"اعتقد اننا في شكل أو آخر فتحنا في العراق أبواب جهنم, واننا عاجزون عن اغلاقها (...) الوضع خطير ولا يتحسن". اسم المتحدث جاك شيراك, وجاء كلامه بعد قمة جمعته في مدريد بالمستشار الألماني غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس ثاباتيرو. وللتذكير فقط, فرنسا التي عارضت الحرب على العراق تحاول جاهدة انقاذ اثنين من صحافييها وقعا في قبضة واحدة من هذه المجموعات التي تسرح في الجحيم العراقي.

"ان أبواب جهنم مفتوحة في العراق". اسم المتحدث عمرو موسى, وهو كان يتحدث في افتتاح اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي اكتشف المشاركون فيه ان العرب قد يكونون على أبواب استضافة قضية جديدة على لائحة اجتماعاتهم وهي قضية القرار 1559 الذي أصدره مجلس الأمن في شأن سيادة لبنان واستقلاله.

فيما كان موسى يتحدث في القاهرة, وبعد ساعات على كلام شيراك في مدريد, كان أبو مصعب الزرقاوي يثبت لمن لم يقتنع بعد, أن أبواب جهنم مفتوحة فعلاً. فمن بغداد الى بعقوبة أغرق الزرقاوي أرض العراق بدم رجال الشرطة والمدنيين. واللافت ان الضربات المدوية لهذا النجم الذي يتألق فوق المسرح العراقي, تحصد من العراقيين اضعاف اضعاف ما تحصده من الاميركيين.

لا بد أولاً من الالتفات الى ان خيطاً يربط بين كل الضربات التي وجهها الزرقاوي, منذ اطلالته على ساحة المواجهة بعد سقوط صدام حسين. فمن استهداف مقر الامم المتحدة الى المؤسسات الانسانية وصولاً الى مراكز الشرطة العراقية, ومروراً بالاغتيالات يمكن القول ان الضربات تستهدف قطع الطريق على اي صيغة استقرار تضمن عودة الدولة العراقية وتبرر انسحاب الاميركيين ولو تدريجاً. فأي عودة للدولة العراقية تعني حرمان المقاتلين الجوالين من فرصة ابقاء نار جهنم مضطرمة, على وقع حرب طويلة مع الاميركيين تجتذب المزيد من الشبان العرب الى "ميادين الجهاد". فبرنامج الزرقاوي يقوم على إغراق الاميركيين في فيتنام اسلامية وتحويل العراق معهد تدريب لمجاهدين سيعودون لاحقاً الى بلدانهم للانفجار فيها وبها. لهذا ضرب صمام الامان المتمثل بدور الامم المتحدة, ولهذا يستهدف الشرطة والحرس الوطني, وللسبب ذاته يتطلّع الى اغتيال اياد علاوي لشطب حكومته وبرنامجها خصوصاً الانتخابات.

اغلب الظن اننا لا نزال في بدايات الجحيم او مقدماته. ستتأجج النار اكثر اذا نجحت عمليات اغتيال رجال الشرطة والمسؤولين في اغتيال موعد الانتخابات. عندها لن يبقى الا الحرب الطويلة والسيارات المفخخة وسيتحول العراق جحيماً مفتوحاً على القتل والخطف والانتحار والتفكّك, وهو جحيم لن يقيم طويلاً داخل الحدود الدولية للعراق.

ليس سهلاً اغلاق ابواب جهنم. لكن السؤال الى متى يستطيع العرب التفرج على النار التي لا يخفي الزرقاوي ان هدفها اقامة حكومة اسلامية في العراق للانتقال بعده الى مرحلة اطاحة الوضع القائم في الدول المجاورة. لا يكفي الحديث عن مسؤولية ادارة جورج بوش في فتح "منبع كل الشرور", فالحريق مشتعل على ارض عربية وينذر بشطب بلد عربي اساسي اسمه العراق. ان المطروح في هذا الحريق مصير العراق والعرب قبل مصير اميركا وادارتها وصقورها. صحيح ان اميركا لن تتقبّل بسهولة هزيمة او شبه هزيمة في العراق. لكن الصحيح ايضاً انها قوة عظمى تستطيع احتمال هزيمة او انتكاسة. وماذا تراه سيحدث لو غابت الانتخابات وقررت اميركا الاستقالة من الجحيم العراقي, لتترك العراقيين والعرب يكتوون بناره.