تحقيق عباس الصبّاغ: الجامعة اللبنانية، وهي من ابرز رموز ثقافتنا الوطنية، مهددة اليوم في مستقبلها ومحاصرة بوعود رئاسية ووزارية وحزبية لم ترتقِ الى المستوى العلمي، بل بقيت نظريات فضفاضة في حاجة الى من ينقذها. آخر هذه الوعود، وعد من رئيس الجمهورية اميل لحود بمعالجة قضاياها. لكن الوعد لم يتحقق... على أمل تحقيقه في العهد الممدد له!
مشاكل الجامعة اللبنانية مزمنة ولا تنتهي: من الموازنة الى تفريغ الأساتذة ورواتب المتعاقدين وتعيينات مخالفة لقانون الجامعة وسلب صلاحيات مجلسها وجمع الفروع الاولى والثانية في المبنى الموحد في الحدث... والسلسلة تطول من انتهاكات وخرق قوانين وتوزيع مكاسب ومغانم وحصص. ولا ننسَ هيمنة القوى السياسية على الجامعة، والقوى المهيمنة هي طبعاً قوى السلطة المدعومة اقليمياً ... وتظهر نتائج الهيمنة على كل المستويات، بدءاً بتعيين العمداء وصولاً الى المديرين وحتى الموظفين... وكذلك في نتائج الامتحانات، وتدخلات الاشقاء من اجل تعميق العلاقات المميزة!
*صرخات استغاثة
الوعود كثيرة للتخلص من هذا الوضع، والخروق أكثر ولا من يهتمّ. فمسلسل ضرب الجامعة اللبنانية مستمر ومتواصل منذ أعوام، ومن دون تحرّك الا من أساتذتها، في حين ان تعزيزها ورد في دستور الطائف. علماً ان رئيسها الدكتور ابرهيم قبيسي أطلق، في مؤتمر صحافي عقده في 3 تموز 2003، صرخة استغاثة لانقاذها من الانتهاكات التي تصيبها، واعتبر ان الجامعة في خطر وتعيش معاناة لا تنقطع... نُعطى القانون ونُسلب الصلاحية بقرار... اننا نتمسك بجامعتنا تمسكنا بهذا الوطن، وتمسكنا بأخلاق مهنية صارمة، وتمسكنا بأهداف ليست لنا وحدنا بل هي هدف كل مواطن. سنواجه التحدي اليومي للجامعة بمزيد من الالتزام الاكاديمي والعلمي... . واعتبر قبيسي ان الانتقال الى المبنى الجامعي الموحد لا يمكن ان يتمّ قبل ان ينجز المبنى بكامله، و ان الجامعة تتخذ بعض القرارات الاكاديمية في توحيد بعض الاختصاصات، فيما القرارات الاخرى سياسية ليس من صلاحيات الجامعة بتها . وعلى رغم اطلاقه هذه الصرخة، فإن أحداً لم يحرّك ساكناً في وجه سلب الجامعة قرارها ومصادرة صلاحياتها منذ العام 1997. وكان قبيسي ناشد رئيس الجمهورية اميل لحود في احتفال في طرابلس ان ينقذ الجامعة وأن تعود اليها استقلاليتها... .
اضافة الى هذه الصرخة التي أطلقها رئيس الجامعة والصرخات التي يطلقها دائماً أهل الجامعة للتخلص من الغبن اللاحق بها، رفعت الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الى الرئيس اميل لحود في العام الفائت مذكرة جاء فيها: ان الجامعة اللبنانية هي محور تحرك رابطتنا، وهي المؤسسة التي تفتح امام مجتمعنا اللبناني المستقبل الأفضل(...) واذا كان معروفاً عند الجميع المصاعب التي يمر بها لبنان والديون المتراكمة عليه، فإن ذلك هو حجة أقوى للاهتمام بالجامعة وتوفير الموارد البشرية القادرة على النهوض بالاقتصاد . وتضمنت المذكرة عدداً من المطالب أهمها:
1 - حلّ مشكلة صندوق تعاضد الهيئة التعليمية بعد توقفه عن تقديم الخدمات الى الأساتذة.
2 - وضع موازنة الجامعة لسنة 2004 والتي لا تتجاوز 1.6 في المئة من مجموع الموازنة العامة.
3 - تحقيق المطالب الاصلاحية المزمنة ومنها: الاستقلال المالي والاداري والأكاديمي حسب ما نص عليه القانون75/67 المعطّل بسبب تعطيل مجالس الكليات والفروع ومصادرة صلاحياته من مجلس الوزراء.
وختمت المذكرة بمناشدة الرئيس لحود انقاذ الجامعة التي اعتبروها قاعدة دولة القانون والمؤسسات، ولا سيما انها تضم اكثر من 70 الف طالب و3500 استاذ و2000 اداري.
... وما زال الاساتذة ينتظرون تحقيق الوعود، وخصوصاً ان لحود قطع لهم وعوداً كثيرة ما زالت في الاطار النظري. لقد قصدنا جميع الرؤساء والمسؤولين. ولدى زيارتنا الرئيس لحود عام 2001 قدمنا له مذكرة وقد وعدنا الرئيس آنذاك بإعادة الصلاحيات الى المجالس التمثيلية، لكن للأسف لم ينفذ من الوعود شيء. هناك كلام على الاصلاح ومحاربة الفساد، لكن الكلام أمر والفعل مغاير لذلك ، بحسب عضو الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين الدكتور عصام خليفة. اما الدكتور بسام الهاشم فيؤكد أن هذه السلطة أغدقت علينا وعوداً كثيرة وهي التي عوّدتنا منذ بداية عهد الطائف الميمون ان تفرّق الوعود، لكن لم ينفذ اي وعد من الوعود الأساسية في أي يوم من الايام وخصوصاً في ما يتعلق بالمجالس الاكاديمية. اذاً من الواضح ان السلطة مستعدة أن تنفذ أي شيء ما عدا العمل وفق القانون . ويضيف الهاشم ان حكم القانون معطل وهذا الواقع يستمد ذرائعه من وجود تضارب بين القانون الاساسي للجامعة الرقم 75/67 والمرسوم الاشتراعي الرقم 122 الصادر عام 1978 لتنظيم الجامعة بعد الشروع في تفريغها. ومن هذا الالتباس او التضارب بين الاثنين تسرّبت يد السلطات الظاهرة والمستترة حتى تتصرف بأمور الجامعة على هواها وبما يتوافق مع مصالحها من دون الشعور حتى بتبرير تصرفاتها والاستناد الى أي مظهر من المظاهر القانونية .
عضو الهيئة التنفيذية الدكتور عبدالله زيعور يعلق على الوعود الرئاسية: لقد وعدنا فخامة الرئيس في ايجاد حل لقضية الجامعة ومطالب الاساتذة، وخصوصا الذين انتقلوا من ملاك الى آخر وكذلك مشكلة صندوق التعاضد ولقد لمسنا من فخامته ان القضايا الاجتماعية والمطلبية تحتل اولوية لديه وسنلتقيه مجددا(...) .
... وتحركات
وفي انتظار تحقيق الوعود، حاولت رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية انتزاع حقوق الجامعة والاساتذة عبر الاضراب المفتوح الذي لجأت اليه في العام الماضي (تشرين الثاني 2003)، بعدما استنفدت كل الطرق التفاوضية ، وسئمت من الوعود التي أغدقها الرؤساء، وخصوصاً الرئيس اميل لحود والرئيس نبيه بري... ورغم ان الاضراب استمر لأكثر من 50 يوماً، فإن السلطة تجاهلت مطالب الاساتذة وحاولت الايقاع بين الرابطة والطلاب، حيث صورت الاضراب موجهاً ضدهم. لكن طلاب الجامعة لبوا نداء الرابطة وشاركوا بالآلاف في تظاهرة 14 كانون الاول 2003 التي اعتبرت من أكبر التظاهرات الطالبية منذ ثلاثة عقود. في المقابل حاولت السلطة عبر الاساتذة المقربين منها في الرابطة احداث شرخ بين الاساتذة، وتصوير ان الاضراب لم يكن متفقاً عليه من جميع الاعضاء في الهيئة التنفيذية، وخصوصاً اثر تصريحات المسؤول الاعلامي السابق للرابطة والمقرب من الرئيس رفيق الحريري. علماً ان السلطة تجاوبت مع مطالب الرابطة نظرياً عند تخصيص جلسة مجلس الوزراء لبحث قضية الجامعة اللبنانية، التي انتهت بوضع المشروع الذي اخذ طريقه الى الصدور وما زال لغاية اليوم في طور المناقشة في مجلس النواب بعدما أحاله اليه مجلس الوزراء. علماً ان قرارات الحكومة لم تعبر عن تطلعات الاساتذة والطلاب في آن ولم يستطع مجلس الوزراء الا اعادة موازنة صندوق التعاضد ودفع مبلغ 2.3 مليار المختلف عليه، واكتفى بوعود من اجل اعادة الصلاحيات الى المجالس التمثيلية والحفاظ على استقلالية الجامعة والنظر في عقود التفرغ وادخال الاساتذة الى الملاك...
وبعد انتهاء العام الجامعي جرت انتخابات في الرابطة أوصلت معظم احزاب السلطة الى مقاعدها الـ 15، وقد بدا واضحاً التدخل السياسي لمصلحة انقسام الاساتذة فيما بينهم، وهم الذين لم تستطع الحرب تفرقتهم.
من جهة ثانية، وفي اطار انتزاع المطالب المحقة، رفض وزير المال فؤاد السنيورة وبشكل قاطع التجاوب مع المطالب التي يعتبرها مرهقة لخزينة الدولة، وخصوصاً موازنة الجامعة وصندوق التعاضد وكذلك اعطاء الاساتذة المفعول الرجعي عن الاعوام 1996 و1997 و1998، رغم اقراره من قبل لجنة الادارة والعدل النيابية. ولم تقف وزارة المال عند هذا الحد، بل تراجع الوزير السنيورة عن توقيعه على موازنة صندوق التعاضد وشكل هذا أزمة للاساتذة لجهة الاستشفاء والطبابة، مما تطلّب اعتصامات وتظاهرات عدة للحصول على حق مكتسب! ويقول خليفة من واجب الحكومة ان تطبق اتفاقات الاونيسكو حول التعليم العالي وان تعمل على تأمين مقعد دراسي لكل طالب ينجح في البكالوريا القسم الثاني. كذلك على الحكومة ان تؤمّن مقعداً لكل طالب لبناني وان يكون المستوى التعليمي عالياًُ. ولقد طالب الاساتذة وزير التعليم العالي سمير الجسر بإعادة الصلاحيات الى المجالس التمثيلية التي انتزعت عام 1997، بعدما طلب رئيس الجامعة آنذاك الوزير أسعد دياب ان يقوم مجلس الوزراء ببعض أعمال المجالس التمثيلية، اضافة الى استقلالية الجامعة واقرار عقود التفرغ وادخال الاساتذة الى الملاك...
*ضريبة السياسة
كل هذه الوعود والخروق المستمرة تدلّ على ان الجامعة ليست أولوية لدى اي فريق من النافذين في البلد، ومن الطبيعي عندما يكون الاداء العام سيئاً ان ينعكس ذلك على الجامعة. فباعتبارها مؤسسة رسمية، نلاحظ ان هناك محاصصة وتدخلات، وايضاً قلة اخلاص من بعض النافذين. لقد دفعت الجامعة ضريبة الارباكات السياسية التي حصلت في الفترة السابقة، وكان كل طرف يسعى الى فرض ارادته في الجامعة ويعمل على عرقلة الامور ولا نستثني أحداً. هناك مشروع لا نوافق على جملة بنود فيه، وتهدف الى خصخصة الجامعة في شكل غير معلن وذلك عبر تقليص عدد الاساتذة في الملاك وتحويلهم متعاقدين في الساعة ، بحسب عضو الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين الدكتور عبد الله زيعور.
من جهته يعتبر الدكتور عصام الجوهري ان الجامعة اللبنانية لا تعيش في جزيرة معزولة بل هي ابنة هذه البيئة والدولة والسلطة تتأثر بهما وبكل الأجواء السياسية السائدة في البلد. مثلاً بعض اركان السلطة الاقليمية الموجودة في لبنان يسيئون استخدام نفوذها في البقاع ويضغطون مثلاً لانجاح الطلاب في معظم الفروع وتحديداً في الحقوق. وذلك يتمّ في أماكن أخرى في الجامعة وعلى مستويات عدة. مما ينعكس سلباً على جو الأساتذة والطلاب الآخرين . ويؤكد الجوهري ان السلطات المتعاقبة لم تملك قط رؤية شاملة الى الجامعة ولم تستفد منها كما يجب الا كي توظف من تريده. عوضاً من تحصينها وجدت فيها امكانات تحقيق مصالح فئوية وعلى اساس ذلك دخلت الجامعة في دائرة المحاصصة. المؤسف ان اساتذة كثيرين دخلوا أيضاً في دائرة المحاصصة وأنشئت مراكز قوى في الجامعة استفادت من الوضع، وكذلك معظم وزراء التربية والتعليم العالي الذين تعاقبوا عليها .
يتمسك الاساتذة بسلة من المطالب التي يعتبرونها محقة، مثل اعادة صلاحيات المجالس التمثيلية وعدم الاستنساب في الموافقة على عقود التفرغ، وزيادة الموازنة المجحفة المخصصة للجامعة، الابتعاد من سياسة المحاصصة التي اتبعها زعماء الطوائف عبر التعيينات الادارية وهيمنة بعض القوى السياسية على بعض الكليات وفي شكل حصري اضافة الى تحديد سن التقاعد بـ 68 بدلاً من 64 سنة، باعتبار ان المعدل الوسطي لعمر الاستاذ الجامعي عند ممارسة مهنته يراوح بين 35 و 40 عاماً. وايضاً زيادة موازنة الجامعة وصندوق التعاضد... واخيراً اعادة احياء الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة الذي عطل منذ اعوام وكان له دور فاعل في الدفاع عن الجامعة.
وفي هذا الصدد يقول الهاشم ان الجامعة اللبنانية تشيخ بمعنى ان متوسط أعمار الاساتذة اليوم 51 عاماً. هذه الشيخوخة ناتجة من واقع مأسوي يتمثل بأن الاساتذة في التفرغ والملاك يتقدمون في العمر وفي الوقت عينه لا يتمّ تطعيم الجامعة بدم جديد لأنه توجد ذريعتان: الاولى ان مجلس الوزراء صادر صلاحيات مجلس الجامعة التي تجيز للمجلس التعاقد مع اساتذة جدد، وجمّد التعيينات واعتبر مجلس الوزراء انه لن يفرج عن عقود التعاقد الجديد او قرارات التعيين الا بعد تحديد الملاكات الاكاديمية للكليات وفروعها. علماً ان هذه الملاكات تحددت حوالى 5 مرات ومرسلة الى مجلس الوزراء عبر وزير الوصاية وكل مرة تعاد وما زلنا مثل قصة ابريق الزيت وندور في حلقة مفرغة. وتكون النتيجة ان جسم الاساتذة يشيخ والاخطر انه يتضاءل لأنه كل سنة يحال بين 50 و 60 استاذاً على التقاعد ولا يعين احد بدلاً منهم .
ويضيف الهاشم ان الاعداد الهائلة من الجامعات الخاصة التي أنشئت زادت من تضييق السلطة على الجامعة اللبنانية. ويتساءل: هل تسعى السلطة الى القضاء على الجامعة الوطنية في طريقة ملتوية وتترك مهمة التعليم العالي برمته في عهدة الجامعات الخاصة المحترمة منها والدكاكين؟ فهل ممنوع على أولاد الأكثرية الساحقة من اللبنانيين العلم وكلهم تحكم عليهم السياسات الرعناء المتعمدة بالفقر المتزايد؟ هل الهدف في ظل الضائقة المعيشية أن نحكم على الطبقات المتوسطة والفقيرة أن تصبح عاجزة عن ارسال اولادها الى التعليم العالي؟ ولمصلحة من؟ هل هذه الطريقة التي اختيرت ليتمّ التجانس والمجانسة بين الشعبين الشقيقين؟ وما يزيد القلق ازاء هذه التساؤلات ما نلمسه بالتزامن مع هذا كله من تجاهل كلي لالتزامات مقطوعة من السلطة سابقاً في بناء المجمعات الجامعية في المناطق. فهل بهذه الطريقة تعتبر السلطة انها تحقق الانماء المتوازن؟ .
والملاحظ في هذا الاطار ان حال الجامعة لا تختلف عن اي مؤسسة عامة، حيث تعيش المرافق العامة أو معظمها حالات متشابهة، في عهد الجمهورية الثانية، وتبدو سياسة المحاصصة واضحة في كل مؤسسات الدولة، وتؤدي تدخلات أهل الحلّ والربط الى عرقلة عمل الجامعة. حتى عقود التفرغ للاساتذة تخضع للتحاصص الطائفي والحزبي، اذ ان عدد الاساتذة من طائفة معينة يجب ألا يزيد على عددهم من طائفة اخرى.
ويختم الهاشم معتبرا ان قضية الجامعة اللبنانية طويلة جداً، وهي على مسيرة انحدارية ستؤدي بالجامعة، اذا ما استمرت الامور عليه، الى الفناء او ما يشبهه. فهي سائبة وواقعها البنيوي حدث ولا حرج، إذ لا وجود فيها لأي احترام لقانون او لمعيار أكاديمي في أي موقع من المواقع الا حيث هناك أساتذة يملكون ضميراً يمارسون مسؤولياتهم وواجباتهم الاكاديمية وغير الاكاديمية بوحي من ضمائرهم الحية .
لكن الجوهري يعتبر ان الجامعة اللبنانية ما زالت افضل ثلاث جامعات اليوم في لبنان. لنكن واقعيين، فنحن لا نتكلم الا على الجامعة اللبنانية لأنها تعيش على حساب المكلف اللبناني وهي دائرة رسمية وملك للناس ومن حقهم أن يتكلموا عليها وعلى أخطائها، وبالتالي فاننا لا نتكلم على جامعات اخرى مع الاعتراف ان مشاكل الجامعة هي نتيجة وضع البلد إذ انها جزء من السلطة والبلد .
وتبقى التدخلات السياسية علة الوطن، ومصدر تراجع عمل المؤسسات، اذ يسعى السياسيون الى تحقيق المكاسب لطائفتهم على حساب خزينة الدولة. والتدخلات السياسية واضحة في الجامعة تبدأ من تعيين الحاجب وصولاً الى العميد.
ولعل احد الطلاب (من حزب سلطوي) كان واضحاً حين صرخ في وجه زميله اثر اشكال في كلية في الفرع الاول: نحن من يعين المدير ونحن من يقيله...!! .كما شهدت الجامعة ازمة عندما عين العمداء قبل اعوام ونقل بعضهم من الفرع الاول الى الثاني وبالعكس، ونتيجة التدخلات غير المحدودة تراجع دور الجامعة الاكاديمي. واثّر ذلك في وضوح على مستوى شهادتها، اذ ان هناك طلابا لبنانيين وعربا يحصلون على شهادات من الجامعة من دون ان يكلفوا انفسهم عناء الذهاب الى الكلية، ولا احد يستطيع اخفاء امتعاض بقية الطلاب، عند صدور النتائج، حين يتبادلون الاحاديث عن فلان وفلان: كيف نجح؟ ومن اتصل بمن؟ وكيف لم يحضر الى الامتحان..!؟ ويجب النظر احياناً - حسب طالب في الفرع الاول الى العلاقات المميزة والوضع الاقليمي والهجمة الامبريالية على العرب.. الخ .
ويعلق زيعور على تدني المستوى الجامعي: الكليات التطبيقية في الجامعة لا تعاني اي مشكلة في المستوى والاداء منذ 30 عاماً حتى اليوم هو جيد، لا بل هو افضل من السابق، والدليل ان خريجي هذه الكليات يرفعون رأس لبنان عالياً، وهناك متفوقون في الجامعة اللبنانية في مراكز الابحاث العالمية. اما المشكلة فتظهر في الكليات الاخرى التي يعمل البعض على التدخل الفاضح فيها (...). ويضيف: التدخل السياسي يعوق تطور الجامعة، ويظهر هذا في مشروع المجالس التمثيلية الذي يخضع للتجاذبات السياسية، كذلك مسألة تصنيف الابحاث وايضاً بدلات الابحاث وكيف تعطى هذه البدلات وبناء لاي معايير؟ هناك استنساب في توزيع هذه البدلات .
***
انها الجامعة اللبنانية، جامعة الفقراء، اسيرة الوعود والكلام المعسول، ورهينة السلطة عبر كل اركانها. لذا تبقى علامة فارقة في التاريخ اللبناني الحديث ومثالاً على تراجع دور المؤسسات في دولة القانون والمؤسسات المزعومة.
غيض من فيض ما ذكره اساتذتها، ولا ننس طلابها الذين شردتهم الوعود لاكثر من 50 يوماً في العام الماضي، ولا احد يضمن عدم تكرار مأساة الاضراب المفتوح... لكن السلطة استطاعت منذ اشهر الانقضاض على الرابطة واقتحمت مقاعدها الـ13 تاركة مقعدين فقط للصوت المعترض على سياسة المحاصصة التي شرعها عهد الجمهورية الثانية...
ومُرّ الكلام ما يقوله طالب في كلية الحقوق الفرع الاول: غداً يوم آخر مع تحالفات معمّدة بالدماء التي سالت في كليتنا العام الماضي وقبله وقبله... والاصدق تحويل اسم هذه الكلية الى كلية المواجهات الدموية... .
انها الجامعة اللبنانية.
التعليقات