دارفور من محمد السهلي: أكثر من 330الف نازح هربوا من قراهم ومزارعهم في ولاية شمال دارفور إلى الفاشر عاصمة الولاية يتوزعون على 120مخيماً تفتقر للكثير من متطلبات المخيمات والتي تتمثل في الدواء والتحصينات العلاجية للأمراض الوبائية وتوفير الخيام والمأكل والمياه الصالحة للشرب.. كل هذه المتطلبات جعلت الحكومة السودانية وبالتعاون مع المنظمات الانسانية العالمية تهرع لنجدة النازحين والرفع من معاناتهم قدر المستطاع خاصة وأن فصل الخريف على الأبواب وهو الفصل الذي يعرف بانتشار الأمراض
الوبائية فيه وعلى رأسها حمى الملاريا. وفي مدينة الفاشر تلك المدينة التاريخية تعود بك الذاكرة الى الوراء لترسم لك صورة عما قرأناه عن الوالي السلطان علي دينار والذي يقال إنه كان يشتري كسوة الكعبة المشرفة من مصر ويرسلها الى مكة المكرمة والذي بقي قصره الأثري شاهداً على الحضارة الإسلامية في شمال دارفور.
نعود الى مخيمات النازحين ويعتبر مخيم أبو شوك وبه 42ألف نازح من أكبرها وأفضلها تنظيماً يليه مخيم زمزم 30الف نازح ومخيم المليطاء وشقراء ويعاني النازحون من مشكلة توفر المياه الصالحة للشرب في المخيمات، حيث يتم حفر آبار صغيرة داخل المخيمات، وهذه تكون ملوثة بمياه المجاري المحيطة بها وتعتبر نقاوة مياه الشرب من الأساسيات في مخيمات النازحين للحيلولة دون أمراض الإسهال والتسمم الغذائي، ولهذا بدأت المنظمات الاغاثية وعلى رأسها الإغاثة السعودية في حفر الآبار الارتوازية العميقة داخل المخيمات وفي القرى والأرياف التي لجأ إليها النازحون للحد من اعتمادهم على المياه الملوثة، ولكن في المقابل هنالك صعوبة للسيطرة على الوضع نظراً للعدد الكبير من النازحين.
في المقابل يرى العاملون في المنظمات الصحية أن دورات المياه التي أقيمت في المخيمات هي الأخرى تساهم وبحد كبير في نقل الأمراض والأوبئة نظراً لرداءتها وكونها مكشوفة من الأعلى وعدم وجود من يقوم على نظافتها، وفي الغالب يتجمع النازحون بالقرب من البحيرات المائية وهذه موطن للملاريا إذا طال البقاء عليها خاصة وأن الأطفال لا يتورعون في السباحة والشرب منها في آن واحد.
في ولاية شمال دارفور يبدأ حظر التجول عند الساعة 10مساءً وكون مدينة الفاشر تفتقر لإنارة الشوارع تتحول تلك المدينة العامرة بالحركة في النهار الى مدينة مظلمة الشوارع يصعب السير فيها بعد صلاة العشاء لارتفاع نسبة الاستعداد الأمني بها الى 45% مقارنة بولاية الجنينة 35% وولاية نيالا 25% وهي الأهدأ في التأهب الأمني والوحيدة التي ليس بها حظر تجوال كما في الفاشر يعتمد أهل الفاشر على التجارة وسوق الماشية وبيع الجلود ويستخدمون وسائل بدائية في تنقلاتهم ومنها الحمير والجمال اضافة الى السيارات.
ولا تزال أغلب شوارع الفاشر ترابية والطرق الموصلة للقرى القريبة منها كذلك غير معبدة مما يجعل استخدام الطريق البري من الخرطوم العاصمة إلى الفاشر 1400كم يستغرق 5أيام بالسيارات على أقل تقدير.
ويرى مواطنو دارفور أن الدول الأجنبية هي من وقف بجانب مليشيات المتمردين، حيث أوجدوا النزاعات ليتمكنوا من الوصول الى الاقليم الغني باليورانيوم والنفط، ولكنهم يحلمون بأن تزول الغمة ليعودوا إلى قراهم ومزارعهم التي نزحوا عنها خصوصاً وأن موسم الزراعة على الأبواب ويحتاجون إلى مساعدتهم في العودة الى قراهم ومزارعهم وإيجاد البذور وحفر الآبار وترميم البيوت التي دمرتها المليشيات أثناء المناوشات التي دمرت الأخضر واليابس.
وتدرس المنظمات الاغاثية مع الحكومة السودانية عملية توطين وتأهيل النازحين للعودة الى قراهم والكيفية التي يستطيعون العودة من خلالها الى سابق عهدهم وأهمها توفر العنصر الأمني، حيث إن السودانيين بشكل عام مسالمون ولا يريدون زعزعة الأمن بأي حال من الأحوال، ولكن الخوف من المليشيات التي يطلقون عليها المرتزقة والتي يرون أنها تدعم من الخارج.
ضعف الامكانات في الفاشر يجعل انقطاع الكهرباء بشكل يومي ولعدة ساعات شيئا مألوفا كذلك الهاتف والتشويش على استقبال الجوال عند وجود طارئ أمني، لهذا يلجأ أصحاب المحلات التجارية الى توفير مواتير كهربائية للطوارئ.
وبوجود المنظمات الانسانية العالمية تم توظيف عدد كبير من ابناء ولاية الفاشر وخصوصاً الكوادر الطبية ومن يجيدون اللغة الانجليزية للاستفادة منهم في الترجمة وازدهرت الحركة التجارية وسوق تأجير السيارات والمؤسسات.
وعندما يرى الأطفال ذوي البشرة الحنطية يقومون بمطاردتهم وهم يرددون (خواجي السلام) وعندما سألت من السبب قال مرافقي: هنا يتجمع الخواجات من الغرب العاملون في المنظمات الانسانية على الأطفال ومعهم الحلوى والملابس الرياضية والكور، ومن هذا المنطلق بدأ الأطفال يحبون الخواجة لقربه من همومهم بلمساته البسيطة والمؤثرة عليهم وهذا يدعو للقلق من عملية التنصير إذا عرفنا أن المنصرين يتبعون مثل تلك الأساليب في عمليات التنصير ويركزون على مساعدة الشباب والتقرب اليهم حتى يزرعوا البسمة على وجوههم، ومن ثم يوصلون رسالتهم التنصيرية وبكل سهولة يطرحون عليهم السؤال المر: أرأيتم كيف تخلى عنكم المسلمون؟
ومن هذا المنطلق يبدأ الشباب في التحول التدريجي تحت تأثير الحاجة والحجة الى الديانات الأخرى وليس هنالك بديل الا بتواجد إسلامي إغاثي يدعم هؤلاء النازحين ويقف معهم في محنتهم ليؤكد أن المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له كل الأعضاء.
- آخر تحديث :
التعليقات