في السباق الدائر للوصول الى سدّة الرئاسة الأميركية تحتدم يوماً أكثر من يوم المعركة الانتخابية. وإذا كان جورج بوش قد عرفه الأميركيون بما فيه الكفاية ليجددوا له الولاية أو يحجبوها عنه، فإن صورة جون كيري ما زالت مشوشة بعض الشيء، وعلى أكثر من صعيد. فمن هو جون كيري؟ وهل يمكن أن ينتصر كاثوليكي غير محافظ على انجيلي أصولي؟
قيل عن كيري أنه "أرستقراطي يساري". وهو بالفعل ينحدر من عائلة أرستقراطية لم تحمل مع ذلك ألقاباً يتميز بها الأرستقراطيون. وعلى الرغم من ذلك فإنه يعتبر نفسه رجلاً من عامة الشعب ويحاول، فيما هو يحتل كرسياً في مجلس الشيوخ منذ خمسة وعشرين عاماً، ترديد خطاب شعبوي لا يأخذه الشعب على محمل الجد.
والده ريتشارد كيري الذي توفي في العام 2000 عمل طوال حياته في السلك الديبلوماسي. إلا أنه لم يصل أبداً الى منصب سفير للولايات المتحدة الأميركية. ألف كتاباً، نشر في العام1990، بعنوان "المرآة المرصعة بالنجوم" وضع فيه خلاصة تفكيره. وقد يكون ابنه جون قد حمل بعضاً من خلاصة هذا الكتاب الذي يتمحور حول فضح الأخطاء التي ترتكبها الولايات المتحدة الأميركية عندما تعتقد جازمة أن لها للعالم رسالة تمدينية وأنها متفوقة على جميع الشعوب. إلا أن جون كيري لم يصل أبداً الى راديكالية والده. فهو اليوم، في حملته الانتخابية، يصرح أن سياسة أميركا يجب أن تبنى على الواقعية وليس على المواقف المثالية. أجداد جون كيري كانوا يهوداً من أوروبا الوسطى، واعتنقوا الكثلكة في العام 1902 وهاجروا الى أميركا في العام 1905.
ولد جون كيري في 11 كانون الأول 1943 في مدينة دينفير. أتم دروسه الجامعية في جامعة يال حيث انخرط في العمل السياسي مبدياً اعجاباً كبيراً بالرئيس جون كينيدي، ومنتسباً الى جمعية سرية (انتسب اليها أيضاً جورج بوش الأب والابن). خدمته العسكرية قضاها في القوات البحرية واشترك في حرب فيتنام حيث يدور اليوم سجال حول صحة البطولات التي يقال انه قد قام بها في فيتنام.
وعلى الرغم من الأصول الأرستقراطية لعائلة كيري سواء من طرف والده أو من طرف والدته فإن الوضع المادي للعائلة كان متواضعاً، الى أن جاءته الثروة من زواجه الأول، عام 1970، من جوليا تورن التي طلقها في العام 1988، بعدما جلبت معها ثروة تقدر بثلاثمئة مليون دولار. لكن ثروته ازدادت بقدر كبير جداً عندما تزوج من جديد تريزا هاينز أرملة أحد زملائه في الدراسة الجمهوري جون هاينز الذي مات في حادث طائرة والذي اورث أرملته الشركة العالمية (هاينز) التي تنتج المعلبات الشهيرة التي تحمل اسم منتجها.
فهل يوصل الأميركيون مرة ثانية كاثوليكياً الى سدة الرئاسة العليا؟ وماذا عن كاثوليكية جون كيري، وعن التعبير عن معتقده وإيمانه قياساً الى جورج بوش الذي جعل من معتقده الديني الأصولي دعامة أساسية في ممارسة سياسته؟
كان جون كيري قبل أشهر قليلة نادراً ما يعبر عن مضمون معتقده الديني. الا أنه كان يعرف بأنه غير تقليدي، ما أثار حفيظة أساقفة أميركا الكاثوليك فاتخذوا موقفاً علنياً من مرشح كاثوليكي يخشى أن يتخذ سياسة تتعارض والتعاليم الكاثوليكية في مسائل تتعلق بالإجهاض وزواج مثليي الجنس وغير ذلك. إلا أن جون كيري بدأ مؤخراً يتحدث علناً عن عقيدته، في خطوة يراها المحللون السياسيون ضرورية ليلحق بالشعبية التي يحظى بها الرئيس بوش بين المسيحيين المحافظين. لم يتطرق المرشح الديموقراطي الى عقيدته الا نادراً خلال المرحلة الأولى من حملته الانتخابية. ولكن، منذ الخطاب الذي ألقاه في تموز الماضي أمام المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في بوسطن وما تلاه من زيارات منتظمة قام بها لكنائس السود وكنائس أخرى، بدأ يتحدث أكثر عن دور الله في حياته. وفي الأول من تموز قال امام مئات المصلين انه يخوض الانتخابات "كزعيم علماني (...)، ومشدداً على أن إيمانه بالله ساعده في مواجهة مأساة شخصية".
قالت إيمي سوليفان التي كتبت كثيراً عن الدين والسياسة، إن مساعدة الفقراء والاقتراب من الله ساعدا كيري كثيراً في حرب فيتنام ويمكن أن يساعداه في كسب أصوات المسيحيين المحافظين على نحو لم يستطع المرشحون الديموقراطيون أن يفعلوه. وذكرت أن المتدينين "يعتبرون عادة الدين مقياساً لاختبار الأساس الأخلاقي للمرشح. إن ذلك يساعدهم في معرفة أصله".
ويحضر كيري قداس الأحد في الكنائس الكاثوليكية في انتظام، لكنه يتحفظ عن التحدث علناً عن عقيدته خلافاً لبوش الذي جعل الدين جانباً رئيسياً من شخصيته. ويواجه كيري تحدياً كبيراً ليسدّ الفجوة القائمة بينه وبين بوش في أوساط الناخبين المحافظين. وقد أظهر استطلاع لآراء الناخبين في انتخابات 2000 أن بوش حصل على أصوات 63 في المئة من الناخبين الذين يذهبون الى الكنيسة أكثر من مرة في الأسبوع. أما المرشح الديموقراطي في حينه آل غور فحصل على أصوات 61 في المئة ممن قالوا إنهم لا يذهبون الى الكنيسة قطّ.
فهل يقضي النجاح بالسياسة في أميركا، لا سيما بعد 11 أيلول 2001، أن يكون السياسي متديناً على الطريقة "البوشية"؟ وهل يضطر جون كيري الى أن يصبح كاثوليكياً أصولياً؟