سيتأكد وزراء خارجية الدول، الشقيقة والعزيزة، المجاورة للعراق عندما يلتقون اليوم في عمان ان الدبلوماسية الاردنية الواضحة والرصينة والهادئة لم يطرأ عليها أي تغيير وان همّ الاردن السابق والحالي واللاحق أيضاً هو إستقرار هذه المنطقة وهو ان تكون العلاقات بين دولها مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إن ما يعرفه الاشقاء الذين حلوا ضيوفاً على هذا البلد، والذين سيعقدون لقاءً في عمان أساس نجاحه المصارحة والمكاشفة وتغليب الهموم المشتركة على الامزجة الفردية والخاصة، ان الاردن بقي على مدى تاريخ طويل، وهو لايزال كذلك، يتبع سياسة متوازنة وهادئة وبعيدة عن الصعقات الكهربائية المفاجئة وأنه حـريص كل الحرص على أمن وإستقرار الدول العربية والإسلامية، الشقيقة، القريبة والبعيدة كلها وبدون إستثناء.
لقد حرص الاردن وهو يحرص، الآن وبإستمرار، على علاقات أخوية مع الجارة العزيزة سوريا التي مكانها في حدقات العيون والتي يهمه أمنها كما يهمه أمنه، والاردن يعتبر المملكة العربية السعودية عمقه الإستراتيجي ويعتبر همها همه وإستقرارها إستقراره وما ينطبق على هاتين الدولتين الشقيقتين ينطبق على مصر الشقيقة الكبرى وعلى كل الدول العربية والاسلامية التي تقف على أرضية مشتركة والتي من المفترض ان مصالحها وأهدافها واحدة.
والأردن، هذا البلد القومي بتركيبته وأهدافه وتطلعاته والإسلامي بعقيدته وإيمانه وثقافته، بقي دائماً ضد أي تمحورات وأي إستقطابات في هذه المنطقة وهو الآن وفي ضوء بعض ما يلمسه وما يراه، وبخاصة بالنسبة للأوضاع العراقية غير المستقرة، يحذر من ظهور استقطابات وتمحورات جديدة على غرار إستقطابات أيام الحرب الباردة التي كانت تأثيراتها سلبية، وفي بعض الاحيان مدمرة، على كل الدول العربية والإسلامية.
إن ما يريده الاردن، وبكل وضوح وصراحة، هو عدم تحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة الاميركية وهو وقف أي تدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة الشقيقية وهو إغلاق الحدود أمام المتسربين من الخارج لإذكاء نيران الفتنة في العراق ولدفع العراقيين نحو الحرب الأهلية المدمرة وهو أيضاً وأيضاً عدم التلاعب في التوازنات العراقية المذهبية والقومية وعدم إشعار أي شريحة من الشرائح الرئيسية والثانوية بأنها مهمشة ومُقْصية وعليها ان تدفع ثمن أخطاء وخطايا وتجاوزات ورعونة مرحلة عانت منها بمقدار معاناة الشرائح الاخرى.
إذا تصارح الاشقاء وزراء الخارجية خلال هذا المؤتمر، الذي ينعقد قبل موعد الانتخابات العراقية المقررة بنحو ثلاثة اسابيع، فإنهم سيمنعون إندمال الجرح على غش وأنهم سيجدون أن مصلحة دولهم جميعها ومصلحة دول المنطقة الاخرى كلها تقضي بإخراج العراق من أزمته الحالية وتجنيبه تشظياً إن هو حدث، لا سمح الله، فإنه سينتقل الى بعض الدول التي لا تتمتع لحمتها الداخلية بالمتانة التي تجنبها إرتدادات زلزال بمثل هذه الخطورة والكارثية.
هناك هموم كثيرة سيتبادلها المؤتمرون وهناك مخاوف يجب ان لا تبقى في الصدور فالمنطقة دخلت مرحلة أخطر من كل المراحل السابقة ولهذا فإنه لابد من الكف عن أي تدخلات في الشؤون العراقية وأنه لابد من وضع حد لسياسات تصفية الحسابات مع أميركا في الميدان العراقي وأنه لابد من إيقاف محاولات زرع جرثومة المذهبية السياسية في هذا البلد الذي لم يعرف المذهبية السياسية على مدى تاريخه الطويل والذي إذا أصيب بهذا الوباء فإن العدوى ستنتقل حتماً الى دول مهيأة لإستقبال جرثومة المذهبية السياسية.. واللهم إشهد.