فارس خشّان: في 11 أيلول 2001، عندما دَمغ القسم القنصلي في السفارة الأميركية في باريس سمة الدخول الى الولايات المتحدة الأميركية على جواز سفر العماد ميشال عون، أدرك كثيرون ان ثمة تغييراً جوهرياً بدأ يتبلور في نظرة واشنطن الى لبنان. قبل هذا التاريخ، حاول عون، مراراً وتكراراً الحصول على سمة مماثلة لكن وزارة الخارجية الأميركية كانت ترد على طلباته سلباً.
ويوم الأربعاء الماضي، خرجت من وزارة الخارجية السورية اشارات مماثلة، عندما استقبل نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلّم موفداً شخصياً للعماد عون حاملاً الى القيادة السورية رسالة عنوانها الدعوة للمشاركة في المؤتمر الوطني في باريس لتوفير ظروف لائقة لدمشق تمكنها من الانسحاب من لبنان استجابة لمضمون القرار الدولي الرقم 1559. قبل هذا التاريخ، حاول عون، مراراً وتكراراً، فتح صفحة مع دمشق ولكنه كان يواجه بإهمال. هذه المرة تم توفير حماية استثنائية لموفد "الجنرال المنفي" الآتي من واشنطن، سواء في مطار بيروت الدولي أم خلال توجهه من بيروت بمواكبة سورية، الى دمشق حيث اجتمع لوقت غير قصير مع وليد المعلّم.
العماد عون الذي خسر حربه الكبرى في 13 تشرين الأول 1990 بعملية عسكرية سورية مُباركة أميركياً، يرفض التعليق على هذا الحدث السياسي ويكتفي رداً على باقة من الأسئلة المحددة بالإجابة: "في 21 تشرين ثاني الأخير، دعوت الى لقاء وطني للبحث في مخارج مشرفة للوجود العسكري السوري في لبنان، وأعلنت ان الدعوة سوف توجه الى القيادة السورية، وهذا بالتحديد ما قمت به، ولما كانت مخاطبة الدول لا تتم عبر إرسال بطاقات شبيهة بالدعوات الى الأعراس، قررت ايفاد من يمثلني فاستقبلوه في الخارجية السورية وتكلموا معه واستلموا منه رسالة مطوية ضمن مغلّف مغلق. لا يمكنني ان أعلق على ما حصل، كل ما يمكنني قوله ان الشخص طلب موعداً وهم حددوه له. لا أعرف كيف سيتجاوبون مع الرسالة. القضية تعود لهم. ما يهمني انها المرة الأولى التي أقرر فيها توجيه رسالة وهي المرة الأولى التي يقررون فيها استلامها".
نسيب لحود
ويجري عون مقارنة بين طريقة تعاطي سوريا مع مبادرته الحوارية وبين تعليقات شخصيات منضوية في اطار المعارضة، ويقول: "ذهبنا الى دمشق وقدمنا الدعوة بكل أصول، لا هم زايدوا ولا نحن فعلنا. أما (النائب) نسيب لحود فرد علينا مزايداً، اذ قلب الموضوع رأساً على عقب، بحيث طالب بحوار تحت سقف الطائف عارضاً الحفاظ على الورقة الفلسطينية وعلى سلاح حزب الله، وكأن القرار 1559 غير موجود. فإذا كان لا يريد المجيء الى طاولة الحوار فعليه أن يكتفي بتقديم جوابه، لا المزايدة. نحن نريد أن تخرج سوريا بشكل مشرف من لبنان ولا نطمح الى حوار لا تحت السقف السوري أو السقف الفرنسي أو السقف الأميركي، بل تحت سقف الثوابت الوطنية وفي مقدمها العيش المشترك. أنا أسأل بماذا يختلف طرح اميل لحود عن طرح نسيب لحود. هما يطالبان بالشيء نفسه، فلماذا، والحالة هذه، يكون نسيب لحود معارضاً، هل ليصفي حساباً سياسياً وشخصياً مع إبن عمه؟ على المعارضين قبل أن يقدموا عروضاً أن يكونوا موجودين وبيدهم أوراق".
ويتابع عون: "كنت دائماً أطرق باب دمشق، سواء كانت مضغوطة ام مرتاحة، ولكن العدائية كانت تردني من سوريا. أنا اليوم لم أتغير. فمن حقي أن أطالب بسيادة بلادي وقرارها الحر وخروج الجيش السوري منها، وفي المقابل نحن نريد أفضل العلاقات مع دمشق وأقول لها: أخرجي جيشك وخذي منا ما انت بحاجة اليه. منذ سنوات وانا أعاني في لبنان. من ثار على دربي؟ أنهم أولئك المعارضون المسيحيون. سمّوني متطرفاً. قالوا عني مغامراً. وصفوني بالجنون. هؤلاء يرفضون أن يواكبون تفكيرك، لا ينظرون الى أمامهم ولو على مستوى ما سوف يحصل بعد ساعات قليلة. لا يفكرون الا بالأمس ويومهم، أما الغد فهو الغائب الأكبر عن همومهم".
وحدة المعارضة: قواعد العمل
وسط هذه الصورة، ثمة من يتهم عون بالعمل على ضرب فاعلية المعارضة، عشية الانتخابات النيابية التي، يجد فيها كثيرون مناسبة ذهبية لانجاز التغيير المنشود داخلياً.
"جنرال المعارضة" يرفض هذا الطرح، اعتقاداً منه أن السؤال السليم الواجب طرحه على من يسميهم بالمعارضين الجدد هو الآتي: "الجنرال في موقعه، فكيف تريدون التعامل معه؟".
ويقول: "أريد تمييزاً واضحاً. أنا تاريخي ثابت في المعارضة. عندما يقتربون مني يصبح بإمكاني أن أمد يدي لمصافحتهم، وحين يبتعدون تصبح يدي، بطبيعة الحال، بعيدة عن اياديهم. يريدون تحالفاً ضمن المعارضة؟ أهلاً وسهلاً لا بل هذا ما نطمح اليه، ولكن لنتفق على قواعد عمل، فلعبة كرة القدم تكون مستحيلة إذا لم تراع بها القواعد. فليحسبوا المعارضة لعبة رياضية ولنتفق معاً على القواعد".
يضيف: "المعارضة تنادت الى اجتماع بريستول واحد، ولم ندع فصمتنا. ثم عملوا ورقة عمل فأبدينا ارتياحنا لوجود حركة جديدة على الساحة الداخلية. دُعينا الى المشاركة في اجتماع بريستول ـ 2، فحضرنا وأبدينا رأينا بموضوعية عن وجود فوارق في التوجهات بين ما تتضمنه الورقة وبين ما نطالب به نحن كتيار ثابت في خط المعارضة، وذلك منذ حاول الأميركيون في العام 1988 تعيين رئيس لجمهوريتنا. فأين الاعتداء على الآخر، لا بل أين الافتئات عليه؟ تعرفون جيداً ماذا قالوا عنا ولكننا قررنا أن ننسى، لأننا نطالب الجميع بالعمل معاً لبناء وطن يليق بالمستقبل. نحن نرى بوضوح. فلا نريد أن نورث أنفسنا مشكلة كبيرة بعد الانسحاب السوري من لبنان، ولذلك نتكلم مع المعارضة وذلك بغيرة لامتناهية، ونقول لها انتبهي نحن نقف على صابون".
الاتفاق السياسي
ويحدد عون نقاط الخلاف السياسي مع الفئات المعارضة الأخرى، وفق الآتي: "ينسبون ما يحصل في البلاد الى التدخل السوري، ولكنهم في المقابل يريدون تركه موجوداً. ويقولون ليبقَ في البقاع ونقول نحن، وهل ان السوري يتدخل في بيروت بالهبوط من خلال المظلة. يردون بأنهم يطرحون صيغة الوجود الاميركي في المانيا، ونرد نحن بأننا لسنا ألماناً فيما السوريون ليسوا أميركيين. ونسأل عن ذاك المسؤول اللبناني القادر ان يقول لا لبشار الأسد كما فعل شرودر مع جورج بوش بالنسبة للحرب في العراق. لو كان لدينا شرودر لبناني لوافقنا، ولكن من اين نأتي بمثيل له، يا رجل دعنا نصمت، فهذا افضل من فتح الجروح".
ويقول عون: في وثيقة البريستول اعلنوا عن اتفاقهم على الاختلاف، ونحن نريد ان نعرف اذا كانوا مختلفين ام متفقين. لقد احترنا، اذ أعادونا الى مسرحية ميسّرين للأخوين الرحباني، كيف ادافع عن الوجود السوري في البقاع والشمال وعن "حزب الله" في الجنوب، ثم اندفع للكلام على السيادة والاستقلال؟ بربكم فسروا لي لم أعد أفهم"
التحالف مع المعارضة
ولكن ما هي القواعد التي يطرحها للتحالف انتخابياً مع المعارضة، طالما انه يريد للتوافق السياسي طرحا مماثلاً؟
يرد: "نعم نحن نريد ان نتوحد انتخابيا مع المعارضة، فلا يمكننا منطقياً خوض الانتخابات وحيدين حتى ولو كنا نطمح الى اكتساح المجلس الجديد. ولكن يجب ان يفهم الجميع ان ثمة شروطا علمية للتحالف، على اساس ان لكل طرف حجمه الشعبي. نحن لا نريد تضخيم حجمنا ولا نقبل ان يضخم غيرنا حجمه. هناك شركات متخصصة بقياس الاحجام الانتخابية، فليتم التحديد اللجوء اليها، وحينها كل واحد يرضى بحجم الآخر الحقيقي. نرفض "الطعمزة". هناك من يقول انه يريد ان يبقى "زلمته" معه لأنه أبلى حسناً، ونحن لا نرضى بذلك، لقد تركنا في السابق فراغاً، أما الآن فنريد أن نملأه".
ولكن، وفي حال رفض هذا الطرح، ثمة من يخاف على امكان فوز المعارضة في الانتخابات. نطرح هذه الاشكالية على عون فيرد: لا تسألني عن ذلك، لا تسألني. اذا لم يدخل أي من مؤيدي الى المجلس النيابي الجديد في هذه المرحلة، لن يتغير شيء بالنسبة لي، ولكنّ أموراً كثيرة ستتغير بالنسبة للآخرين. انا تواجهت مع كل العالم ولم "أطعج". قالوا عني عنيداً أما أنا فأؤكد ان هناك اشياء اساسية لا اتنازل عنها. مع كارلوس اده تفاهمت خلال التحضير للانتخابات البلدية، بخمس دقائق، لأنني وجدته صادقاً ومباشراً ويعرف ماذا يريده للبنان. وغبريال المر فضلته على ميشال المر، ليس لأنه أعجبني شخصياً، بل بسبب الخطاب السياسي الذي كان يحمله..
التحالف مع الموالاة
أمام هذا الواقع، ثمة إمكانية لأن يبتعد عون عن المعارضة في الانتخابات النيابية المقبلة، فهل يتحالف والحالة هذه مع الموالاة، إذا رضيت بشروطه؟
أجاب: إذا كانت الموالاة على استعداد لتلبية الشروط التي وضعتها، فأهلاً وسهلاً، وسأكون واضحاً كل من يقول انني مستعد للسير بالخط الوطني الذي يعيد السيادة الى لبنان، لا توجد مشكلة معه، خصوصاً واننا نؤكد انه إذا انسحبت سوريا من لبنان فلا مشكلة معها. أنا رجل لا أعداء لدي، بل ثمة من يحاول تفسير مواقفي بأنها مواقف عدائية".
"مستعد لترك الساحة"
اضاف: "السؤال الذي أطرحه على من سأتحالف معهم في الانتخاب يتمحور حول الامور التي سوف نحققها في حال حققنا الفوز، وتمكنا من تشكيل حكومة، ولذلك لا بد من اعداد ورقة عمل مشتركة يلتزم بتنفيذ مضمونها الجميع، من دون اعطاء فرصة لأي كان في استغلال الاستثناءات والفوارق حتى يتبرأ من المبادئ المتفق عليها، وبهذا المعنى فالانتصار من دون برنامج كالخسارة من دون برنامج. نريد انشاء جبهة سياسية قادرة على الصمود 4 سنوات ومؤهلة لبدء التنفيذ منذ لحظة اعلان الفوز".
ويختم عون: "اذا خضنا الانتخابات على شعارات لا تلتزم ببرنامج تنفيذي لها، نكون في خانة من يغشون الناخب، لأن من انتخبنا انما عبّر عن تمسّكه بما نرفعه من شعارات، انا غير مستعد ان افعل بالناخب ما يفعله بعض السياسيين حاليا بفرنسا والولايات المتحدة الاميركية، لقد شتموا باريس وواشنطن لأن لديهما مصالح، وحين نزلتا بكل امكاناتهما على الساحة لتنفيذ شعاراتنا هربنا وبدأنا نفلسف الأمور، اذا كان الحل حتى يسير اللبنانيون في دعم القرارات الدولية المساندة لوطنهم ان اترك الساحة لشخصيات سياسية محددة، فأنا مستعد لذلك".