتردية، ولاسيما المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. في حين ان بقاء الرئيس القديم يحبط اي امل ليس في التغيير المستحيل لاسباب اقليمية، ولكن في التحسين بعدما خفّض اللبنانيون سقف طموحاتهم. وكيف اذا كان هذا الرئيس، وباجماع الناس وباعترافه، فشل في تحقيق اي انجاز على صعيد الداخل.
كيف يمكن تعليق يأس الناس او احباطهم المشروح اعلاه؟
يعتقد بعض المتابعين الاوضاع ان فترة السماح او امل الحد الادنى او تقليص اليأس او الاحباط غير الموجودة مع الرئيس لحود، يمكن ان توفرها الحكومة الاولى في النصف الممدد لولايته. الا ان شرط نجاحها في ذلك هو الا تكون حكومة المنتصرين على الخاسرين، علما انه لم يعد في وسع احد تحديد من هو خاسر على المدى البعيد بعد التطورات الدولية الاخيرة المتعلقة بلبنان. وهو ايضا، ألا تكون حكومة اللون الواحد او الخط الواحد وإن وطنيا ، لان احدا لا يملك ان يحدد من هو الوطني ومن هو غير الوطني في البلاد ولاسيما بعدما تلاقى قبل صدور الارادة السامية بالتمديد، الرافضون له من الوطنيين وغير الوطنيين بحسب راشيتة الاوصاف في لبنان. وهو ثالثا ان تضم الممثلين الفعليين لكل مكونات الشعب اللبناني. وهو رابعا ان تتصرف بسلطة اجرائية رئيسها هو رئيس مجلس الوزراء وان تحترم الدستور بالتمسك بصلاحياتها وبرفض مسها من اي جهة وان رئاسة الدولة وان الحليف والشقيق السوري.
في اختصار ان هذه المواصفات المحددة على سبيل المثال وليس الحصر هي مواصفات حكومة وحدة وطنية. واللبنانيون في اشد حاجة اليوم الى حكومة من هذا النوع لان الوحدة المذكورة غائبة، رغم ادعاء كثيرين العكس، ولان عدم وجودها سيبقى دائما عائقا امام اعادة بناء الدولة السليمة البعيدة عن الفساد على تنوعه.
ويعتقد البعض الآخر من المتابعين للاوضاع انفسهم ان حكومة اقطاب سداسية توحي الثقة وشمول التمثيل، يمكن ان توفر للبنانيين فترة السماح او تعليق اليأس والاحباط المشار اليها اعلاه. وبحكومة كهذه يمكن تلافي الشهوات الاستيزارية والمصالح الضيقة، والتركيز على القضايا والمشكلات الاساسية التي تفرق اللبنانيين، علما انهم عمليا متفقون على غالبيتها، بغية ايجاد حلول لها. وهذه الصيغة جربت في لبنان قبل الحرب التي بدأت عام 1975 اثناء ازمات كبرى ونجحت الى حد كبير في مهماتها.
هل الاعتقادان في محلهما وقابلان للتطبيق؟
هناك عائقان امامهما، الاول الاخبار المتسربة عن اللقاء الذي ضم البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ومجموعة قرنة شهوان والتي تشير الى رفض مبدئي للاشتراك في الحكومة الاولى للعهد الممدد له. اولا لان ذلك يعوض النقص في شرعية التمديد على الصعيدين القانوني والشعبي. وهذا ما لا يريده الفريقان. وثانيا لان الحكومة الجديدة وإن اشتركوا فيها، لن تنجح في احداث التغيير المطلوب. فالمكتوب يقرأ من عنوانه كما يقال. ولو كان الرئيس لحود راغبا في تغيير يقود لبنان في اتجاه حرية فعلية وديموقراطية فعلية وسيادة فعلية وحرب فعلية ضد الفساد والافساد لكان نجح في ذلك خلال ولايته الدستورية. ولو كانت سوريا راغبة في ذلك لكانت دفعته في هذا الاتجاه. وثالثا لان الحرب اذا جازت تسميتها كذلك بين التمديديين ومعارضيهم على تنوع موضوعاتها مستمرة. وهذا يفترض في المعارضين الاعداد للانتخابات النيابية المقررة في ربيع السنة المقبلة. ويفترض تاليا عدم مد التمديديين وحلفائهم بذخيرة اضافية عبر الاشتراك في الحكومة. مع الاشارة هنا الى مجموعة سياسية مهمة اخرى ترفض مبدئيا، على الاقل حتى الان، الاشتراك في حكومة جديدة هي اللقاء الوطني الديموقراطي الذي يتزعمه الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط.
اما العائق الثاني فهو سيد العهد الممدد له نصف ولاية وحليفته سوريا. اذ من يؤكد انهما مع حكومة اتحاد وطني ذات طابع تغييري اي اصلاحي على كل الصعد وان تدريجا وجزئيا؟ فهما ايضا يخوضان معركة اساسية في الداخل ومع الخارج بل ربما مصيرية وهما يعتبران المعارضين او غير التمديديين جزءا من الفريق الذي يواجههما في هذه المعركة، سواء بتنسيق مباشر او عبر التقاء المصالح وتقاطعها. وحتى الان لم يظهر من اي منهما رغبة حقيقية في جمع شمل حقيقي للبنانيين في حكومة واحدة، علما انه لا يزال مبكرا الجزم بذلك لان الحكومة الحالية لم تستقل بعد ولان الولاية الممددة لم تبدأ بعد.
طبعا قد يتحدث البعض عن عائق ثالث هو كون لبنان ساحة المعركة المذكورة وكون شعوبه ادوات فيها. وفي حال صح ذلك وهو صحيح قياسا على الماضي على الاقل فان لا مصلحة لاحد سواء من الجانب اللحودي الوطني واستطرادا السوري، او من الجانب الرافض التمديد ودور سوريا فيه وفي مشكلات لبنانية عدة بشقيه الداخلي والخارجي، في عدم ابقائه ساحة.
التعليقات