ساندرا ماضي: الذي يتحدث مع المخرجة صفاء عدوي ابنة الـ 24 عاما والمقيمة اليوم في قريتها طرعان قضاء الناصرة، يوقن بأن روح النضال والمقاومة لا بد ان تكون حاضرة في وعي أبناء جيل اليوم من فلسطينيي 48 رغم واقع مفروض ابتدأ بجرائم التهجير وخطط طمس الهوية الممنهجة من خلال ما يحصل في كل الأرض المحتلة اليوم من تشويه للمكان والانسان معا، و يحدث أيضا أن وعيا ـ يتجسد ابداعا ـ لا ينضب من أبناء هذا الشعب حين يفك بارادته أسر الاحباط واليأس الذي ربما آلت اليه أرواحنا نحن، البعيدين.
صفاء مخرجة فلسطينية شابة تجيء في هذا الزمن الرديء وبكل الثقة الممكنة لتنتزع الفرص من المحتل وتخلق الامكانات اللازمة لانجاز حلم راودها منذ سنين لتفض الغبار والصمت المريع عن فصل اكتمل في حكاية التهجير لواحدة من القري الفلسطينية التي تعد بالمئات، بعضها اختفي تماما وحلت مكانها الأشجار التي زرعها الصهاينة للتضليل وقري آخري تنتظر أحفادها ليطلوا علي حقيقة ما جري فيها ذات تاريخ. واليوم تأتي صفاء لتقرر مع مجموعة من أبناء قريتها العودة الي تاريخ طرعان فتعيد احياء الذاكرة بتجسيد فصول حقيقية جرت تحت الشمس من خلال فيلم وثائقي درامي مرهف، يسرد ببساطة وبصورة متقنة حكاية قريتها التي كانت تنعم بالأرض والانسان والهواء ومواسم الحصاد الوفير قبل أن تحط فيها أسراب الغربان.

حدثينا بداية عن سبب زيارتك الي عمان؟
بصراحة هي محاولة لايجاد جهة منتجة عربية لأكمل فيلمي الأخير حيث توقفت عن العمل فيه وأنا في مرحلة المونتاج لأسباب مادية حيث نفذت الموازنة التي رصدتها من دخلي الخاص. وثانيا لدي رغبه تلازمني دائما بالاقتراب وملامسة الأجواء العربية، وعمان هي محطتنا الأولي دائما للعالم الخارجي فكم أتوق أن أسير في شارع اسمه عربي وأن أتسوق وأسير بين أناس يتحدثون العربية وأبتاع مواد وسلعا لا يكتب عليها بالعبرية.
لديك تجربة عملية جيدة في مجال التلفزيون والسينما وبتخصصات متعددة من الاخراج والانتاج والتصوير.. ألخ حدثينا قليلا..
بداية أنا كنت طالبة صحافة واعلام وحولت التخصص بعد أن أنهيت (كورس) عن السينما والتلفزيون حيث شعرت بقوة أنني أنتمي الي هذا العالم فقررت تغيير التخصص وأثناء الدراسة قمت بالعمل في عدد من الأفلام منها فيلم بعنوان أمي وهو من انتاجي، يحكي قصة عائلتي وتحديدا حالة أمي بعد وفاة والدي وما يمر به الانسان من تغيرات غير متوقعه في حياته (25دقيقة). وهناك فيلم من انتاجي واخراجي عن د. أحمدالطيبي مستشار الرئيس ياسر عرفات سابقا وعضو الكنيست الاسرائيلي وهذا الفيلم يطرح قضية صراع الانسان الفلسطيني المتمسك بأرضه داخل حدود الخط الاخضر وشكل الصراع القائم في واقع الحياة السياسية لفلسطينيي الـ 48 (18دقيقة) وشاركت بانتاج مجموعة أفلام مع مخرجين يهود حيث عملت كمنتجة في فيلم تحقيق الحلم الذي يعرض قصة ثلاثة اولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة يسرد كل واحد منهم قصته المؤثرة من خلال تحقيق أحلامهم الخاصة، (25دقيقه). وفيلم كرة واحدة وثلاثة أديان (50 دقيقة). يروي الفيلم قصة الفريق العربي الحائز علي كأس الدولة العبرية لعام 2004 (اتحاد ابناء سخنين) ورحلة التحدي حتي وصل الي أوروبا. فيلم آخر هو جذور الغضب (60 دقيقة) فيلم وثائقي روائي يعرض قضية العربي وغضبه المكبوت في وطنه من جهة ومن جهة أخري غضب الروس (القادمين الجدد) من معاملة اليهود لهم، فالفيلم يروي قصة بطل ملاكمة روسي الأصل يكره العرب رغم أن مدربه هو بطل ملاكمة عربي.
عملت مع مجموعة من المخرجين اليهود، لماذا هذا التحول الآن برفض العمل مع أي جهة اسرائيلية رغم أنك ما زلت في بداية طريقك؟
عندما عملت في عدة أعمال كنت ما زلت طالبة في الجامعة وفرص العمل والتدريب الوحيدة والمتوفرة للطالب العربي هي بالعمل بانتاجات لأفلام مخرجوها يهود أو باشراف يهودي وهو الوضع الطبيعي للطلاب العرب في هذا المجال، و لكن لم أشعر بأي لحظة بالرضي أبدا وكنت أرفض الكثير من الفرص كما شعرت أنني أعطي أكثر مما آخذ، فاليهود يستغلون الطالب العربي وحماسه اذا كان في بداية الطريق ومعروف عنا أننا مجدون ومخلصون في عملنا ونحن أيضا نمثل حلقة الوصل بين هؤلاء المخرجين ومجتمعنا العربي فكنت غالبا أعمل علي البحث الميداني وكمنتجة ولكن السبب الأول والرئيس هو انتفاضة الأقصي وكل الأحداث التي لا يمكن أن يتجاهلها أحد وخاصة أحداث أكتوبر الأسود أو هبة أكتوبر التي كانت مفصلا في وعي الشباب الفلسطيني في الداخل.
ما هو موضوع فيلمك الأخير وظروف انتاجه؟
موضوع الفيلم وظروف انتاجه مرتبطتان برؤية واحدة فالفكرة وشكل تنفيذها هما الفيلم المشاهد علي الشاشة حيث يحكي الفيلم من خلال رحلة مجموعة من أبناء القرية الشباب، بالاضافة لي أنا كواحدة من هؤلاء الشبان، قصة البحث عن تاريخ قريتهم تاريخ المكان والانسان معا مدفوعين برغبة قوية وملحة لمعرفة تراثنا الفلسطيني العربي الذي نجهل الكثيرمن تفاصيله وحقائقه خاصة نحن جيل الشباب الفلسطيني الذي يسكن مناطق الـ 48، ندخل القرية بكاميراتنا ومعداتنا وأسئلتنا لأجدادنا كشهود علي مراحل مرت بها القرية في نمط الحياة والتعايش بين سكان القرية مثل ذلك التآخي الرائع بين سكان القرية من المسلمين والمسيحيين ومن تلك التفاصيل عندما يقول أحد كبار السن العرس الي ما بحضره اسلام ومسيحية مش عرس أو كيف كانت مراسم الوفاة حيث تجــري كعادتها عند الاسلام في بيــــت مسيحي أو العكس ويستمر الأهــــل في ذكر كيف تصرف أهل القرية بمختارها والخوري آنذاك للحيلولة دون أن يفتك الصهاينة بأهل القرية الآمنـــين ومن المواضيع التي ترد في الفيلم هي فكــــرة اعادة تجسيد بعض اللحظـــــات الهامة والطريفة أحيانا في وجـدان وتراث هذا الشعب للتأكيد علي جذوره الفلسطينية العربية الأصيلة.
هل هناك احساس لدي فلسطينيي 48 أنهم ليسوا عربا أو فلسطينيين؟
نحن عرب وفلسطينيون والاثنان واحد، لكن الاحتلال بتأثيره الخاص جدا علينا وخاصة علي الشباب منا يؤثر علي معرفتنا وارتباطنا بمقومات الهوية كاللغة مثلا، هل تصدقين أن أحد الهواجس والاشكاليات لي داخل بنية الفيلم هي موضوع اللغة..
كيف؟
ببساطة كلنا نحن الشباب نتكلم العبرية..، أنا نفسي لا أجيد العربية بقدر ما أجيد العبرية، أعبر وأنفعل بالعبرية، كنت بداية أتسائل، كيف أقدم لهذا التناقض الواقعي أي أننا نتكلم العبرية ولا نقدر أن نتكلم العربية بطلاقة وأنا في ذات الوقت أبحث بموضوع له علاقه بسؤال من أنا؟ أضف لذلك اللبس الحاصل بسبب كل التسميات التي تطلق علينا من الداخل والخارج مثل: عرب 48 أو عرب الداخل أو عرب اسرائيل أو مناطق الخط الأخضر اضافة الي التسميات والتصنيفات التي نواجهها من الاسرائيليين أنفسهم والتي لا تعترف بنا الا كأقلية عربية يتم التعامل معها بدونية غالبا.
هل تشعرين بخطر علي هويتك الفلسطينية؟
بالتأكيد ولولا هذا الاحساس الملح بالنسبة لي ولكثيرين من أبناء جيلي أيضا لما عملت هذا الفيلم، لقد مللت من عدم كوني فلسطينية فقط ولدي احساس بغربة شديدة بسبب الانفصال القسري عن هويتي الفلسطينية وهذا ما أرفضه، وفيلمي هو محاولة أولي ـ لنقل لاعادة الاهتمام بتراثنا وتاريخنا، القريب نسبيا الذي لم يندثر كليا بعد.
هناك خصوصية لأوضاع الفلسطينيين داخل ما يعرف بالخط الأخضر بسبب التعامل والتداخل شبه الكلي مع شروط الدولة العبرية، صفي لي وعي أبناء جيلك ممن ينشأون داخل الخط الأخضر؟
الانسان يحب الاختلاط بقرائنه أي من يشبهه غالبا، لذلك معظم من أعرفهم لديهم احساس وطني وقومي عال جدا وهم من المجتمع العربي طبعا، والجميع يعرف أن هناك فئات مثل الدروز تفرض عليهم قوانين الدولة العبرية الخدمة في الجيش وللعلم هناك أعداد من الدروز أقدموا علي الانتحار لرفضهم الخدمة الاجبارية ولكن هذا الموضوع يتم التعتيم عليه بشده داخليا وخارجيا. بالطبع كانت الانتفاضة الأخيرة المحرك الأساس لشريحة واسعة من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لاعادة تحريك قضيتنا الفلسطينية عامة ومسألة حقوقنا كمواطنين داخل هذا الكيان كوننا نحمل جوازات سفر اسرائيلية ونقدم كل ما لنا وعلينا لتلك الدولة من ضرائب وخدمات وهذا الوعي تحرك خاصة بين جيل الشباب حيث فتحت عيوننا علي عدة حقائق لم نجهلها ولكن بحكم الزمن والتعود تصبح شبه واقع وبالفعل حيث كان يعتقد عدد منا أننا نعيش بنوع من المساواة ولكن كانت الصاعقة للعديد منا عندما صوب الجيش فوهات بنادقه وأطلق الرصاص الحي علي مظاهرة سلمية للفلسطينيين داخل الخط الأخضر لمساندة أهلنا في الضفة في عام 2000 فكانت النتيجة 13 شهيدا فأصبح أكتوبر الأسود أو هبة أكتوبر مفصلا في وعيي ووعي كل صغير وكبير خاصة الشباب، مشهد لن أنساه أنا حيث كنت أعمل مصورة لاحدي القنوات التلفزيونية ولم أحتمل ما حدث فأغمي علي.
هل ساهم الاعلام برأيك بتقريب صورة الفلسطيني وحياته في الداخل الي العالم؟
الفضائيات لعبت دورا بسيطا في تعريف العرب ولا أقول العالم بوجودنا كفلسطينيين داخل الخط الأخضر ولكن قلة هم من يدركون ويتفهمون حقيقة المعاناة التي نواجهها في مواجهة كل أساليب الدولة العبرية في مقاومة وجودنا من المؤسسات الرسمية ومن الأفراد وخاصة المتدينين..
هل لك أن توضحي؟
أعتقد أن هناك جهلا بحالنا وهذا يخلق التباسا في شكل التعريف بنا كما أسلفت سابقا كعرب وفلسطينيين يعيشون تحت وطأة كيان استعماري.
وما هي أسباب هذا الالتباس تحديدا؟ بالتأكيد القيود والشروط التي تفرضها علينا الدولة العبرية وتتأثر فيها حياتنا وثقافتنا اليومية والعامة تعزز هذا الأمر، فمثلا هناك موضوع اللغة ومسألة العروبة، أعطي مثالا في قطاع التعليم وهوالأخطر لدينا فهناك قوانين وقيود تفرض علي الطالب العربي وأبدأ بمناهج التعليم حيث تفرض اللغة العبرية كونها لغة الكيان تفرض نفسها ووجودها بشكل قوي بالمقارنة مع ضعف منهج اللغة العربية فيتخرج الطالب من المدرسة بلغة أساسية هي العبرية، كما أن ساعات التعليم للمعلم العربي في المدارس هي أقل بكثيرمن المعلم اليهودي وهذا يعني أن الطالب اليهودي يحصل علي عناية ومتابعة أفضل من العربي، ثم هناك ضرورة تحصيل وحدات عالية جدا (علامات) ليقبل بالجامعة اضافة الي شرط اجتياز امتحان قياس درجة الذكاء وهو امتحان صعب جدا يعتبر شرطا للطالب العربي لدخول الجامعة كما أن الذي سيرغب بدراسة تخصصات معينة مثل الطب، علم الاجتماع والنفس والعلاج الطبيعي...ألخ عليه أن ينتظر ليبلغ 21 عاما ليبدأ الدراسة حتي بعد أن يجتاز كل الاختبارات المطلوبة، و طبعا هناك تخصصات تخضع لشروط صعبة مثل علوم الطيران والتخصصات العلمية النووية والفيزياء بالاضافة الي حرمان الفلسطيني من كل أشكال المنح التي تقدم بكثرة للطالب اليهودي ناهيك عن التمييز العنصري الذي نواجهه في كل مكان ففي الجامعات مثلا نحن عرضة دائما لأشكال المضايقة والعقبات خاصة المعنوية كالاهانة بوصفنا عربا، حتي أن العديد من الطلاب اليهود يفرضوا علي ادارة الجامعة منع الطالب العربي من التحدث بالعربية داخل الجامعة وفي الأماكن العامة أيضا يتجرأ اليهودي بكل وقاحة ويسأل سائق التاكسي ان كان هناك عرب في السيارة قبل أن يصعد، حتي من قبل الانتفاضة وأنا تعرضت لهذا الموقف الذي لن أنساه فقد كنت في طريقي من القدس الي قريتي طرعان وكان الوقت ليلا وبعد فترة من سيرالتاكسي الذي ينقل عدة ركاب تلقيت مكالمة من أهلي فتحدثت بالعربية دون أن أنتبه فاكتشف من بالتاكسي وكلهم يهود أنني عربية فصرخت امرأة بأعلي صوتها بالسائق وقالت: ألم أسألك اذا كان هناك عرب، توقف السائق في منطقة طريق خارجية ومعتمة وما زال أمامنا أكثر من ساعة وبدأوا باجباري علي النزول الا أنني بدأت بالصراخ والتهديد بالعبرية وبعد جدال طويل انطلقت السيارة بنا جميعا، هذا الاحساس بالدونية الذي يلاحقك في كل مكان كوننا عربا لا يفارقنا ولاحظي لا أقول فلسطينيا فهم يكرهوننا ويقاوموننا كوننا عربا وحين يشتمون يقولون عربي قذر .
طبعا كل الأحداث الأخيرة صعدت أجواء التوتر والمشاحنات الحادة بين الطرفين خاصة بعد قيام أي عملية استشهادية، نحن في حالة توتر وشد أعصاب مستمرة في واقع يحمل كبتا لصراع مبطن وتناقض داخلي رهيب، ليس خوفا منهم أبدا ولكن الجو أصبح خانقا لدرجة لا تطاق فنحن نشعر مع ابناء شعبنا في الداخل ولا نتمكن من التعبير بحرية بينما نضطر للعيش داخل ذات الكيان الذي يفتك بشعبنا وأرضنا.
ولكن رغم كل ماسبق وأكثر فانه من الملاحظ بعد انتفاضة الأقصي أن هناك أعدادا كبيرة من الطلاب الفلسطينيين الذين يحصدون علامات مرتفعة جدا مقارنة مع سنوات سابقة وبشكل ملفت مما مكنهم من دراسة تخصصات علمية تحتاج الي معدلات مرتفعة جدا وأعتقد برأيي أن أحداث أكتوبر الأسود خاصة جعلت الطالب يفكر بان التعليم هو ملاذه الوحيد ربما للمقاومة واثبات الوجود بعد أن تأكد لنا أننا لا نختلف عن أهلنا في باقي مناطق الوطن المحتل من حيث نظرة ومعاملة الاحتلال لنا.
حدثيني عن دراستك للسينما وعن الصعوبات التي تواجهك وكيف استطعت ايجاد مساحة لك بقناعاتك الخاصة في هذا الوسط تحديدا؟
حسن، ظروف دراستي تنطبق علي العديد من الطلاب فبعد التخرج من المدرسة علينا الالتحاق باحدي الجامعات العبرية أو الكليات التابعة لهذه الجامعات في الغالب، أنا انهيت دراستي الثانوية في مدرسة خاصة اسمها (كلية الجليل). ثم درست موضوع هندسة السينما والتلفزيون في كلية غور الأردن في طبريا وهي تابعة لجامعة بار ايلان المعروفة بتعصبها الشديد لليهود وموقعها في تل الربيع (أبيب)
حيث تخصصت بموضوع الاخراج والتصوير والانتاج السينمائي.
وحصلت علي شهادة هندسة سينما وتلفزيون بعد تقديم مشروع تخرجي وهو فيلم تحقيق الحلم الذي حصلت فيه علي علامة 96% حيث كنت واحدة من 6 طلاب تخرجوا من أصل 18 طالبا تقدموا لهذه الدراسة نجح منا 6 فقط 4 عربا أنا واحدة منهم واثنان من اليهود.
لماذا درست بكلية غور الأردن بينما بامكانك الدراسة في جامعات أخري في وسط أكثر حيوية؟
اخترت كلية غور الأردن لأنها في محيط عربي وليس يهوديا وهذا مهم بالنسبة لي، ومع ذلك يظل الطالب العربي مضطرا للانفصال عن هويته ولغته فاللغة الرسمية هي العبرية في الدراسة وفي الحياة عامة، اسماء المحال في الشوارع، كل السلع حتي المستوردة يكتب عليها بالعبرية.
اللغة مفتاح مهم للتعبير ولتأكيد الهوية كيف تعوضي هذا النقص؟
بامكانك التخيل كيف تضعف لغتنا ويضعف تعبيرنا بها مع قلة استخدامها كما ذكرت سابقا وحقيقة أشعر أحيانا أنني أقف مثل الصنم أمام التناقض الكبير لما يطلب منا عمله وما نرغب نحن بالتعبير عنه ولكن ربما بالعناد والاصرار علي تحقيق ما أراه وليس ما يفرض علي وعلي قناعاتي وأفكاري ويساعدني علي ذلك أن الصورة تتكلم، و أنا أعرف ماذا أريد من الصورة التي أختار فهي لغتي التي أعبر من خلالها أعطيك مثالا، أثناء دراستي الجامعية أردت عمل فيلم تدور أحداثه في مناطق الضفة وتحديدا في أريحا، و عندما عرضت علي ادارة الجامعة أن أستعير المعدات للتصوير خارج الخط الأخضر رفض الموضوع ومنعت بشكل قاطع، فما كان مني الا أن أخذت الكاميرا دون اذن من الجامعة وقمت بعبور العديد من الحواجز بمساعدة صديقة لي وتخفيت بهيئة امرأة حامل بقيت هكذا شهرا حتي كاد جندي في احدي المرات يكشفني علي حاجز أريحا عندما مد يده ليلمس بطني حيث كنت أخفي الكاميرا وبقي ينظر في عيني طويلا قبل أن تثنيه كلمات صديقتي بالاستعجال لأنني امرأه حامل وأكاد أن ألد!، أنهيت التصوير وأعدت الكاميرا لمكانها، الا أن طالبا يهوديا شاهد المادة المصورة أثناء عملية المونتاج ووشي للادارة، وكدت أن أفصل وأن أتعرض لمحاكمة جدية ودفع غرامات باهظة جدا، الي أن قايضتني الادارة بعد أن وجدت أن موضوع الفيلم يتحدث عن امرأة عربية شبه مشردة تربت في ملجأ، قايضوني بكل نذالة بعرض هذا الفيلم علي قناة تلفزيونية اسرائيلية تعرض أفلاما للطلاب مقابل اعفائي من العقاب وطبعا رفضت الا أنهم صادروا المادة مني وقاموا ببث 6 دقائق منه اختاروا هم المشاهد التي يريدونها.
هنا يخطر لي سؤالك عن موضوع التمويل المتوفر للمخرج الفلسطيني داخل مناطق الخط الأخضر وكيفية التعامل معه.
بالطبع الدولة العبرية تقدم أشكال من الدعم والمعونات التي بالضرورة لا تصب بشكل خالص وبريء برأيي في مصلحة العرب والفلسطينيين...
أي أن الدعم مشروط؟
بالتأكيد وهل هناك شك في ذلك ! مشروط بالمواضيع التي يجب أن يتناولها الطالب منذ أيام الجامعة فهم يشجعون طلاب التلفزيون والسينما لتقديم كل ما يمس صورتنا مثل قضايا الشرف وتفاصيل الحياة اليومية العنيفة، مشاكل الأحياء الفقيرة، قضايا المخدرات، البحث عن حالات الشذوذ الجنسي، ألخ أي أنهم يبحثون عن أي شكل من الفضيحة لتشويه صورتنا، و بعد الجامعة يأتي الدعم المقدم من الصناديق الاسرائيلية ومن جهات رسمية أخري مثل التلفزيون الاسرائيلي وهذه جميعها سهل الوصول لها فالاعلانات في الصحف متوفرة لكل من يرغب من العرب بتمويل لعمل فيلم عن مواضيع محددة يتم ذكرها في الاعلان وفي الانترنت أيضا حيث يمكنك تقديم طلب بسهولة.
اذن ما هي البدائل برأيك؟
البدائل عديدة.. أعتقد أن الأمر يبدأ بأخذ قرار مع الذات وهو قرار ممكن وليس مستحيلا كما يحب أن يصوره الكثيرون، فلسطينيين أو عربا، لأن التسليم بواقعنا في الداخل والتعامل معه كواقع هو برأيي يصب في خانة الاستسلام واستمراء السهل وعدم تحمل المسؤولية.
لا أريد أن أكون رومانسية جدا وأقول بالتمويل العربي من الخارج ولكن هناك أمثلة لمخرجين فلسطينيين قدموا العديد من الأعمال الراقية بدون التمويل الاسرائيلي أو العربي، وتوجهوا الي التمويل الأوروبي مثل ايليا سليمان وهاني أبو أسعد وميشيل خليفي وعزه الحسن وآخرين
هل عرض عليك تمويل من جهات اسرائيلية؟
طبعا فهم لا يتركون أحدا الا وحاولوا أن يكون لهم الفضل في أي انجاز فلسطيني في مناطق 48.
كيف ذلك وقد لا يكون الموضوع مما يخدم الدعاية الصهيونية ويروج لها بل علي العكس؟
ليس بالضرورة، المهم أن يدخل المنتج الاسرائيلي كداعم للأفلام العربية وهذا يحقق لهم جانبا من الدعاية التي يروجونها في محافل معينة في العالم وهي بأن (اسرائيل دولة ديمقراطية تساعد سكانها الأقلية من العرب بالتعبير والتحدث بحرية)!
هناك مخرجون فلسطينيون معروفون علي الساحة ومنهم من يبرز اليوم في عدة مهرجانات دولية، هل تجاوزوا التمويل الاسرائيلي أم عملوا من خلاله؟
بعض المخرجين يعملون بتمويل اسرائيلي من الصناديق الاسرائيلية او من التلفزيون الاسرائيلي ويحاول بعضهم التجاوز أوالتحايل علي مسألة كيف يظهر الفلسطيني بخلق صورة متوازنة قدر المستطاع ولكن هؤلاء قلة ولا يمكن التعميم وأعتقد أن هذا الموضوع حساس وخطير جدا ويحتاج الي الاهتمام والتوعية فيه.