المسلمون والمسيحيون هم جناحا لبنان في صيغة 1943. كان الرسم المائي في ورقة الليرة الواحدة (المختفية) يمثل طائرين يتلامس طرفا جناحيهما وهما على وشك التحليق. ارتفع لبنان في السماوات ثم، ولحكمة من الباري، كما طار وقع.
في العام 2004، يبدو ان لبنان ما زال في حاجة الى جناحين ليطير ويحقق رسالته في التلاقي الاسلامي المسيحي. ومَن للبنان خير من النائب ناصر قنديل والوزير كريم بقرادوني ليتحملا مسؤولية التحليق بلبنان في فضاء العروبة الملبننة او اللبنانية المعربة.
يتولى قنديل الترويج للعهد الممدد له في الشارع الاسلامي، الذي يفتَرِض ان جمهوره مؤيد للمقاومة ولسوريا ومنصرف الى إسناد الفلسطينيين في انتفاضتهم والعراقيين في مقاومتهم والسوريين في صمودهم وأن لا هم يشغل ابناءه الا السهر على عدم عودة حكم يهمل أيا من هذه المهمات الجلل، او يبدي ولو قدرا ضئيلا من الميلان في اتجاه الغرب. عدة النائب قنديل لسان لا يهدأ ورضى عن الذات ووهم بامتلاك منطق متماسك، يجعله يجتاح خصومه او من يراهم كذلك، ويفتت طروحاتهم وأفكارهم. فهو صاحب المقاومة ووكيل العروبة ومحامي الممانعة وقائمقام الصراط المستقيم وبطريرك الخط الوطني (في الجنوب وغربي البربير المتحف). وهو المزايد والمناقص والمضارب في خدمة الحلف الاستراتيجي (قدس الله سره). ومن لم يقتنع فلقلة فهمه.
الوزير بقرادوني يتحمل مسؤولية اجسم. فقنديل يبدو بالمقارنة مع بقرادوني كمن يبشر بين مؤمنين. اذ على الوزير الموصوف بالحنكة، ان يقنع المسيحيين انهم بتأييدهم للتمديد انما يدرؤون عن انفسهم اخطارا جمة منها التوطين وانمحاء الدور السياسي. وأن هزيمة المشاريع التي استهوت شرائح واسعة بينهم ليست الا انتصارات لم يفهموا اهميتها ولم يحسنوا قراءتها.
فاجأ بقرادوني الكتائبيين والمسيحيين بالتأكيد لهم، ومن دون رفة رمش واحدة، انهم يعيشون في عهد بشير الجميل متقمصا في العهد الحالي. وليست الانجازات التي يعشيها اللبنانيون (او يعيشون تحت وطأتها) منذ اعوام، الا تجسيدا لاحلام البشير.
يكاد المرء يفغر فاه دهشة. فبشير الذي مثل ذروة الالتحاق بالخيار الاسرائيلي وبطل مجازر تمتد من السبت الاسود الى اهدن والصفرا وlt;lt;ملهمgt;gt; مجازر صبرا وشاتيلا، يحكم اللبنانيين الذين طمأنهم الجناح القنديلي الى انهم في حمى الخيار العروبي وأن العهد الحالي هو عهد المقاومة التي اسقطت في ما اسقطت، كل الرهانات والخيارات على اسرائيل وأصدقائها وحلفائها وعملائها.
صور قنديل للبنانيين انهم يواجهون، مع الفلسطينيين، الدبابات الاسرائيلية في غزة وجنين. وأقنع بقرادوني مواطنيه ان زمن ذبح الفلسطينيين بحراب بشير ورفاقه لم ينته بعد. بالنسبة لجناحي لبنان الجديد، يتلخص الخطاب السياسي في لعبة يقود فيها الجناح العروبي الناس الى اعتقاد بالعيش في مكان غير مكانهم، فيما يوهمهم الجناح المتلبنن بإقامتهم في زمان ولى وانقضى. لعبة خيال في المكان والزمان تغيب عنها الحقيقة ليبرز تهافت المكان والزمان واضمحلال ناسهما. لعبة خيال تمددت من الشاشات الى السياسة التي تقدم الى كل راغب ضالته. هاوي المقاومة يقاوم على كل الجبهات الملتهبة، وعاشق الارزة ينام في ظلها. ليس ما يجمع بينهما الا تعرضهما لهواء يهب عليهما من رفرفة جناحي لبنان المتجدد.
ليس عسيرا القول ان كل ما سكبه السيدان قنديل وبقرادوني على المواطنين في الاسابيع الماضية، لن يصمد في ذاكرة اللبنانيين الا كدليل على ان بلدهم لا يحلق الا بجناحين.
اليس هناك من ينسق تصريحات المسؤولين ليفهم المواطن ما اذا كان يعيش في قلعة المقاومة العروبة او في الزمن الاسرائيلي؟